تداعيات حرب مدمّرة ما زالت مستمرّة
حلّت قبل يومين الذّكرى الثّالثة عشرة للغزو الأمريكي للعراق، والذي جاء بحجّة القضاء على أسلحة الدّمار الشّامل التي اتّضح زيفها وبطلانها فيما بعد، والإطاحة بنظام الرّئيس الشّرعي صدام حسين لتذكّرنا ـ الذّكرى ـ بوعود واشنطن التي تحدّثت عن عراق يمثّل نموذجا في الشّرق الأوسط وبلدا للحريات والسّلام.
الملايين من العراقيّين مازالوا يعانون الويلات بدءاً من الانهيارات الأمنية التي تلاحق بغداد والمحافظات الأخرى مرورا بالاحتقان الطّائفي الذي تعيشه البلاد ليكون سببا لعدم الاستقرار، واتّساع بقعة التّهجير داخلها أو اللّجوء إلى خارجها، بالإضافة إلى الشّحنة المتصاعدة بين مكوّنات العملية السياسية الطّائفية، وانتهاءً بتنامي خطر تنظيم ما يسمّى داعش الإرهابي.
فهل تحقّقت الوعود الأمريكية فعلا على أرض العراق؟ وهل أصبح فعلا بلدا للحريات والسّلام؟ وما هو المستقبل الذي ينتظر أرض أقدم الحضارات؟
العراق اليوم من أقل دول العالم حظّا من النّاحية العلمية والفكرية والأمنية والاقتصادية بعد أن كان بلدا مستقرّا آمنا وتنعدم به الأمية، فأيّ حضارة جاءوا بها إليه؟ وقد قتل وجرح فيه أكثر من أربعة ملايين عراقي وتشرّد أكثر من 10 ملايين، وأصبح بلد الطّوائف المتقاتلة وانقسم إلى أربعة أقسام لا تعرف لها حدود، ولا يرى فيها مستقبلا لأحد بعد أن كان بلدا موحدا متكاثفا ومتآخيا.
ويبقى 20 مارس 2003 بداية الاحتلال الأمريكي للعراق وصمة عار في جبين الإنسانية قاطبة لأنّها تعدّ من أكبر مآسي العصر الحديث، وقد استخدمت فيه الولايات المتحدة كذبتي وجود أسلحة الدّمار الشّامل وعناصر التنظيم الإرهابي «القاعدة في العراق» لبدء احتلالها للبلد العربي المنهك من الحصار المفروض عليه لسنوات مخلّفة مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين.
وفكّك الاحتلال العراق، حيث سقطت بغداد بعد أن دخلها الجيش الأمريكي لتنصب واشنطن بعدها «بول بريمر» حاكما على البلد، الذي كانت أولى قراراته حلّ الجيش العراقي، وبعد مرور 13 سنة عن الذكرى لا تزال الأزمة السياسية تراوح مكانها حيث الإرهاب واللاّأمن سيّدا الموقف.
قال أحد الباحثين في تعليقه على اليوم الأول من الغزو، أنّ مفتّشي الأمم المتحدة أصرّوا على تدمير صواريخ (الصمود 2)، ممّا يؤكّد أنّ قرار الحرب قد تمّ اتخاذه بصورة نهائية لأنّ هذه الصّواريخ لا تشملها قرارات الأمم المتحدة، وهي آخر سلاح تبقى في التّرسانة العراقية التي خضعت للتّفتيش والتّدمير ابتداء من سنة 1991 حتى 16 ديسمبر 1998.
وقد تبنّى مجلس الأمن القرار رقم 1441 وقبلته الحكومة العراقية، واستأنفت فرق التّفتيش نشاطها، وأجرت مسحا سريعا وشاملا على جميع المواقع العراقية، مستخدمة الطّائرات المروحية وبصلاحيات مطلقة انطلاقا من الكويت.
أهداف التّفتيش
كانت عمليات التّفتيش تهدف إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية هي:
1 ـ التّأكد من أنّ العراق لم يتمكّن من إنتاج أسلحة جديدة خلال الفترة التي غادرت فيها لجان المفتّشين العراق في 16 ديسمبر سنة 1998.
