خطوة غير محسوبة العواقب وسابقة خطيرة تلك التي قام بها المغرب الشهر الماضي عندما قرّر طرد 84 موظفا مدنيا من «بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية» «المينورسو»، إضافة الى عنصرين من القبعات الزرق تابعين لها .
فهذه الخطوة التي يعتقد البعض بأنّها جاءت احتجاجا من المغرب على تصريحات الأمين العام الأممي، بان كي مون لأنه فقط سمّى الأشياء بمسمّياتها ووصف تواجده بالإقليم الصحراوي احتلالا وهو بالفعل كذلك بتأكيد قرارات المنظمة الدولية ولوائحها، ترمي في واقع الأمر إلى تجسيد رغبة جامحة تسكنه في تفكيك هذه البعثة ونسفها لأنها تذكّره في كلّ وقت وحين بأنه مجرّد محتلّ وبأن الحلّ في الصحراء الغربية يمرّ عبر استفتاء لتقرير المصير ترعاه «المينورسو»، وليس حلاّ مفصّلا على المقاس يريد أن يفرضه خارج أسوار الشرعية تحت مسمى «الحكم الذاتي».
وحتى ندرك خبايا الخطوة المغربية المشينة، وانعكاساتها الخطيرة على القضية الصحراوية، يجب التعرّف على ماهية «المينورسو»، مهامها، انجازاتها والعراقيل التي تقف في طريق تحقيق غايتها الأولى وهي تمكين الصحراويين من تقرير مصيرهم عبر استفتاء حرّ ونزيه يتضمّن ثلاثة خيارات، الاستقلال، الضمّ، والحكم الذاتي.
مهام حدّدتها خطّة التسوية وقبلها طرفا النزاع
أُنشئت بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية «المينورسو» في 29 أفريل سنة 1991، لتطبيق خطة تسوية وضعتها المنظمة لحل مشكلة الصحراء الغربية بالاتفاق مع طرفي النزاع فيها، ومن أبرز مهماتها تنظيم استفتاء لتقرير مصير الشعب الصحراوي، والإشراف على مراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليزاريو، وإزالة ألغام الحرب التي وقعت بين الطرفين ما بين سنوات 1975-1991.
تعود بداية التفكير في إنشاء (المينورسو) لعام 1985، حين قرر الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك خافيير بيريز دي كويلار بالتعاون مع منظمة الوحدة الأفريقية إرسال «بعثة مساع حميدة» للبحث عن حل لمشكلة الصحراء الغربية.
وقد توصلت البعثة إلى «مقترحات للتسوية» قـُبلت في 30 أوت 1988 من طرفي النزاع المغرب والبوليزاريو وفي 1990، اعتمد مجلس الأمن تقرير الأمين العام (س/21360) الذي تضمن النص الكامل لمقترحات التسوية وإطار خطة الأمين العام لتنفيذها.
وفي 29 أفريل 1991، قرّر مجلس الأمن في قراره رقم 690 (1991) أن ينشئ البعثة وسماها «بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية» (المينورسو)، وفقا لتقرير الأمين العام (س/22464) الذي فصّل بشكل أكبر خطة تنفيذ التسوية الأممية.
وقد نصت الخطة على اعتماد «فترة انتقالية» يتولى المبعوثون الأمميون للصحراء الغربية (ممثلوالأمين العام للأمم المتحدة) خلالها المسؤولية التامة والمنفردة عن كل المسائل المتعلقة بالاستفتاء الذي سيختار فيه شعب الصحراء الغربية بين الاستقلال عن المملكة المغربية أو الاندماج معها. وهو الاستفتاء الذي كان مقررا إجراؤه في جانفي 1992 وحالت عثرات مغربية دون تنفيذه.
المقر والأهداف
يوجد مقر البعثة الرسمي في العيون المحتلة (كبرى مدن الصحراء الغربية)، ولها مكتب ارتباط في مخيمات اللاجئين ..
وتوزع البعثة العديد من عناصرها الأمنية والإدارية على عدة أماكن أخرى داخل الصحراء الغربية، مثل السمارة و أو سرد في القسم الواقع تحت حكم المغرب، وتفاريتي وميجك وبير لحلوفي المناطق التابعة لجبهة بوليساريو.
