الدكتور سليمان أعراج لـ «الشعب»:

استمرار الأزمة الليبية قد يؤدي إلى كارثة انسانية حادة

حاوره: أسامة إفراح

الحرب ليست حتمية والموقف الجزائري أكثر واقعية

على عكس ما يذهب إليه محللون كثر، لا يعتقد د.سليمان أعراج، المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن الغارة الأمريكية الأخيرة بادرة حرب في ليبيا.. ويرى د.أعراج في هذا الحوار، بأن الأخطاء توالت في ليبيا، سواء من الداخل أو من الخارج، وكان يمكن الوصول إلى نقاط متقدمة في حل المعضلة الليبية لو اختفت الحسابات المصلحية الدولية، واستمر صوت العقلانية يحكم مجريات الحوار السياسي في ليبيا. كما أن حماية ليبيا الدولة ـ حسبه ـ تستدعي من كل طرف تقديم تنازلات لصالح الطرف الآخر من أجل بناء التوافق وبلوغ الإجماع وقطع الطريق أمام أي أجندة خارجية.

^«الشعب»: يبدو أن التدخل العسكري في ليبيا بات قاب قوسين أو أدنى، وكان أول بوادره الغارة الأمريكية الأخيرة.. كيف يمكن تصور هذا التدخل؟ هل يكتفي الحلفاء بضربات جوية فقط على غرار الطلعات الجوية في سوريا والعراق، أم أننا قد نشهد إنزالا لقوات برية؟
^^ د.سليمان أعراج: قبل الحديث عن مؤشرات تدخل أجنبي في ليبيا، يجدر بنا أولا إجراء قراءة لواقع التحولات المرتبطة بالأزمة في ليبيا وعمقها، فلا يجب بالضرورة قراءة الغارات الأمريكية على أنها بداية للتدخل، لأنها قد تشكل حلقة من حلقات الضغط الممارس من طرف المجتمع الدولي على الفصائل الليبية المختلفة من أجل منح الثقة لحكومة السراج وتفادي إسقاطها، وللإشارة مثلا فقد سبقها في ذلك إعلان وزير الخارجية الفرنسي الجديد جون مارك اروعن فرض عقوبات اقتصادية على كل طرف من الأطراف الليبية التي تعارض حكومة الوفاق، وتعرقل بذلك المضي في الحل السياسي.
إضافة إلى ذلك، فالحديث عن استعداد القوى الغربية للتدخل في ليبيا مرهون بطلب يقدم من حكومة الوفاق، ولا أدلّ على ذلك من وصف البرلمان الليبي للغارات الأمريكية بأنها انتهاك للسيادة الليبية، ومن جانب آخر، فإن الحديث عن توقيت الغارة الأمريكية على مدينة صبراتة يمكن أن نقرنه بسياق داخلي ليبي يتمثل في نزول السراج إلى البرلمان الليبي لتقديم برنامجه والدفاع عنه للحصول على ثقة البرلمان، وبالتالي يمكن اعتباره مدخلا للضغط على البرلمان الليبي للقبول بحكومة الوفاق.
وهناك قراءة أخرى للمعطيات الميدانية المقدمة حول محاربة الإرهاب وبالخصوص داعش في ليبيا، إذ أن أغلب التقارير الغربية تتحدث على اعتبار درنة وسرت كمعاقل للتنظيم الارهابي داعش، وهنا نتحدث عن معلومات غير دقيقة تقدمها القوى الغربية وتسوّقها عبر وسائل الإعلام في إطار محاربة هذا التنظيم الإرهابي، وما يؤكد على مسألة غياب الدقة والمعطيات الكاملة حول محاربة القوى الغربية لداعش ما أثير حول الغارات الأمريكية الأخيرة بأنها استهدفت أحد القادة الميدانيين للدولة الاسلامية وهو الإرهابي المسمى نور الدين شوشان، وفي ذلك نجد أن الأمر لا يختلف في ما روج عن مقتل الارهابي مختار بلمختار زعيم تنظيم القاعدة الدموي سابقا بعد غارات أمريكية على ليبيا في الصائفة الماضية.
وفي مجمل هذه التفسيرات، يبقى الانقسام المخيم على المشهد السياسي وعلى داخل المجتمع الليبي، يعمق الفجوة أكثر ويزيد من تعقيدات مسألة حل المعضلة الليبية، لأن الانقسام يعتبر مساهما أساسيا في تغذية النزاع وتعميقه، ومساهما في فتح الوضع على كل الاحتمالات.
وإذا ما سلمنا بسيناريو التدخل، فالأمر لن يكون بالسهولة المتوقعة، لا ميدانيا ولا حتى لوجستيا، خصوصا وأن دول الجوار الليبي تعارض أي تدخل عسكري في ليبيا وموقف الجزائر وتونس واضح في هذه المسألة، وأن الدول المعنية تحتفظ بصورة سلبية عن واقع التدخل الأجنبي في المنطقة، وهو ما أقرّه وعبّر عنه حلف الناتو بخطئه في التدخل العسكري لإسقاط نظام القذافي في ليبيا، وبقاء هذا الموقف ثابتا من شأنه التشويش على ضبط ذبذبات التدخل الأجنبي في ليبيا، وهو ما يؤكد إيمان هذه الدول بفرضية أن التدخل الأجنبي يتحالف وظيفيا مع النشاط الإرهابي ولا أدل على ذلك من ما يحدث في المستنقع الليبي.
ومن جانب آخر أعتقد أن التدخل الأجنبي، إن وقع، سيقتصر على الضربات الجوية الجراحية لا أكثر، فلا أظن أن القوى الغربية ستقدم على التورط وخلق منطقة اشتباك أخرى إلى جانب ما يحصل في سوريا، وهذا إضافة إلى ما تمليه معطيات الواقع الاقتصادي الدولي، وأزمة اللاجئين