2 ـ الحصول على أحدث الخرائط التّفصيلية للمواقع الرّئاسية والمعسكرات ومقرات الأجهزة الأمنية التي ستكون أهدافا رئيسية خلال الغزو، كما أنّ الإدارة الأمريكية والجهات المتخصّصة في وكالة المخابرات المركزية وفي البنتاغون تحتاج إلى مطابقتها مع ما لديها من خرائط قديمة جاءت بها لجان التّفتيش السابقة، إضافة لما توفّره الأقمار الاصطناعية المنتشرة في سماء العراق لهذا الغرض، والتي بدأت عملها قبل ستة أشهر من الغزو ويقودها القمر المعروف باسم «ميستي»، والتي أطلقتهم وكالة «ناسا».
3 ـ التأكد من خلوّ المنطقة الصّحراوية العراقية من أيّة صواريخ بعيدة المدى يمكن إطلاقها في حالة نشوب حرب على إسرائيل أو القاعدة الأمريكية في دول الخليج كما حصل في عام 1991، وتمتد هذه المنطقة من جنوب الموصل في شمال العراق حتى أم قصر قرب الحدود الكويتية في الجنوب، وتمّ التأكيد على صواريخ صمود اثنان لتدميرها مع القوالب والمعدات وقواعد الإطلاق، وتمّ تدمير آخر مجموعة من هذه الصّواريخ بتاريخ 16 مارس أي قبل بدء الحرب بـ 72 ساعة.
4 ـ تدمير هذا النّوع من الصّواريخ، والذي تمّ أمام وسائل الإعلام العربية والأجنبية بقدر ما أعطى طمأنينة للقوات الأمريكية والبريطانية المحتشدة قرب الحدود العراقية، إلاّ أنّ الخوف بقي مستمرا من أن يتعرّض المفتّشون للاحتجاز كرهائن، غير أنّ العراقيّين كانوا متعاونين جدا معهم وبعد مغادرة مئات المفتشين الأمميين للعراق حلّ محلهم مئات الآلاف من الجنود الذين بدأوا عملية الغزو والاحتلال التي دفع ثمنها غاليا العراق.
إنّها حرب قذرة نفّذتها أمريكا بعد كذبتها التي قالت أنّها تهدف إلى تدمير أسلحة الدمار الشّامل، إلاّ أنه لم يكن هناك أي منها، وكان الهدف من الحرب القضاء على تنظيم القاعدة في العراق.
كان الهدف من الحرب إقامة نموذج للديمقراطية في العراق، يقوم على سيادة القانون ولكنها أدّت إلى إقامة نظام فوضوي استبدادي، وقادت إلى قيام أمريكا بممارسات تنتهك قوانين الحرب، وكان الهدف من الحرب حسب بليكس هو تحويل العراق إلى قاعدة صديقة تسمح للقوات الأمريكية بالتدخل في إيران وقت الحاجة، ولكنها بدلا من ذلك منحت إيران حليفا جديدا في بغداد.
تدنّي الوضع الاجتماعي وضعف في الخدمات
أصبح الوضع الاجتماعي في العراق بعد الحرب متدهورا ومأساويا أحيانا، حيث يدفع العراقيون رسومات مرتفعة للخدمات يوميا، فالطب المجاني أصبح في خبر كان، كما أن التجار يحتجّون على زيادة الرّسوم الجمركية، وأنّ الحكومة العراقية تدفع كل شهر ما يقرب من 4 مليارات دولار في شكل مرتبات ومعاشات للجيش رغم أنّ 90 بالمائة من إيراداتها من النفط، والتي انخفضت إلى النصف بسبب انخفاض أسعارها، وقد لا تستطيع دفع رواتب 7 ملايين شخص إذا استمر الوضع على حاله، وهو الشيء الذي قد يدفع إلى عدم الاستقرار ما يؤدّي إلى اتّخاذ إجراءات مؤلمة كمطالبة السكان بدفع المزيد مقابل الخدمات المحتشمة، وتقليص المرتّبات الحكومية بـ 3 بالمائة.
جرح لم يندمل
يبقى 20 مارس 2003 يوم الحرب الأمريكية / الأطلسية على العراق جرحا بليغا لم يندمل في ذاكرة الأمة ووجدانها، ليس لكون تداعياته المدمّرة مازالت مستمرّة إلى اليوم فقط، بل لكونه مشروع الفوضى الدّموية الخلاّقة التي انتقلت من العراق إلى العديد من الدول العربية، وفي هذه الذّكرى الأليمة لابد من تحية لشهداء العراق من مقاومين ومدنيّين من قادة ومواطنين ممّن دفعوا حياتهم ثمنا لكرامة بلدهم وأمّتهم.