حذر السيّد رداف طارق أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم البواقي من أيّ تصعيد عسكري في ليبيا، وقال إنّه سيعمّق الأزمة ولن يحلّها وسيمنح التنظيمات الإرهابية متنفسا أكثر لممارسة إجرامها الدموي في المنطقة.
وأبرز الاستاذ رداف أن معادلة الانفراج في ليبيا مرهونة بقدرة أبنائها على استعادة زمام المبادرة، وذلك لن يتحقق إلا بالتخلّص من سيطرة القوى الخارجية المتورطة في إطالة أمد الصراع. التفاصيل في هذا الحوار مع جريدة «الشعب».
«الشعب»: ما هي قراءتكم للوضع الليبي، خاصة في ظلّ حديث البعض عن تدخل عسكري محتمل باسم مكافحة الإرهاب؟
الاستاذ رداف طارق يمكن القول إنه منذ انطلاق الأحداث في ليبيا سنة 2011، اتسعت دائرة اللااستقرار لتشمل المنطقة، إضافة إلى الساحل الإفريقي المعروف أصلا بهشاشة وضعه الأمني. زادت حدّة انتشار الأسلحة بمختلف أشكالها، التحدي الأساسي الذي يواجه المنطقة بشكل عام، هو عدم قدرة الكثير من الدول على مراقبة تحركات الجماعات الإرهابية، وشبكات تهريب البشر والجريمة المنظمة، خاصة مع اتساع رقعة المناطق الرمادية، والتي لا تحتفظ فيها الدول بأكثر من سيطرة اسمية وشكلية. لهذا يُمكنني القول إن تعثّر إعادة البناء المؤسساتي في مناطق النزاع أو عدم الاستقرار (خاصة ليبيا)، من شأنه أن يُطيل أمد المعضلات الأمنية التي تعاني منها المنطقة، بل يُمكنه تعميق المشاكل الأمنية ويزيد من رقعة انتشارها جغرافيا، خاصة مع محاولات التنظيمات الإرهابية توسيع رقعة نشاطها.
دول الجوار تتمسّك بالتسوية السلمية وتعارض الخيار العسكري جملة وتفصيلا، لأن تداعياته ستكون وخيمة، فما رأيكم؟
أعتقد أن التدخل العسكري ضد «تنظيم الدولة الإسلامية» الإرهابي في ليبيا، هو من قبيل الأمر الواقع وليس الخيار المحتمل. فعلى سبيل المثال تحدثت الصحافة الفرنسية عن وجود فرقة نخبة (قوات خاصة) تابعة للجيش الفرنسي عاملة ميدانيا في ليبيا، في إطار عمليات لمحاربة تنظيم «داعش» الدموي، وقبل أيام قامت مقاتلات أمريكية بقصف أهداف تابعة للتنظيم في منطقة صبراتة. وعليه، فإن العمل العسكري موجود فعلاً، لهذا يجب التساؤل هل يُمكن أن يُتخذ القرار بتدخل عسكري بري في ليبيا؟، وهو ما أراه غير ممكن، فقد أثبتت التجارب فشل مثل هذه الاستراتيجية في مواجهة الجماعات الإرهابية والمسلحة، كما يجب في نفس الوقت أخذ مواقف دول الجوار في الاعتبار، حيث ترفض الجزائر وتونس مثل هذه الخطوة، التي من شأنها أن تزيد من المتاعب الأمنية القادمة من ليبيا، خاصة وأن تدخل أوروبي / أمريكي سيمنح متنفساً إضافيا للتنظيمات الإرهابية في المنطقة.
وحتى الدول المرشحة للتدخل (أو حتى حلف شمال الأطلسي)، لا تُظهر حماساً شديدا للعملية البريّة، نظراً لما يُمكن أن ينتج عنه على الصعيد الإقليمي، وخشية انعكاساته عليها، لهذا من المرجح أن يبقى التدخل ضد تنظيم الدولة وغيرها من التنظيمات الإرهابية منحصراً في الضربات الجوية، أو أسلوب العمليات الجراحية التي تنفذها وحدات خاصة، رغم بقاء هامش جد ضيق - في تصوري - لتدخل أوسع من حيث النطاق، مع إصراري على استبعاد هذا الخيار.
في تصوركم ألا يمكن لليبيين أن يغيّروا المعادلة ويسدوا الباب أمام الملوحين بخيار القوة؟
لا نقاش في كون دول الجوار معارضة لحل النزاع في ليبيا باللجوء بطريقة أو بأخرى إلى استخدام القوة العسكرية، وحتى الدول بعض الغربية لا تتفق مع دول الجوار في هذا الطرح، على الأقل من ناحية الخطاب السياسي، لكن في المقابل إلى أي مدى يُمكن اعتبار التسوية السلمية أو السياسية خياراً فعليا، سواءً أمام أطراف النزاع في ليبيا، أم دول الجوار، أو المجموعة الدولية، فدول الجوار المتمسكة بهذا البديل لم تمارس ما يكفي من محاولات الإقناع حتى تدفع الأشقاء على القبول بالتسوية السلمية، أو حتى تنفيذ الالتزامات المترتبة عن الاتفاقيات المبرمة سابقاً، فمثلا بمجرد اتفاق الأطراف الليبية على تشكيل حكومة الوفاق الوطني برزت الخلافات من جديد على تفسير الاتفاق بشكل لا يدع مجالا للخلاف. وبالتالي فإن معارضة أي عمل عسكري محتمل، والإصرار على تسوية سلمية للنزاع، يفترض ممارسة ما يكفي من جهود لفرض هذه التسوية، سواءً على أطراف النزاع مباشرة، أو على الأطراف غير المباشرة والتي تدعم أحد الأطراف ضد الآخر.
في خضمّ هذه التطوّرات هل من انفراج في الأفق؟
مشكلة أطراف الصراع في ليبيا هو الطابع الصفري للنزاع، حيث لم تتمكّن من إيجاد حد أدنى من الأرضية المشتركة لأية تسوية، وهو ما يزيد في أمد وحدّة النزاع من جهة، وغياب فرص التسوية السلمية / السياسية من جهة ثانية، بهذا أتصور أن الصراع لم يعد منذ سقوط النظام السابق في يد الليبيين أنفسهم، لهذا لا أتصور إمكانية سد الباب أمام الخيار العسكري إلا من خلال النجاح في إيجاد الحد الأدنى من الاتفاق، حول الثوابت التي يُفترض أن تتأسّس عليها الدولة الليبية «الجديدة»، ومن دون هذا الاتفاق لا أتصوّر أي تأثير لليبيين في هذا المجال.
كلمة أخيرة؟
لا أريد أن أكون جزءًا من الخطاب التشاؤمي، وأكرر موقفي، أن انفراج الأوضاع في ليبيا مرهون بقدرة الليبيين على استعادة زمام المبادرة، وهذا لن يتحقق إلا بالخروج من سيطرة القوى الخارجية المتورطة في إطالة أمد الصراع.