بان كي مون في المنطقة المغاربية قريبا

منعطف سياسي حاسم للقضيّة الصّحراوية

جمال أوكيلي

حلول الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون بالمنطقة خلال الأيام الأولى من شهر مارس، يعدّ تحوّلا سياسيا ومنعطفا حاسما في مسار تسوية القضية الصّحراوية وفق الشّرعية الدّولية القائمة على القرارات الصّادرة عن مجلس الأمن.
هذه اللّوائح ذات الطّابع الإلزامي لم يعرها المغرب أدنى اهتمام منذ حوالي أربعين سنة، أي منذ مسيرة العار إلى يومنا هذا، ناهيك عن إعلان محكمة العدل الدولية بلاهاي التّاريخي بانعدام الرّوابط بين المغرب والإقليم الصّحراوي.
محتوى هذه التّوصيات اطّلع عليها الرّأي العام العالمي، تؤكّد صراحة على تقرير مصير الشّعب الصّحراوي عن طريق الإستفتاء، وهذا تحت إشراف أممي، هذا جوهر ما كان مجلس الأمن يدعو إليه صراحة، وهو بذلك يوضّح طبيعة النّزاع وأطرافه دون لفّ أو دوران.
واستنادا إلى كل هذه الحيثيات، فإنّ مجلس الأمن حدّد الإطار الخاص الذي يتطلّب أن تحلّ ضمنه المسألة الصّحراوية، أمّا خارج هذا فلن يقبل به ويرفض رفضا قاطعا مهما كانت المناورات الخفيّة التي تريدها أطراف اعتادت على مثل هذه الألاعيب الفاشلة مسبقا.
هذا الخطاب الحامل للتّعقّل والحكمة امتاز به القادة الصّحراويّون عشريات كاملة، وفي ظروف صعبة كانت دائما مرجعيتهم الأمم المتحدة، ولا شيء آخر ماعدا التوجه في كل مرة إلى السيد بان كي مون من أجل إبلاغه بالتّجاوزات المغربية في الصّحراء الغربية، وما يعانيه الشّباب الصّحراوي في السّجون المغربية من ممارسات لاإنسانية، وما يتعرّض له الطّلبة الصّحراويّون في الجامعات المغربية من أعمال عدائية وعنصرية كلّفتهم متاعب في دراستهم، كما طالب الصّحراويّون من مجلس الأمن إدراج آلية حقوق الإنسان ضمن عمل «المينورسو».
وتعترف الأمم المتّحدة بهذه النّظرة الواقعية والبعيدة المدى للصّحراويّين، ولم ييأسوا في يوم من الأيام لأنّهم أصحاب حق طال الزّمن أم قصر، فسينالونه بالرّغم من كل ما يقوم به المغرب خلف السّتار.
وهذه هي قوّة القيادة الصّحراوية في احترامها للشّرعية الدولية، وعزمها على اتّباع كل المساعي التي من شأنها إفادة القضية الصّحراوية، وفتح أفق أخرى واعدة أدّت خلال هذه الأثناء إلى إلغاء العديد من المشاريع القائمة في الأراضي المحتلّة، ورفض استقبال المنتوج الذي يأتي من الصّحراء الغربية، وإبطال العقود الإقتصادية والتّجارية والمالية على مستوى الاتحاد الأوروبي.
هذا العمل السّياسي الطّويل المدى، لم يدرك المغرب أبعاده عندما تحدّى المجموعة الدّولية ومارس ضغوطا رهيبة من خلال حلفائه من أجل التّأثير على مضمون لوائح مجلس الأمن، بشطب فقرات معيّنة من أجل عدم إغضاب المغرب، وذلك ما حدث للأسف.
هذا هو خيار الصّحراويّين الذين اعتمدوه وساروا عليه إلى يومنا، سمح لهم بأن يكونوا في المستوى المطلوب، الكثير من الدول اعترفت بالجمهورية العربية الصّحراوية الدّيمقراطية، وتقيم علاقات بنّاءة معها في إفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا اللاّتينية.
