يتساءل المتتبعون للشأن السوري عن الخلفيات الكامنة وراء التصريحات المحبطة حيال قرار وقف إطلاق النار الصادر عن اجتماع ميونيخ، والذي رسّمه كل من وزير خارجية روسيا السيد لافروف ونظيره الأمريكي كيري على أن يكون يوم ٢٧ فيفري إنتهاء ما سمي بالأعمال العدائية ويدخل الجميع في مرحلة جديدة.
يتصاعد منحى هذا القلق من خلال ما نسمعه يوميا على لسان المعنيين المباشرين بالنزاع الذين يبدون تخوفاتهم من انهيار هذه الهدنة من الفينة إلى أخرى وعندما شرع في الحديث عن هذا الجانب كشف وزير الخارجية الأمريكي أن هناك مخططا احتياطيا لمواجهة أي نسف للاتفاق الخاص سمي بحرف «ب» يحل محل الأول ومباشرة أعاد نفس الكلام وزير الخارجية السعودي الذي تناول مسألة المخرج البديل في حالة أي انزلاقات مرتقبة أو انحرافات متوقعة.
في حين يرفض الروس الخوض في هذا الموضوع.. أما دي ميستورا فقد حمّل كل من الولايات المتحدة وروسيا مسؤولية حماية هذه التفاهمات في عدم العودة إلى الاقتتال.
وما يقال هنا وهناك ليس دعوة صريحة لانتهاك الهدنة، وتشجيع البعض على ضربها وإنما نعتقد بأنه احتجاج غير علني على إبعاد جبهة النصرة من الاتفاق ومواصلة استهدافها من قبل سلاح الجو الروسي.. هذا ما يحزّ في نفس الكثير الذين تحفّظوا في الإعراب عن انزعاجهم من هذا الانتقاء.
وهذا يعني أن الحرب لم تنته أبدا كون الإتفاق ترك جبهة مفتوحة لمحاربة «داعش» و»النصرة» وفي هذه الحالة فإن الذين صاغوا مضمون الوثيقة لم يعلنوا أن النزاع توقّف. ليس هكذا وإنما الذي نصّ عليه هو «إسكات صوت الذخائر» لا أكثر ولا أقل هذا ما يفسّر رسائل البعض الذين يراهنون على إفشال الاتفاق.
لكن، ما هي طبيعة الصيغة المستخلفة التي ما تزال في طي الكتمان حتى الآن، وهذا بعد ساعات من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
من الصعوبة بإمكان الكلام عن «الخطة ب» تكون أحادية الجانب أمريكية أو سعودية دون استشارة روسيا.. لأن أي خطأ حربي سيكلّف المنطقة مزيدا من المتاعب على كافة الأصعدة وقد يفضي ذلك إلى ما يعرف بالانسداد التام لأفق الحل الذي يبحث عنه هؤلاء.
والإشكال في الوقت الراهن هو ماذا بعد وقف إطلاق النار؟
هل يتبع ذلك بإجراءات سياسية في سوريا ليس هناك أي التزام روسي في هذا الإطار، لأن الرئيس السوري أعلن صراحة بتنظيم الانتخابات التشريعية في أقرب وقت. ولابد من التأكيد هنا بأن الانتقال السياسي في سوريا لن يكون على ضوء المؤشرات الحالية، حتى آجال ١٨ شهرا لإنهاء العملية، سقط ولم يعد له أي حضور على المشهد الراهن، وهذا ما هزّ كل القوى الإقليمية التي تريد الشروع في هذا العمل ولن يعطي الروس الفرصة لأي كان حتى يتحصلوا على مكاسب استعصت عليهم بالحديد والنار.. أو يسلمونهم سوريا على طبق من ذهب هذا لن ينالونه أبدا.
إن أراد الأمريكيون «الانتقال السياسي» والدخول في فترة الإصلاحات بسوريا كتنظيم الإنتخابات على أكثر من مستوى عليهم بالتحاور مع روسيا حول المرحلة القادمة. وعليه، فإن الرهان يعد معقدا جدا والفائز فيه هي روسيا كونها صاحبة المبادرة في هذا الملف، في حين أن الولايات المتحدة تتفرّج على ما يجري وكأن الأمر لا يعنيها بتاتا بعد أن سحبت منها إرادة التدخل المباشر، وتعمل على نطاق المساعدات العسكرية وهذا في الوقت الذي يخسر الموالين لها الأرض منهم «الجيش الحر».. واستراتيجيا لا يمكن للنظام السوري الإلتزام بوقف إطلاق النار وهذا لعدة اعتبارات أهمها:
* المبادرة الميدانية يحوز عليه الروس والسوريون الأول جوا والثاني برا، وهذه المكاسب لا يتنازل عليها الطرفان المعنيان أبدا من باب الحسابات الداخلية والإقليمية.
* المحور الروسي ـ الإيراني والسوري ـ حزب الله لا يقبل بأي حلول أخرى ما عدا الحفاظ على ما تحصلوا عليه في الميدان من استرجاع لبعض من الأجزاء من الأراضي التي كانت تحت سيطرة المجموعات المسحلة.
* في مثل هذه الحالات، فإن هذا المحور خرج من فكي الكماشة وتخلص من ضائقة الحصار، والخسائر المادية والبشرية، وغيرها من التأثيرات الناجمة عن هذه الحرب، والإكراهات المتولدة عن هذا النزاع الدموي.
* أي حوار مستقبلي يبنى على معطيات جديدة والتي أفرزتها هذه الحرب.. فمن الآن فصاعدا ستتغير معادلة هذا الصراع باتجاه العودة إلى فرض شروط لها صلة وثيقة بمجريات الأحداث على أساس مغاير لما هو عليه الآن.
ويدرك الروس جيّدا بأن طالبي وقف إطلاق النار أرادوا أن يضعوا حدا لمزيد من إضعاف قدرات المسلحين.. وفي هذا الشأن قال الرئيس الأسد مؤخرا بأن الهدنة لا تعني «إستراحة محارب» أي أن المسلحين سيعيدون انتاشرهم وجمع قواهم من أجل إجهاز آخر.
هذا الوضع أو الحالة لا يرضى بها الروس أي عدم استكمال المهمة التي خوّلوها إلى أنفسهم بملاحقة داعش والنصرة.. غير أن الحرب لا تعني دائما الدقة. قد تتدخل البعض من الأطراف قصد إفساد هذه الهدنة، هذا ما يخشاه الكثير.
وهكذا فتح نقاش آخر حول من انتهك الهدنة؟ ليعود الجميع إلى نقطة الصفر وكأن شيئا لم ينجز حتى الآن، ففي أقل من ٢٤ ساعة تغيّر الخطاب من ارتياح بوقف إطلاق النار إلى اتهامات بالانتهاك لأن تداعيات ما بعد الإتفاق لم تتحقّق منها الانتقال السياسي.