ليبيا تمتلك مقومات التغلب على أزمتهـــا والتدخــل الخارجي ليس الحل
بكثير من التفاؤل ينظر الدكتور عبد السلام فيلالي أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة عنابة إلى مستقبل الوضع في ليبيا، حيث يرفض اعتباره كارثيا كما يفعل البعض، ويقول في حواره مع «الشعب» «أنه رغم ما نلمسه من عوامل التفرقة بين مكونات الشعب الليبي، فإن ذلك لن يدفع به إلى دوامة الانقسام والحرب الأهلية «فهناك ـ كما يضيف ـ معطيات كثيرة تؤكد بأنّ العقبات كلّها ستزول ليتم ترسيخ السلام والهدوء.
وأثنى الدكتور عبد السلام فيلالي على تشكيل حكومة التوافق ومباشرة مهامها، معبّرا عن قناعته بقدرة الفرقاء الليبيين على تجاوز أزمتهم فقط يجب عليهم ـ كما أضاف- اعتماد سبيل المصالحة والابتعاد عن القبلية والتعصّب والقبول بالتعددية والتداول على السلطة.
»الشعب»: خطوة في الاتجاه الصحيح قطعتها حكومة التوافق الليبية بتوجهها إلى العاصمة طرابلس ومباشرة مهامها فما قولكم؟
الدكتور عبد السلام فيلالي: لا بد من القول أولا أن ما تعرفه الشقيقة ليبيا من أحداث هو أمر مؤسف جدا، وأن شعبها يستحق أن يعيش في سلام وأمن.
ونستطيع القول أن عوامل التفرقة بين مكوناته الاجتماعية والسياسية لا تجعل هذا البد يعيش بشكل حتمي دوامة الانقسام والحرب الأهلية، ويكفي فقط توفر نية العيش المشترك لكي تزول العقبات أمام ترسيخ نظام سياسي كفيل بإحلال السلم والاتجاه نحو استعادة الهدوء والانطلاق في عملية الإنماء .
والواقع أن ليبيا تمتلك المؤهلات والموارد التي تكفل لمواطنيها عيش حياة كريمة.
وعلى هذا يبدو الاتفاق الذي أدى إلى تشكيل حكومة الوفاق الوطني مهما للغاية، لأنه بيّن من جهة قدرة الفرقاء على التفاهم، وأيضا الكشف عن حاجة المجتمع الليبي إلى الخروج من أزمته. والآن على المجتمع الدولي أن يدعم هذه الحكومة لكي تعزز سلطتها وتحقق ما هومطلوب منها.
تسلّم حكومة الوفاق زمام المبادرة يعني أن الدولة الليبية ستستعيد كيانها ومؤسساتها عما قريب؟
هذا الأمر ما زال مبكرا، فأولا يجب الشروع في تنفيذ سياسة مصالحة وتفاهم شاملة، بحيث لا يبقى أي مكوّن من مكوّنات المجتمع الليبي يعيش بشعور الإقصاء والتهميش. ويجب كذلك إقرار سياسة تضمن لكل الليبيين التمتع بحقوقهم، وأتصور أن العودة إلى روح المؤتمر الوطني العام التي أسست بفعل سياسي توافقي على أساس ديمقراطي أمر مطلوب. والابتعاد عن الحسابات القبلية أو الإيديولوجية الضيقة، من حيث الانخراط في مسار سياسي مبني على خدمة المواطن الليبي وتعزيز الحرية وضمان المشاركة السياسية والقبول بالتعددية والتداول على السلطة، هذه هي الأرضية التي تجعل حكومة الوفاق تنجح في مهمتها.
*لا شك أن الطريق أمام تشكيلة السراج غير مفروشة بالورود وهناك تحديات كثيرة تنتظرها، فما السبيل إلى مواجهتها؟
إضافة إلى العمل التأسيسي هذا، ينبغي أن تسترد الدولة الليبية سلطاتها وخاصة في مجال الأمن والدفاع، والحد من التدخلات الأجنبية، واقتناع الليبيين أنهم وحدهم بأفكارهم وأعمالهم يستطيعون تحقيق آمالهم، ثم التمهيد لعودة الشرعية بواسطة سن قوانين تتسم بالعدالة.
كما يجب تفعيل دور القوى المحلية (وهي ذات حظوة ومصداقية) لتسهيل عمل الدولة ولا تكون حجر عثرة (نظرا للخلفية القبلية التي تحكم النظام الاجتماعي)، وهذا بأن يفتح المجال واسعا أمامها لخلق حالة من التواصل والتعايش بينها في جو أخوي عام، على ألا تكون هي البديل في بناء النظام السياسي.
لا شك أن التحدي الأمني وانتشار «داعش» الإرهابي هو الامتحان الصعب الواجب النجاح فيه بليبيا؟
يستطيع الليبيون أن يتجاوزوا هذه الوضعية الحرجة من خلال منع أي تدخل أجنبي (التزود غير الشرعي بالسلاح)، وأن تقوم القبائل الليبية بعمل تحسيسي تربوي تجاه أبنائهم لإقناعهم بالعودة إلى جادة الصواب وبأن الرهان الحقيقي هو بناء ليبيا ودعم السلم. ثم يجب أن تسترد الدولة عافيتها سريعا لتقوم بواجبها في الدفاع عن المواطنين، ومنع حالة الانفلات في بعض المناطق لكي تخضع لسلطتها. كما ذكرت سابقا يلعب العامل القبلي دورا مهما في الحياة الاجتماعية في لبيبا، ومن ثم فإن الطريق الأمثل لتحقيق المصالح هو أن يوجد إطار تنظيمي لعمل القبائل في تعزيز أواصر الأخوة والمحبة بين عموم أبناء ليبيا، وبعد ذلك ترفع توصيات إلى الجهات السياسية المخولة دستورا تنفيذيا لإقرارها في شكل قوانين تتعلق بالعدالة الانتقالية.
إن هذا المسار كفيل بتبيان مواطن الخلل التي أدت إلى الانفلات، ووضع آليات تمنع الصدام.
وفي اعتقادنا يملك الشعب الليبي مقومات تجاوز أزمته، فهو شعب يحب وطنه ويحترم بعضه البعض. ولديه قناعة عامة بأن التطرف والتزمت طريقه مسدودة، وأيضا فإنه رغم تمسكه بأصالته وتقاليده إلا أنه قطع شوطا مهما في مجال التحديث، كل هذا يجب أن يتبلور في سياسة حكيمة تبنى على أن سلامة ليبيا تصنع خير كل الليبيين.