- عقب محادثاته مع نائب كاتب الدولة الأمريكي للشؤون السياسية، توماس شانون، أكد وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة على ضرورة أن تكون محاربة الإرهاب في ليبيا في إطار الشرعية الدولية.. هل يمكن أن تشرح لنا أكثر هذا الأمر؟
المقصود بالشرعية الدولية هو الامتثال في أي عملية تتبنّاها المجموعة الدولية إلى ما تستوجبه قواعد القانون الدولي، وفي ذلك احترام مبدأ سيادة الدول، وحماية حقوق الإنسان، كأولوية لمعالجة قضايا الإرهاب الذي يخترق الدول والمجتمعات.
ومساهمة الجزائر في إطار مكافحة الإرهاب، كانت محل إشادة دولية خصوصا من الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت السبّاقة إلى الإقرار بمقترح تجريم الفدية الذي قدمته الجزائر في إطار السعي لتجفيف منابع تمويل الإرهاب، كمنطق يساهم في القضاء على انتشار الظاهرة ويحدّ من فعالية نشاطها.
وفي الشقّ الآخر يعتبر التنسيق والتعاون الدولي منطقا مكملا لمنطق مكافحة الإرهاب، وهو ما يمكن أن يندرج في إطار الطرح الذي قدمه السيد وزير الخارجية رمطان لعمامرة، فالتنسيق والتعاون الدولي يتيح فرصة لصناعة قرار دولي عقلاني ومتوازن يسهم في التقليل من الآثار السلبية لاستعمال القوة في إطار العلاقات الدولية.
- ما هي الآثار التي قد تطال الدول الجارة لليبيا، وعلى رأسها الجزائر، سواء في حال التدخل العسكري، أو فيما بقي الأمر على حاله؟
 قبل الإشارة إلى آثار التدخل العسكري في ليبيا على دول الجوار، أوحتى استمرار الوضع على ما هو عليه، يستدعي الأمر الإشارة إلى آثار ذلك على ما بقي من الدولة الليبية، أوحتى استمرار قيام دولة ليبية في المنطقة.
استمرار ما يحدث في ليبيا يؤدي إلى خلق أزمة إنسانية حادة في المنطقة، هذا إضافة إلى أن الانفلات الأمني الحاصل في المنطقة من شأنه أن يحول المنقطة إلى حلبة صراع وتنافس بين الجماعات الارهابية والمتطرفة إذا ما قلنا تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، وخطر امتداد آثار هذا التنافس على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والأمني في منطقة الساحل الأفريقي ككل.
زيادة على ذلك، فإن غياب الاستقرار في المنطقة من شأنه أن يرهن كل أفق تنموية داخل هذه الدول حتى لا أقول نسفها وبالتالي انتفاء أي طرح يتوقع قيام منطقة نمو أخرى خارج أمريكا أو أوروبا التي صنعها مشروع مارشال، وبالتالي بقاء المعطى الأمني أولوية مقدمة على المعطى التنموي في الأجندة الدولية.
- يميل البعض إلى قراءة ما يحدث في ليبيا على ضوء تطورات الأزمة في سوريا، ويعللون ذلك بالتواجد الإرهابي في هذين البلدين، وكذا بالتدخل الأجنبي.. هل يصحّ أن نقارن بين الأزمتين؟ وما هي حدود هذه المقارنة؟
