الخبير الأمني د. حكيم غريب يقيم مسار السلام

إتفاق الجزائر محطة حاسمة لاستقرار مالي

أجرت الحوار : آمال مرابطي

قبل نحو سنة وتحديدا في 15 ماي 2015، تمّ التوصّل الى اتفاق السّلم والمصالحة في مالي بمرافقة وساطة ناجحة للجزائر، واليوم تقف «الشعب» مع الخبير الإستراتيجي والأمني الدكتور حكيم غريب لتسأله عن تطبيقاته في الميدان، فيردّ بالقول «ان تنفيذ هذا الانجاز التاريخي يجري في مناخ يتّسم بالجدية والهدوء والفعالية رغم بعض المحاولات اليائسة للجماعات الارهابية التي تسعى للتشويش على المسيرة السلمية في مالي، لكن دون جدوى، بالنظر لالتزام جميع الاطراف بما جاء في الاتفاق واصرارها على طيّ فصول الازمة بصفة نهائية». وعرّج الدكتور حكيم غريب على الدور الهام الذي ما انفكت الجزائر تبدله لبسط الامن والاستقرار بالمنطقة، واكد بأن اتفاق السلم المالي أثبت نجاح مقاربته التي  جنبت الاقليم الكثير من الكوارث والأزمات ومشاريع التدخل الخارجي التي تسعى  في الغالب لتحقيق أهداف إستراتيجية مشبوهة في الساحل الإفريقي وفي عموم افريقيا .
واعتقد  غريب أن سنة 2016، ستكون حاسمة بالنسبة لمالي، حيث ستشهد مرحلة متقدمة بامتياز في تنفيذ اتفاق السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر، والوصول الى إرساء سلم مستدام وتنمية حقيقية ترتقي بالشعب المالي إلى مستوى معيشي وحياتي وأمني يستجيب لكل آماله وأحلامه.
 «الشعب»، قبل انقضاء سنة على توقيعه بواسطة الجزائر، ما تقييمكم لمسار تطبيق اتفاق السلم والمصالحة في مالي؟
الدكتور حكيم غريب: في البداية أود أن أوضّح نقطة مهمة، بالنسبة لهذا الاتفاق وما قبله هو نتيجة جهود دبلوماسية شاقة، حيث عملت الجزائر منذ أكثر من 23 سنة من أجل طيّ ملف الأزمة المالية، فالجزائر لم تتخل في يوم من الأيام عن الملف المالي، رغم الظروف الأمنية التي عاشتها طوال العشرية السوداء، ومساعيها بدأت فيها منذ 1963، تاريخ أول حرب عسكرية بين الحكومة المالية وحركة الأزواد، وقادت الدبلوماسية الجزائرية مساع كبيرة لرأب الصدع المالي من جهة، ومنع التدخل الأجنبي من جهة ثانية، بالإضافة إلى مكافحة الجماعات الإرهابية والمتطرفة على مستوى حدودها الجنوبية الشاسعة، إلى أن نجحت يوم  15 ماي 2015، في دفع الأطراف المالية الى توقيع اتفاق السلم والمصالحة، وهكذا أثبتت الدبلوماسية الجزائرية للمجتمع الدولي نجاح مقاربتها في حلّ الأزمات عن طريق الحوار والحل السياسي، ويعد هذا الاتفاق من الإنجازات الهامة في تاريخ الدبلوماسية الجزائرية، ونجاحه لم يشمل دولة مالي فقط، ولكنه عمل على المحافظة على الاستقرار والسلام في كل المنطقة، ويأتي هذا الاتفاق تأكيدا لالتزام الجزائر بالحلول السلمية وحل النزاعات بالطرق الودية.
