محمد بوضياف أستاذ بجامعة المسيلة لـ «الشعب»:

المقاربة الأمنية غير كافية لمواجهة الإرهاب بأوروبا واعتداءات بروكسل المثال الحي

أجرت الحوار : آمال مرابطي

التفجيرات التي هزّت بلجيكا الاسبوع الماضي وتلك التي زلزلت أمن فرنسا في نوفمبر الاخير،  أكّدت مرّة اخرى بأن الارهاب ظاهرة عالمية لا تعترف بالحدود ولا تميّز بين الشعوب، وأبانت عن قدرة الدمويين على استهداف اكثر الدول تحصينا أمنيّا واستخباراتيّا .
 في حواره مع «الشعب» توقّف محمد بوضياف أستاذ العلوم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة المسيلة عند هذه الظاهرة المتنامية، فتحدث عن قدرة الدمويين على تنفيذ عمليات مروّعة في أكبر العواصم الاوروبية، وعرّج على أسبابها وافرازاتها، خاصة ما يتعلّق بتنامي ظاهرة العداء للاسلام والمسلمين،ليخلص الى ما يراه مفتاحا  لدحر  الدمويين.
 «الشعب»: في ظرف 5 أشهر، تعرضت أوروبا لعمليتين إرهابيتين كبيرتين في فرنسا وبلجيكا، ما يعني أن أمنها أصبح على المحك، فما قراءتكم لهذه الهجمات، ولما استهداف أوروبا تحديدا؟
^^ محمد بوضياف: عوامل كثيرة ومتعددة، مادية ومعنوية، تجعل من أوروبا بيئة ملائمة ومميزة للنشاط الإرهابي، على رأسها الحريات الواسعة التي ينعم بها الإنسان في تلك البلاد، سهولة اقتناء المواد المتفجرة والأسلحة والمستلزمات الحربية لتنفيذ أي عمل إجرامي، حرية التنقل والتواصل عبر الحدود، مما يجعل أوروبا فضاء مفتوحا في تناول الشبكات الدموية، يضاف إلى ذلك الاختلالات الاجتماعية الناتجة عن احتكاك مختلف المجموعات الثقافية والاجتماعية المتباينة، مما يؤجج ظاهرة الصراع، الكراهية والعنف، ويؤسس لاتجاهات متطرفة قد تزيدها مخرجات السياسة الدولية الواقعية استعارا، ومن ذلك ما تمارسه بعض الدول الأوروبية منفردة (فرنسا وإيطاليا في ليبيا ومنطقة الساحل) أو من خلال الناتو (في كثير من دول العالم العربي والإسلامي (أفغانستان، العراق وسوريا وغيرها). وما يحدثه ذلك من احتقان وتذمر لدى المجموعات والفئات التي تشعر أساسا بالإحباط واليأس، وتدفعها إلى الشذوذ في الفكر والممارسة.
كما لا يمكن استبعاد أطروحات الاستغلال التي قد تمارسها الحركات الصهيونية من أجل تعبئة الرأي العام الأوروبي خدمة لأجنداتها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
 إذن فالمسألة جد معقدة وتستدعي الكثير من الجهد والتحليل، ولا تكفي الإجراءات التقنية والقانونية لمواجهة هذه الأعمال الارهابية والمتطرّفة، فقد تكون هذه العمليات الدموية تحدّيا للمنظومة الأمنية الأوروبية وتخط للإجراءات المتخذة بعد أحداث باريس في13  نوفمبر 2015،  ومحاولة لنقل الحرب إلى قلب أوروبا، حيث مقر الناتو وما لذلك من رمزية، أو تتذرع بالانتقام لمن تقهره القوات المسلحة للدول الأوروبية المشاركة في أرض المعركة ضد التنظيمات الإرهابية في  كثير من بلاد العرب والمسلمين، وقد يستثمر فيها من يرغب في مزيد من الصراع في المنطقة العربية بغرض تشتيتها وتأليب الرأي العالمي على أبناءها.
خلايا إرهابية نائمة تنشر الرعب
الذين ارتكبوا هجمات بروكسل وباريس مواطنون بلجيكيون وفرنسيون وإن كانوا من أصول أجنبية، ما يعني أن الغرب عجز عن إدماجهم واستيعابهم ودفعهم إلى أحضان الإرهاب، فما قولكم؟
 لاعتبارات تاريخية وثقافية وكذلك موضوعية، تتعلّق بعلاقات الاستعمار والنظرة الدونية التي يرى بها هؤلاء الأوروبيون الوافدين عليهم من مختلف مستعمراتهم، وما تحمله من انتقاص وتعال، وما تحدثه من شعور بالإذلال والإصغار لدى الجالية.