قرر الأمين العام للأمم المتحدة دي كويلار أن وقف إطلاق النار الرسمي بين المغرب وجبهة بوليساريويجب أن يصبح نافذا في 6 سبتمبر 1991 حسب الاتفاق بينهما، لكي تبدأ «الفترة الانتقالية» التي نصت عليها التسوية الأممية.
وقد أيد مجلس الأمن اقتراح الأمين العام وصادق على توزيع أكثر من مائة مراقب عسكري - إضافة إلى موظفين للدعم الإداري واللوجستي - في الصحراء الغربية للتحقق من تطبيق الطرفين لوقف إطلاق النار ووقف عمليات القتال بينهما في بعض المناطق، وذلك تحت أحكام «الفصل السادس» من ميثاق الأمم المتحدة.
وهكذا اقتصرت المهمة الأساسية لبعثة المينورسوبداية على التحقق من وقف إطلاق النار عبر مراقبة تموقع الجانبين على طرفي «الحاجز الأمني» الذي بناه المغرب 1980، ويفصل الجزء الصحراوي المدار بواسطة المغرب (الغرب) عن المنطقة الخاضعة لسيطرة جبهة بوليساريو (الشرق).
وحين أنشئت «لجنة التحقق من الهوية» التابعة لبعثة الأمم المتحدة لإجراء الاستفتاء بالصحراء الغربية في ماي 1993؛ بدأت بعثة المينورسو تنظيم عملية تحديد هوية الناخبين الصحراويين الذين تحقّ لهم المشاركة في الاستفتاء الخاص بتقرير المصير، وتذليل ما يعترض العملية من صعوبات إجرائية وميدانية.
وإضافة إلى سعيها لصياغة حل سياسي دائم ومتوافق عليه بين أطراف النزاع في قضية الصحراء، تتضمن أهداف البعثة ومسؤولياتها أيضا دعم عدد من برامج المساعدات للتعامل مع أوضاع العائلات الصحراوية المشردة.
وكثيرا ما أفادت تقارير إعلامية بأن المغرب يتجه لدعوة الأمم المتحدة إلى إنهاء عمل بعثة المينورسو، خاصة بعد تعالت الأصوات الداعية إلى توسيع مهامها لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء الغربية ..
الهيكلة والتمويل
تتكون بعثة المينورسو - حسب تجديد تفويضها الصادر في 30 جوان 2015 - من 210 عسكريين وأمنيين (26 عسكريا، وستة من الشرطة، و178 مراقبا عسكريا)، و84 من الموظفين المدنيين الدوليين، و162 من الموظفين المدنيين المحليين، و12 من متطوعي الأمم المتحدة.
وقد كان المقرر أصلا أن يتراوح حجم الشق المدني في البعثة ما بين ثمانمئة وألف شخص على أساس متطلبات المراحل المختلفة للفترة الانتقالية؛ بينما يبلغ الشق العسكري حوالي 1700 فرد، ووحدة الأمن حوالي ثلاثمئة ضابط شرطة.
وتتوزع جنسيات الأفراد العسكريين على 34 دولة، من بينها روسيا والأرجنتين وأورغواي وآيرلندا وألمانيا وأندونيسيا وباكستان والبرازيل ونيجيريا وهندوراس وهنغاريا واليمن والهند. أما أفراد الشرطة فهم من بلدان مصر والأردن واليمن والأرجنتين.
تتولى الأمم المتحدة تمويل بعثة المينورسو، وقد بلغت ميزانيتها المعتمدة للسنة المالية الواقعة بين جويلية 2014 وجوان 2015 قرابة 56 مليون دولار أمريكي.
تطورات
في 15 مارس 2016، قرّر المغرب تقليص حجم الموظفين المدنيين العاملين في إطار بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية وسحب مساهمته المالية التطوعية لها، ما يعني عرقلة مهامها، وهو الأمر الذي يفتح المنطقة على المجهول، خاصة وأن الصحراويين يلوحون بالعودة إلى حمل السلاح اذا استمر المغرب في سياسة الهروب الى الأمام وواصل رفضه للامتثال للشرعية الدولية ..