ذلك ما يدلّ دلالة واضحة على أنّ الصّحراويّين في الطّريق السّليم، والاتجاه الصّحيح من أجل نيل حقوقهم التّاريخية منها الإستقلال الوطني، الذي ما فتئوا يناضلون من أجله منذ سنوات طويلة، خاصة بعد توقيف إطلاق النّار في بداية التّسعينات، والانتقال إلى استراتيجية «الإنتفاضة السّلمية» التي حقّقت إنجازات كبيرة، وغيّرت معادلة اللاّتوازن الذي يريد المغرب فرضها، خاصة على الصّعيد الإعلامي، هناك استفاقة دولية لما يجري في الصّحراء الغربية من أعمال وحشية ضد حقوق الإنسان.
ونقول هنا أنّ الصّحروايّين بفضل رؤية قيادتهم الثّاقبة والمدركة لمجريات الأحداث السّياسية ومنطلقاتها الإستراتيجية، يوجدون في أحسن رواق من أجل تكفّل حقيقي وجدي بقضيتهم، وهم يراهنون أشدّ المراهنة على زيادة بان كي مون في بداية الشّهر الدّاخل.
ويوجد السيد روس مبعوثه الشّخصي في المنطقة قصد استكمال التّرتيبات المتعلّقة بالجولة المرتقبة مع كل الأطراف، خاصة منهم الصّحراويّون الذين يعلّقون آمالا عريضة على هذه المبادرة للأمين العام من أجل وضع حدّ للاحتلال.
والفرصة تاريخية اليوم أمام الجميع من أجل فتح ملف القضية الصّحراوية في عين المكان، أي في المنطقة ومباشرة مع الأطراف المعنية للاطلاع عن قرب على مواقفها والاستماع لآرائها لبلورة الرد النّهائي عليها.
وسيطّلع بان كي مون بنفسه على الإرادة التي يتمتّع بها الصّحراويّون دفاعا عن وطنهم، وحرصهم على استقلال بلدهم من الاحتلال. نفس القناعة الموجودة أو المتوفّرة لدى روس، الذي كان دائما محلّ تقدير من قبل المسؤولين الصّحراويّين، في حين اعبتره وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار بالشّخصية غير المرغوب فيها، ولن يسمح له بدخول المغرب من الآن فصاعدا..مباشرة تحرّك مساعدو بان كي مون من خلال التّأكيد على تجديد الثّقة في هذا الشّخص، ودعوته إلى مواصلة عمله كونه أعطى دفعا قويا لهذا الملف، ويتّهم المغاربة المبعوث الأممي بالتّحيّز للصّحراويّين.
وامتدادا لهذا الوضع يوجد المسؤولون المغاربة في وضع لا يحسدون عليه جرّاء الإحراج الذي سبّبته لهم زيارة بان كي مون، آملين أن تؤجّل أو لا ينتقل إليهم لرفع عنهم كل مسؤولية أو التزام.
ونلاحظ في غضون الأيام القادمة خاصة مع اقتراب قدوم الأمين العام، خرجات وتصريحات غريبة من المغاربة بخصوص القضية الصّحراوية، وهذا باستنساخ طروحات أكل عليها الدّهر وشرب، ولم تعد صالحة في الوقت الرّاهن، ومتناقضة حتى مع المساعي الأممية، كالحكم الذاتي وغيرها من الأسطوانات المشروخة التي سئم الجميع من سماعها، وقد يخطئ المغاربة إن أسقطوا نقطة الصّحراء الغربية من جدول أعمال أو برنامج الأمين العام، وهذا ما يسعى إليه هؤلاء ويحضّرون له من الآن لإفشال هذه الزّيارة التّاريخية، لأنّها فرصة لا تعوّض يجب أن يدغن لها المغرب لأنّ القضية تتعلّق بتصفية استعمار، وتقرير مصير شعب تحت الاحتلال.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024