كما سارعت لاحتضانهم باسم الإنسانية تهرول أوروبا اليوم لطرد اللاجئين بكل الطرق التي تراها مناسبة، حتى وإن تطلّب الأمر الاتفاق مع تركيا من أجل قطع عليهم الطريق في المياه الإقليمية لهذا البلد، وعدم تركهم يقتحمون حدود القارة العجوز.
هذا هو الانطباع الذي نخرج به اليوم من خلال قراءة معمّقة لتصريحات الساسة في البلدان التي استقبلتهم. الذين اعتقدوا بأن دخول كل هذا الكم الهائل إلى أراضيهم أمر عادى لا يستدعي كل ذلك القلق الذي أبداه فابيوس وزير الخارجية الفرنسي الأسبق الذي دعا إلى تدمير القوارب الحاملة لهؤلاء في عرض البحر قبل «الرسو» في موانئهم.
بعد كل تلك الفترة الفاصلة تغيّر الخطاب الأوروبي باتجاه النزعة الرديكالية الرافضة لتوافد المزيد من اللاجئين في انتظار طرد من دخلوا من قبل أي في وقت سابق.
ويعتمد الأوروبيون وبالأخص الألمان سياسة وقائية أو استباقية أي معالجة المشكل قبل وصوله إلى الأبواب، وهكذا تنسق بقوة مع تركيا واليونان قصد منع أي فجوات في هذا الشأن، وحتى الآن هناك تعتيم كبير على الإجراءات المتخذة خاصة الردعية منها لأنه لا يكفي غلق الحدود فقط.
وعقب ما جرى استيقظ البعض على أن «اللاجئين» أشخاص غير مرغوب فيهم، وعليه فإنهم مدعوون إلى مغادرة البلدان التي وطأت فيها أقدامهم مهما كان الأمر، اعتمادا منهم بأن المسألة أصبحت تهدّد «أمنهم القومي» ولا يفرقون بين من هو إرهابي وطالب اللجوء. هذا الخطأ إرتكبه الألمان في حين رفضت فرنسا والولايات المتحدة أي قرار في هذا الشأن لا يبنى على سداد الرأي كفحص هوية الأشخاص وتحديد هوية كل واحد منهم، لتفادي الخلط في القضايا الأمنية الحسّاسة.
اليوم هناك توسل أوروبي، لدى تركيا من أجل السيطرة على هذه الأمواج البشرية التي تأتي من سوريا، العراق وأفغانستان وبدرجة أقل، جنسيات أخرى فرت من الأوضاع الجهنّمية في بلدان نتيجة النزاعات المسلحة، لتبحث عن مكان آمن إلا أن المنعطف الذي أخذه هذا الملف أقلق الكثير من القادة الأوروبيين وأدخلهم في هيستيريا نفسية لا حدود لها ولّدت سلوكات عدائية تجاه هؤلاء زيادة على السقوط الحر لشعبية الأحزاب الحاكمة، التي كانت تحتّل الريادة في استطلاعات الرأي.
هذه عوامل سياسية قد تبدو تافهة لأول وهلة. لكن هي أساس القياس على الآخر في كيفية إدارة شؤون البلد لذلك فإن الإرتدادات الحالية الناجمة عن الهزات الأولية تعدّ درسا لا ينسى لكل من غامر من أجل الترحيب باللاجئين على أن لا يعاود الكرة ويسقط في مطبات هو في غنى عنها.
وستحضر الكثير من المتتبعين التفاعل السريع الذي أبداه الأوروبيون تجاه ذلك التوافد من حيث التكفل بهم وحاليا هناك ما يشبه تأنيب للضمير، وهذا بإبداء سرعة أخرى من أجل إبعاد هؤلاء إلى نقاط أخرى من أوروبا أو محاصرتهم بالأسلاك الشائكة في مراكز عبور سيرحلون إن آجلا أم عاجلا مهما كانت الظروف إلى مناطق ثانية في هذه القارة أي إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية في حالة إستتباب الأمن، وعودة الإستقرار إليها، وهذا ما يشير إليه البعض من المسؤولين الأوروبيين.
ويتساءل المتتبعون عن هذا التوتر الذي يسود تجاه هؤلاء اللاجئين إلى درجة طبخ صفقات هنا وهناك للتخلي عنهم أو قل بالأحرى ملاحقتهم على الحدود وليس هناك حلول سحرية، كل ما في الأمر أن تركيا التزمت بإبقائهم عندها ومنعهم من الذهاب إلى أصقاع أخرى وهذا الأمر صعب ومعقد لا يمكن الإقدام عليه إلا في حالة تلقي ذلك البلد ضمانات من كافة النواحي، خاصة السياسية منها. أما في الجانب الإنساني فهو متكفل به، فهل اكتشف الأوروبيون بعد كل هذا الوقت بأنهم يهدّدون «أمنهم القومي».