   وتتعلق كذلك بالديانة الإسلامية التي أصبحت تنافس المسيحية في عقر دارها، وتهدّد الأوروبيين في هويتهم، ونمط ومعيشتهم خاصة من هم على ضفاف البحر الأبيض المتوسط وفي تماس دائم مع المنطقة العربية الإسلامية، هذا الدين الذي يرونه يتدفق نشاطا وحيوية ويتزايد عدد معتنقيه منهم وهو الدين الوافد عليهم، اعتبارات أخرى موضوعية تتعلّق بالعدد الهائل من المهاجرين وما تمثله من ثقل سياسي ومؤسساتي وكذلك اقتصادي اجتماعي يجعل من الأوروبيين يتوجسون خوفا على مناصب شغلهم وحالة الرفاهية التي ألفوها، فتراهم يرسمون الخطوط الحمراء تلو الخطوط لقطع الطريق عليهم مخافة أن يصلوا إلى مراكز قراريه تمسّ مصيرهم ومصير قارتهم العجوز.
هذه الاعتبارات وغيرها،  تقف عائقا وحاجزا دون نجاح عملية الاندماج التي يتمناها أبناء الجالية العربية الإسلامية وتزايد بها الحكومات الأوروبية، وكل فشل في سياسات الإدماج تترجمه حركة التحول إلى طرف اللعبة وما ينجر عنها من سوء، والبحث عن التقوقع والاحتماء خلف صور تهدّد مستقبل العلاقة بين طرفي المعادلة، وتفتح في المقابل باب ممارسة العنصرية ضدهم من طرف حركات اليمين المستعلي، الذي يجتهد في تضييق الحيز المخصص لهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية. ثم إن السياسات الأمنية الخبيثة المنتهجة من قبل اللوبيات السياسية والأمنية القاضية بفتح الطريق أمام هؤلاء المهمشين ودفعهم بأساليب ماكرة إلى تبني الفكر الإرهابي ثم الزج بهم في أتون الحرب في منطقة الشرق الأوسط باسم الإسلام، وتفريغ أوروبا بذلك من العناصر المتطرفة، وتشويه الدين الإسلامي من جهة أخرى لتسهيل عملية تسيير كتل المهاجرين بإجراءات قمعية ومتشدّدة بسبب سفاهة أبنائهم.    
 في الغالب الحلول التي تتبنّاها أوروبا للوقاية من الخطر الإرهابي أو مواجهته تنعكس سلبا على الجاليات المسلمة والعربية، وتنمي مشاعر العداء تجاههم، فلما هذا الخلل وكيف علاجه؟
 بعد  أحداث فرنسا مباشرة عقد وزراء الداخلية والعدل للاتحاد الأوروبي جلسة طارئة تهدف إلى اتخاذ إجراءات من أجل تعزيز مراقبة الدخول والتنقل على أراضيها من أجل التضييق على حركة المجموعات المسلحة، وقد توّج الاجتماع بعديد من القرارات كانت مهدت لها عملية شارلي ايبدو، ومنها إقامة سجل لكل المسافرين من وإلى أوروبا، وطالبت فرنسا من جهتها بسحب القرار حتى على الرحلات الأوروبية الداخلية والاحتفاظ بالمعطيات الخاصة بالمسافرين لمدة سنة كاملة خلافا لما قررته مؤسسات الاتحاد التي لم تتجاوز شهرا واحدا، مراقبة وتنظيم امتلاك الأسلحة النارية والتشديد في مراقبة الحدود، وقد أخضعت هذه الإجراءات الجالية العربية والمسلمة لضغوطات كبيرة مسّت في بعض الأحيان كرامتهم كمواطنين أوروبيين أو كسياح.
أكبر الدول تسامحا يطالها الإرهاب
 انتشار الاسلاموفوبيا وانزلاق المجتمعات الغربية نحو اليمين والتطرّف سيحقّق نتائج عكسية، حيث سيدعم الإرهاب ولا يدحره، ما رأيكم؟
 تعتبر بلجيكا من بين أكبر الدول تسامحا مع الجالية المسلمة، فهي ثاني دولة أوروبية اعترفت بالدين الإسلامي، وسمحت ببناء المساجد، بها أكثر من أربعمائة معلم ومعلمة يدرسون التربية الإسلامية في مختلف المراحل، بلجيكا سمحت بالحجاب والنقاب وخصصت محاكم للأسرة وفق الشريعة الإسلامية، وسمحت بتعليم اللغة العربية وبها ثالث جالية مسلمة تعيش بحرية وفي أمان، بلجيكا رفضت أن تعتبر الإسلام إرهابا، وأعطت المسلمين إجازة في العيدين ولصلاة الجمعة وللحج وفتحت قنوات وإذاعة إسلامية وأنشأت مقابر ومدارس شرعية، وتمكن فيها المسلمون إلى أن وصلوا إلى مناصب عالية جدا في الحكومة سفراء ووزراء،،، ومن المؤكد أن أعمال، كالتي حصلت في بروكسل،  ستؤجج مشاعر العداء والكراهية، وتدفع المجتمع البلجيكي إلى تبني خيارات اليمين أكثر، وهو سلوك طبيعي قد لا يلامون عليه، لكن في المقابل ستنتج هذه الدينامكية ردود فعل عنيفة عند شباب الجالية العربية المسلمة والدخول في دوامة لن تنتهي.