وفي اعتقادي إن مسار تطبيق اتفاق السلم والمصالحة ـ الجاري تطبيقه منذ أشهر -، يعتبر خطوة أساسية نحو إقرار السلام الدائم والمصالحة الشاملة في هذا البلد، رغم ما رافقته من اختلالات نسبية تمثلت في وقوع هجمات إرهابية كالهجوم على فندق «راديسون بلو» بالعاصمة باماكو، أضف إلى ذلك الأنشطة ذات الصلة بالجريمة المنظمة العابرة للحدود بمنطقة الساحل الإفريقي، ولكن رغم كل ذلك أرى أن مسار السلم والمصالحة في مالي بدأ يعطي نتائج جد إيجابية منذ استكمال التوقيع على الاتفاق في 20 جوان 2015، بخصوص مالي، وكانت نتائجه ملموسة على أرض الواقع لكون الأطراف المشاركة في مسار الجزائر توقفت نهائيا عن الاقتتال بفضل المتابعة الجزائرية التي تسعى إلى توطيد مكاسب مسار السلم في مالي والسهر على احترام الأطراف المالية لبنود الاتفاق وتكثيف الجهود الجماعية للمجتمع الدولي من أجل دعم هذا المسار، رغم أن هناك محاولات من طرف الجماعات الإرهابية لعرقلة مسار السلم عن طريق تكثيف الاعتداءات الإرهابية في التراب المالي، وهنا أؤكد أنه يجب على الأطراف الدولية أن تلعب دورا كبيرا في دعم جهود السلام في مالي طبقا لأحكام اتفاق السلم المنبثق عن مسار الجزائر.
ولهذا نرى من الضروري على المجتمع الدولي أن يدعم الدور الحاسم الذي تضطلع به الجزائر على رأس فريق الوساطة الدولية، من خلال تجنيدهم لمساعدة مالي على التطبيق الفعلي ومواصلة مكافحة الإرهاب والإجرام، إضافة للدعم المستمر للعملية التنموية في هذا البلد والإسراع في التطبيق الفعلي للاتفاق وفسح المجال لمصالحة وطنية ترافقها أعمال تنموية لفائدة الشعب المالي من المجموعة الدولية.
 الجزائر تواصل مرافقتها لمساعدة مالي على طيّ صفحة الأزمة، فيما تتجلى جهودها في الوقت الراهن؟
^^ فعلا، إن مسار السلم والمصالحة الجاري تنفيذه في مالي والمنبثق عن مسار الجزائر يجري في مناخ يتسم بالجدية والهدوء والفعالية رغم بعض الصعوبات نتيجة لبعض العمليات الإرهابية التي تحدث بين الحين والآخر، إلا أن الجزائر تعمل باهتمام كبير والتزام صارم في التعجيل بوتيرة الخروج النهائي من دائرة الأزمة الأمنية التي تواجهها مالي بحكم أنها ترأس لجنة متابعة الاتفاق، فهي تعمل دون كلل كما تبذل مجهودات جبارة لمساعدة الأطراف على الالتزام بمسؤوليتها في هذه المرحلة الراهنة التي تميزها تحديات أمنية مازالت مالي تواجهها، ويستدعي من كل أطراف الاتفاق المزيد من الحذر والحيطة والتعبئة، لهذا نجد الجزائر تعمل من خلال منظمة الاتحاد الإفريقي لتحقيق التنمية في المنطقة وهذا من خلال السهر على تنفيذ الجوانب التنموية المبرمجة التي تضمنها الاتفاق وتسوية الأزمات التي طالت شمال مالي بشكل نهائي، وعزل الجماعات الإرهابية والإجرامية أكثر فأكثر، كما تعمل الجزائر من خلال ترأسها لجنة المتابعة على تشجيع المجتمع الدولي على مواصلة دعمه السياسي والتقني والمالي لتطبيق الاتفاق لاسيما البرامج التنموية المبرمجة في شمال مالي بشكل يسمح للسكان المستفيدين من السلم والأمن من العيش في ظروف اجتماعية واقتصادية جدية، ومن جهة أخرى الدبلوماسية الجزائرية تواصل مرافقتها لمسار السلم من خلال جولات الاجتماعات التشاورية رفيعة المستوى المنعقدة بالجزائر التي سمحت بتبادل وجهات النظر حول تطور الوضع منذ توقيع الاتفاق، والأشواط التي قطعتها الأطراف الموقعة من أجل بناء السلم والأمن، وصدّ الهجمات الإرهابية التي تستهدف الجيش المالي والقوات الدولية، والحركات الموقعة على الاتفاق والسكان المدنيين، ويبقى الحل الأكيد والنهائي هو تجسيد اتفاق الجزائر في مالي وتكثيف جهود كل الشركاء الإقليميين والدوليين لمحاربة الإرهاب بمنطقة الساحل الذي يمكن من حل الأزمة بمالي وتطبيق بنود الاتفاق الجزائري على الأرض وبوتيرة سريعة وحازمة وتجنيد كل الأطراف للوفاء بالتزاماتها الدولية اتجاه مالي من دعم لوجيستيكي ومالي وعسكري بعيدا عن أي مناورات خارجية قد تعكر مسار هذه العملية السلمية، والمصيرية بالنسبة للشعب المالي وشعوب المنطقة.