 ما يحدث في سوريا يختلف حسابيا عن الرهان في ليبيا، على اعتبار أن الفواعل المنخرطة في الأزمة السورية والتي تمثلها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لا تحضر كلها في الملف الليبي، والرهان على إقامة منطقة إمداد جديدة بالطاقة وبالغاز خصوصا لكسر حصة السوق الروسي من الغاز الذي تموّل به أوروبا، فأمريكا لا تحتاج لدخول منطقة الشرق الأوسط، لأنها متواجدة بسياساتها وقراراتها، كما أن أهم رهانات تعميق الفوضى في ليبيا هو شنّ حرب استنزاف على دول الجوار وخلق بؤرة توتر مستمرة تكون عنوانا للتواجد الأجنبي في المنطقة ومساهما في تغيير موازين القوى والخارطة الجيوسياسية للمنطقة للاستفادة من موارد المنطقة، فهذه هي أهم الأهداف التي تسعى لتحقيقها الحلول العسكرية.
- يرى البعض بأن أي حوار لا يشارك فيه جميع الفرقاء مصيره الفشل.. هل كان بالإمكان توسيع الحوار الليبي أكثر مما كان عليه، أم أن السيناريوالذي حدث هو أقصى ما يمكن أن نطمح إليه في ظلّ الأوضاع والمعطيات الحالية؟
 لقد توالت الأخطاء في ليبيا، سواء من الداخل أو من خلال التدخل الأجنبي الذي زاد الطين بلة، بالنسبة لفعالية الحوار فهو مدخل مهم من شأنه حل الأزمة، لكن المقاربة تختلف إذ أن الضغط ليس بمنزلة بناء الثقة وهو الخط الفاصل بين المقاربة الدولية والمقاربة الجزائرية وجسدتها في جولات الحوار التي استضافتها والتي كانت جولات جامعة لمختلف فواعل المجتمع الليبي.
كان يمكن أن نصل إلى نقاط متقدمة في حل المعضلة الليبية لو اختفت الحسابات المصلحية الدولية، واستمر صوت العقلانية يؤطر الإشراف على مجريات الحوار السياسي في ليبيا.
- بكل صراحة.. من يتحمل مسؤولية ما حصل وما يحصل في ليبيا؟
 لقد انعكس الانقسام الدولي حول الحل في ليبيا على الواقع الداخلي الذي أصبح كل طرف ليبي يحاول التشبث بطرف خارجي يدعمه من أجل بلوغ السيطرة على باقي الأطراف، وهو الخطأ الكبير لأن رهان السيطرة على المشهد السياسي والمجتمعي يتطلب حضور الإجماع بما يستوجبه الواقع السياسي والمجتمعي في ليبيا، وهو الحلقة المفقودة إلى اليوم.
- تحدثنا مطولا عن فرص الحرب.. ماذا عن فرص السلام في ليبيا؟ ما هي الطرق التي يمكن لليبيين انتهاجها لإعادة إعمار بلادهم واستعادة الأمن والسلم والأمل؟
أمام الليبيين رهان وتحديات كبيرة من أجل استعادة ما تمّ تخريبه خلال الخمس سنوات السابقة، الحوار بين الفرقاء ركيزة وأساس للخروج من منطق الفوضى، وهو الأمر الذي من شأنه تعزيز الثقة بين الفرقاء الليبيين وهو الرهان الأساسي لبناء حوار جاد وفعّال يمكن أن نحصل من خلاله على مخرجات إيجابية، لتسهم أيضا مسألة إقامة حكومة وفاق وطني ليبي في بناء شروط العودة إلى الطريق السليم سياسيا ويمثل أولى مفاتيح قيادة وإعادة تأطير قوى المجتمع الليبي وموارده.
-  كلمة أخيرة..؟
 حماية ليبيا الدولة، وليبيا الثقافة والإرث الحضاري مسألة مهمة تستدعي من كل طرف تقديم تنازلات لصالح الطرف الآخر من أجل بناء التوافق وبلوغ ضرورة الإجماع لاستمرارية ليبيا الدولة، وقطع الطريق أمام أي أجندة خارجية.
الحل في ليبيا بيد الليبيين أنفسهم، ولا فرص أو مجال خارج إطار الحوار الليبي الليبي، و أولويات ذلك تقوم على ضمان سلامة ووحدة التراب الليبي، وضمان أيضا ولاء المواطن الليبي للدولة الوطنية، وضرورة بناء مؤسسات الجمهورية الليبية وهي في مجملها ركائز الخروج من الفوضى التي تميز الواقع الليبي اليوم .

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024