بعد صدمة بروكسل سارعت أوروبا للبحث عن استراتيجية تمكنها من صدّ أبوابها  أمام الخطر الإرهابي، فهل تكفي المقاربة الأمنية التي راهنت عليها لتحقيق هذا الهدف؟
 لقد أفرزت العمليات الإرهابية جدلا كبيرا في الأوساط الأوروبية ـ تمثل أساسا في ثنائية الأمن والحرية، فالإجراءات الأمنية ستحد من حرية الأوروبيين وانتهاك خصوصياتهم وهي مسألة في غاية الحرج، يقابلها أطروحة أخرى مفادها أن توسيع نطاق الحرية سيسمح للإرهابيين من الاعتداء على أمن وسلامة المجتمعات الأوروبية، ومن المؤكد أن هذا الوضع ستستثمر فيه قوى اليمين وكذلك القوى الداعمة لأطروحة صراع الحضارات وتسعى دون كلل او ملل من تشويه صورة الإسلام والتشويش على المسلمين. وعلى العقلاء الأوروبيين، كما على الجالية العربية  المسلمة ان تكثفا من الحوار بينهما ويعملا من خلال مقاربة تشاركيه على محاصرة التطرف سواء الإرهاب الناتج عن حالة التهميش والحرمان التي تعاني منها الجالية أو تلك الصادرة عن اليمين المتطرف، وقد يكون من المفيد ان تستمع السلطات الأوروبية إلى طموحات وأحلام هؤلاء الشباب الذين يحملون جنسيات أوروبية ولا يحضون بنفس المعاملة  والامتيازات مع نظرائهم من السكان الأصليين، وان تفتح أمامهم الأفاق وفي كل الاتجاهات حتى يشبعوا طموحاتهم، وقد تؤدي المراكز الإسلامية ومنظمات المجتمع المدني دورا كبيرا في التحسيس بضرورة النضال السلمي والقانوني لنيل الحقوق بعيدا عن لغة العنف والتطرف.
سياسة المكيالين ولّدت التطرف
لابد أن هناك ترابطا بين امتداد الإرهاب إليها وبين السياسة الأوروبية حيال العرب والمسلمين خاصة في الشرق الأوسط؟
من المؤكد أن السلوك الأوروبي في السياسة الخارجية والأمنية وتقصيره بل وفشله في تحقيق سلام عادل وشامل في كل الصراعات التي تعرفها المنطقة العربية والإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين، وانتهاجها سياسة الكيل بمكيالين في كثير من القضايا وعدم تعاطيها بشيء من المسؤولية والإنصاف مع كثير من طموحات الشعوب وتطلعاتها في الاستقلال والعيش الكريم  ـ، بل وخضوعها للمنطق الأمريكي والصهيوني في كسر إرادة الشعوب وقهرها ومحاولة العبث بوحدة أوطانها وسلامة مجتمعاتها، هي من بين أهم الأسباب التي تغذي العنف المسلح والفكر المتطرف، وذلك بحكم القرب الجغرافي وما أحدثه من ارتباطات.
ما هي إمكانية صمود أوروبا أمام موجات الإرهاب، خاصة وأن الكثير من أبنائها سيعودون إليها بعد إنهاء مهمتهم القذرة في سوريا؟
 أوروبا مجتمع مهيكل ومنظم، وله من الإمكانيات المادية والمعنوية ما يسمح له بإدارة هذه الحرب القذرة، وسينتبه إلى السقطات التي يدفعه إليها اليمين العنصري أوالعنصرية الصهيونية، كما أن الرأي العام الأوروبي نشط، وبإمكانه أن يفرق بين الغث والسمين، يفرق  بين الجاليات الأجنبية المسالمة، التي تسعى إلى الاندماج في منظومة المواطنة الأوروبية والالتزام بدولة القانون، وبين هجين الفهم القاصر للتعايش والتدين، المهمشين، والظلم الاجتماعي وفشل السياسات الخارجية. فكثير من الأحزاب السياسية الأوروبية والجمعيات والمحطات  الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي بدأت في عملية التحسيس ضد هذا الوباء العابر للقارات والبحث عن أسبابه وهي تستشعر خطورته على أمنها وسلامة مجتمعاتها، وربما الإشارة في بعض الأحيان إلى مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية من خلال سياساتها الواقعية والانتهازية.
 المفتاح لمحاربة الإرهاب في رأيكم؟
 الإرهاب ظاهرة تعكس كل معاني الحرمان، الإقصاء والتهميش ولمحاربتها لابد من إشباع حاجيات الإنسان الفردية والجماعية وحفظ خصوصياته الثقافية وهويته، وتمكينه من حقوقه وهو عزيز مكرّم، ثم بعد ذلك بناء منظومة سياسية واجتماعية واقتصادية شفافة وعادلة تتيح له التمتع بحياة آمنة لتأتي بعد ذلك الوسائل الردعية والقمعية  كآخر دواء لمواجهة الشذاذ.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024