الأكيد أن تحديات صعبة لازالت باماكو تواجهها خاصة على الصعيد الأمني، فكيف تقرأون هذه التحديات وسبل التغلب عليها؟
- من المؤكد أن الإرهاب والجريمة العابرة أعداء نشطين لأي عملية سلمية، بحيث نجاح تطبيق الاتفاق سيحرمهم من الحواضن الخصبة لممارسة وحشيتهم وأعمالهم الدموية وامتداد نشاط المنظمات الإجرامية عبر المنطقة، بالتالي أرى من أولويات أطراف الاتفاق لمواجهة التحديات الأمنية هو الإسراع في تشكيل إدارة انتقالية على مستوى الولايات حتى يشعر الأهالي والسكان بأن هناك تحركات ميدانية من خلال التعجيل بتطبيق المسائل الأمنية كالدوريات المشتركة التي تمّ الاتفاق عليها، ووضع الآليات الإستراتيجية لمتابعة وتنفيذ الإجراءات الرامية إلى إيجاد حل سلمي ودائم لمشاكل شمال مالي، وهذا ما أكده في الحقيقة رئيس البعثة المتعددة الأطراف المدمجة للأمم المتحدة من أجل الاستقرار في مالي (المينوسما) أن أنجع وسيلة لمحاربة الإرهاب تكمن في المساعدة على تطبيق اتفاق السلم والمصالحة، لهذا نرى أن مالي تعيش في الوقت الراهن على مستوى جبهتان، الأولى للشركاء الموقعين على اتفاق السلم والمصالحة والجبهة الثانية جبهة المنظمات الإرهابية التي تسعى جاهدة لتقويض عملية السلم، لهذا يجب على كل الأطراف الموقعة على هذا الاتفاق والجزائر على وجه الخصوص بذل المزيد للتعجيل بتنفيذ بنود الاتفاق وتطبيقه في هذا البلد لأنه الوسيلة الأنجع للتغلب على هذه التحديات الأمنية وإطلاق عملية التنمية لأنها ذات أهمية قصوى ومن دونه لن يكون لا سلام ولا أمن، لهذا يجب إطلاق المبادرات الملموسة في مجالات أساسية بما فيها الأمن والمصالحة، والجزائر دائما أثبتت لدول الجوار وللمجتمع الدولي بأنها وفية لالتزاماتها بالبقاء إلى جانب مالي إلى غاية استتباب الأمن والاستقرار في هذا البلد والانتقال نحو مرحلة متقدمة نوعيا في تطبيق مسار السلم.
 ماذا عن عودة الأمن والاستقرار إلى شمال مالي، وبالخصوص عودة اللاجئين إلى ديارهم؟
 حقيقة بعد العودة النسبية للأمن والاستقرار إلى شمال مالي، نرى أن عملية إعادة هؤلاء الماليين الذين اجتاحوا الساحات والأماكن العمومية أصبح أمرا ضروريا، لهذا أعتقد أن توفر القدر الممكن من الأمن والاستقرار يسمح بإعادة ترحيل  هؤلاء اللاجئين إلى بلدهم، خاصة أن السلطات الجزائرية من خلال ما قامت به اللجنة المشتركة لوزارات الداخلية والتضامن، والهلال الأحمر الجزائري بالإضافة إلى مختلف الأجهزة الأمنية، عملت جاهدة لحمايتهم والمحافظة على صحتهم وأمنهم وتقديم الكثير من المساعدات الإنسانية الأساسية، لهذا لابد من عودة الأفارقة، خاصة الذين تشهد بلدانهم نوع من الاستقرار والأمن.
