تعقد غدا بالعاصمة البريطانية لندن قمّة حول مكافحة الفساد بمشاركة العديد من قادة العالم، وتهدف إلى بحث طرق ووسائل التصدّي لهذه الآفة المتمدّدة التي أصبحت تنخر اقتصاديات الدول وتقوّض الجهود الرامية لمكافحة الفقر ونشر الرخاء ومكافحة الإرهاب والتطرف...
تعتزم هذه القمّة، التي جاءت بعد أن أصبحت روائح الفساد تزكم الأنوف، وفضائح المفسدين تنشر كالغسيل القذر على الملأ من خلال أوراق بنما ومقالات الصحف وقضايا المحاكم وحتى احتجاجات الشعوب، كما يقع في العراق والبرازيل، إلى تتويج أشغالها بـ«إعلان عالمي ضد الفساد» يمكّن من رصد الفساد ويشدّد على ملاحقة ومعاقبة مرتكبيه ومسهليه أو المتآمرين والمتواطئين معهم.
إن عقد قمة عالمية لبحث طرق ووسائل مواجهة الفساد يعكس بما لا يدع مجالا للشك، بأن هذه الآفة أصبحت متغلغلة كالدّاء الخبيث في الكثير من الدول، المتخلّفة منها قبل المتقدمة، وباتت بالفعل تشكّل عدوا شرسا وجب إعلان الحرب عليه قبل أن ينقضّ على مفاصل الدول ويزلزل كياناتها ويزجّ بها في متاهة العجز المالي والانهيار الاقتصادي والفوضى الاجتماعية التي تنتهي حتما إلى عدم الاستقرار السياسي.
وعلى أهميّة هذه الحرب واستعجاليتها، وجب التأكيد أنّها لن تكون سهلة بالمرّة، أوّلا لأنّ الفساد يخشى النور ولا يجري إلاّ في الظلام ما يجعل كشفه يتطلّب يقظة وإرادة كبيرتين، وهو يأخذ أشكالا وألوانا كثيرة متغيّرة ومبتكرة تعكس دهاء ممارسيه، والأصعب من ذلك غطاء الحماية التي يتوفّر عليها هؤلاء من متواطئين قد يكونون بدرجة مسؤولين نافذين.
لكن مع كلّ هذه التحدّيات،فاستئصال هذا الدّاء الذي تحوّل إلى وباء عالمي، سيكون في متناول اليد إذا تكاتفت الجهود وتوحّد العالم في حرب تشبه حربه على الإرهاب.
وفي الواقع ليس هنالك فرق كبير بين الإرهاب والفساد، فكلاهما وجهان لعملة واحدة عنوانها الإجرام والفتك بحياة الناس وأرزاقهم بغير وجه حقّ، وحتى إن كان الأول يبدو أكثر دموية وخطورة لأنّه يطال حياة البشر بصفة مباشرة، فإنّ الثاني أيضا يفتك بأرزاقهم وهو قتل أيضا.
الانتصار في معركة الفساد حتمي، تماما كالانتصار في الحرب على الإرهاب، وعقد قمة لندن غدا لبحث هذه الآفة، هو بداية الطريق الصحيحة، فقط وجب التحلّي بالإرادة الصادقة والشجاعة الكافية لكشف المفسدين والمتواطئين معهم مهما كانت درجات نفوذهم، ثمّ وهو الأهم على الغرب المتطوّر الذي يطلق اليوم مبادرة مكافحة الفساد أن يبدأ بتنظيف بيته، ففي بنوكه يخفي الفاسدون وسرّاق المال العام مسروقاتهم، وهو يعلم ذلك جيّدا لكنّه يلتزم الصمت، طبعا فهو يستفيد من هذه الثروات المنهوبة لتطوير اقتصاده وتحقيق رفاهية شعوبه على حساب الآخرين، لهذا وحتى تنجح أيّ حرب مضادة للفساد، وجب البدء بتصحيح قواعد عمل هذه البنوك، فتصدّ أبوابها في وجه المال القذر، ثمّ لا بدّ من إجراءات عقابية ردعية ضدّ كل من يدان بالفساد حتى يكون عبرة للآخرين.