معادلة التنمية لإقرار السلام، كيف هوتطبيقها في مالي؟
نرى في هذا المضمار أن قضية التنمية لا يمكن فصلها عن المقاربة الجزائرية التي تدمج بين كل من الأمن والتنمية، هذه المقاربة التي دعت الجزائر إلى تجسيدها حتى قبل أن تزداد الأمور تعقيدا في الساحل، لهذا حسب اعتقادي أنه لا أمن من دون تنمية، ولا تنمية من دون أمن في مالي، لهذا يجب على حكومة باماكوتبني مقاربة تعمل على دمج الأمن والتنمية تكون كفيلة بضمان الاستقرار، وبالتالي تحقيق سلم مستدام في ربوع مالي، هذا لا يتأتى إلا من خلال إدخال أمن الأفراد وممتلكاتهم في قلب كل مسار تنموي، أضف إلى ذلك يجب أن تكون من مهام هذا البلد خلق فضاء غير ملائم للإرهاب والجريمة المنظمة وترقية المصالحة الوطنية بين الفرقاء الماليين، وعدم ترك الفرصة للإرهاب لاستغلال الوضع الاقتصادي الهش، الأمر الذي يفتح الباب أمام الجماعات الإرهابية لتجنيد أعضاء جدد وهو واقع في منطقة الساحل، لهذا يجب القضاء على الفقر والبطالة والقضاء على كل مظاهر التطرف والإرهاب من خلال مبادرات تنموية للخروج من دائرة التخلف والتهميش خصوصا أن دولة مالي تتوفر على جميع الإمكانيات لتحقيق تنمية مستدامة من خلال الاستغلال الأمثل للموارد والمؤهلات التي تمتاز بها دولة مالي، ويبقى الهدف الأساسي من تطبيق معادلة التنمية لإقرار السلم هو المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما يسمح بتحسين الظروف المعيشية لسكان المنطقة خاصة الشمال، ومنحهم فرص اقتصادية ومن ثم الحيلولة دون تحول المنطقة لمنطقة نشاط الإرهاب والجريمة المنظمة، والعمل على تقوية مؤسسات الدولة ودعم ميكانيزمات الحوار الوطني في كل الأزمات الداخلية، وبالتالي إدراك مدى أهمية المقاربة التنموية لخلق بيئة سلمية وأمنية، فتحقيق النمو الاقتصادي يقلل من نسبة اللجوء إلى العنف والتركيز على التعاون الوثيق بين كل دول الجوار على مختلف المستويات.
 كلمة أخيرة
 أعتقد أن سنة 2016 ستكون سنة حاسمة في أزمة مالي للانتقال إلى مرحلة متقدمة بامتياز في تنفيذ مسار السلم والمصالحة المنبثق عن مسار الجزائر، والوصول الى إرساء سلم مستدام وتنمية حقيقية ترتقي بالشعب المالي إلى مستوى معيشي وحياتي وأمني يستجيب لكل آماله وأحلامه وهذا ما أكد عليه الالتزام الشخصي للرئيس الجزائري «عبد العزيز بوتفليقة»، بمساعدة الجزائر والتزامها إلى حين النجاح النهائي لمسار السلم والمصالحة وتحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة.
 والجزائر بالتأكيد واعية بالمسؤولية التي يتوجب عليها تحملها في سبيل تطبيق هذا الاتفاق من أجل تحقيق الاستقرار في كل المنطقة، قصد ضمان انطلاقها الاقتصادي وتحويل المنطقة الساحلية الصحراوية إلى منطقة تنمية من خلال إنجاز مشاريع مهيكلة وصولا إلى تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة.
ويبقى في الأخير، أن نشيد بالجهود التي تبذلها الجزائر من أجل طي ملف الأزمة المالية من خلال التمسك بمواقفها الثابتة من أجل استتباب الأمن والاستقرار وتحقيق المصالحة بين الأشقاء الماليين.
في اعتقادنا من خلال مقاربتها الإنسانية في مجال الأمن بمستوياته السبعة: المجتمعي، الاقتصادي، الثقافي، السياسي، العسكري، البيئي والصحي بمنطقة مالي، أثبتت الجزائر نجاحها في الوصول إلى اتفاق تاريخي وإنساني جنّب المنطقة الكثير من الكوارث والأزمات والمشاريع الخارجية وخلق نوعا من الاستقرار الأمني بالمنطقة، وبالتالي فوّت الفرصة على الأطراف الخارجية والمبرر الذي تسعى من خلاله تحقيق أهدافها الإستراتيجية في الساحل الإفريقي، لأن بلدان الساحل الإفريقي وعلى رأسها مالي وجدت أن  تعاونها مع الجزائر سيأتي بنتائج إيجابية ويحسّن الأوضاع الأمنية في دولهم ويحقق لهم الاستقرار والسلم لأن الجزائر رفضت دائما أن يكون هناك أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية للدول، وركزت على أفرقة الحلول.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024