من جنيف 3 إلى اجتماع ميونيخ

«ولادة عسيرة» لوقف إطلاق النار

جمال أوكيلي

ما توجّه به مؤتمر ميونيخ قرارات غير مفهومة بتاتا، إلى درجة أنه لم يعلن وقف إطلاق النار في ربوع سوريا بقدر ما فتح جبهته لصراعات خفية حول كيفية كسب هذا النزاع وتمرير كل المحطّات والسيناريوهات المعدة لهذا الغرض.
ملاسنات كلامية حادة طيلة حوالي خمس ساعات بين الكبار بخصوص رؤية كل واحد لمآل هذا الصراع الدموي الذي خلف قرابة ٣٥٠ ألف قتيل، وحوالي ١٢ مليون مهجّر، ناهيك عن الخسائر المادية التي لا تعد ولا تحصى.
الاتجاهات التي خلص إليها هذا «الحوار» حملها كل من رئيس الوزراء الروسي ميدفيد ووزير خارجية لافروف إلى جانب كيري والأطراف الأخرى التي تصنف في خانة روسيا أو الولايات المتحدة.
وقرار وقف إطلاق النار يعد غامضا ومبهما في آن واحد والأكثر من هذا غير ملزم لأحد لأنه غير مبني على رؤية واضحة والقصد هنا الحقائق على الأرض، تتم عن ذلك أسئلة لا تنتهي بخصوص المرجعية القانونية لمثل هذا القرار كونه لم يصدر عن مجلس الأمن وإنما في اجتماع عقد في ألمانيا، لا يعلو إلى مصاف ما يتبع ذلك من تداعيات قوة الإلزام في التطبيق لذلك شكك الكثير من المسؤولين العربيين في مصداقيته على الواقع، مقدّرين نسبة الأخذ به نحو ٥١ ٪ هذا ما صرح به وزير خارجية ألمانيا، في حين أبدى العديد من القادة المشاركين في هذا الموعد تشاؤمهم من التوصل إلى نتيجة تذكر، نظرا لانعدام حد أدنى من إحترام هذا الإجراء الذي هو مجرّد دعوة لإنهاء ما أسماه كيري «بالأعمال العدائية».
رئيس الوزراء الروسي وجه انتقادات لاذعة إلى الولايات المتحدة ومن يسير في فلكها، وبخاصة الحلف الأطلسي عندما اتهموا سلاح الجوي لذلك البلد بتدمير البنى التحتية لمدينة حلب من بينها مستشفى هنا ثارت ثائرة المسؤول الروسي الذي تبادل المناوشات مع نظراته بشكل عنيف.
هذه الرسالة فهمها الروس فهما كاملا، على أنهم فشلوا في القضاء على داعش والنصرة وما عليهم إلا إعادة النظر في استراتيجيتهم وهذا بإدماجها في العمل المتكامل غير الإنفرادي.
وكذلك الإذعان إلى الطرح الجديد القائم على العمليات العسكرية البرية بقيادة السعودية والإمارات والتحالف الإسلامي هذا الاقتراح لن يؤخذ به إجمالا نظرا لخطورته وغياب الإجماع بشأنه التدخل المباشر، لن يكون أبدا لأن الظروف الراهنة لا تساعد أحد خاصة أصحاب الفكرة خوفا من خسائر لا يتوقعها أحد تعود بالسلب على الجميع.
ليس هناك طرف قادر على قيادة أي عمل عسكري من غير تركيا، انطلاقا من معرفتها الدقيقة لما يجري على الأرض، واطلاعها الواسع على كل من يحمل السلاح هذا البلد المتمسك، بخيوط الملف السوري خارج الأسوار هو الذي نسف اجتماع جنيف ٣، عندما تعالت الأصوات المطالبة بإشراك الأكراد وسحب الأوراق من روسيا التي أوشكت بإعلان الإنتصار العسكري الساحق أثناء قصف حلب بتلك الطريقة العنيفة سببت رحيل ٥٠ ألف سوري إلى حدود تركيا، وهؤلاء ورقة سياسية مؤثرة في أيدي القيادة التركية من أجل الضغط على روسيا لوقف القصف.
ونحن الآن أمام بدائل للضربات الروسية منها الهجوم البري على داعش والنصرة بأقل درجة لتغيير المعادلة العسكرية باتجاه منطق آخر.
الذين اجتمعوا في ميونيخ نسيوا بأن الرئيس بشار الأسد ما زال صاحب قرار في هذه الحرب وهذا عندما أكد لوكالة الأنباء الفرنسية بأنه سيواصل استعادة الأراضي الموجودة تحت سيطرة المسلّحين، لكن في حالة توقف التغطية الجوية الروسية لاحقا سيصعّب من مهمة رجاله في الحفاظ على الأقل ما هو ما بين أيديهم، وستعود الأمور إلى نقطة الصفر بمجرد مغادرة الطائرات الروسية المجال الجوّي السوري، وهذا بإحكام الحصار على القوات النظامية كما يحدث في كل مرّة، يتوقّف أزيز المقاتلات الروسية.
وهذا ما يبحث عنه الأطراف الأخرى خاصة الولايات المتحدة والسعودية، وتركيا، أي وضع حدّ للتفوق الجوي الروسي، عن طريق خيارات أخرى منها إعادة الأوضاع إلى ما قبل التدخل والذي قدّره الروس بحوالي ٦ أشهر على الأقل، ولابد من الإشارة هنا إلى أن روسيا تعبت من القصف وقررت توقفه كونه أضر كثيرا بالبلد، لكن في إطار إجماع دولي يتحمل كل واحد مسؤوليته التاريخية.
ويتساءل الملاحظون عن التحوّل الجذري الذي حدث من جنيف ٣ إلى اجتماع ميونيخ الأول عجز عن إستقطاب المواقف سواء بالنسبة للنظام أو المعارضة أما الثاني ففتح أفاقا واعدة وبصيص من الأمل المبحوث عنه.
هذه مسألة حساسة جدّا وتحتاج منّا المزيد من التوضيح اللاّزم، «جنيف ٣» ولد ميّتا وأريد له ذلك، لم تلتق المعارضة بالنظام بالرغم من تواطؤ كيري لإرغام جماعة حجاب رياض رئيس الهيئة العليا للمفاوضات على الإستتسلام ورفع العلم الأبيض إيذانا بانهيار المعارضة لكن نقطة التحوّل كانت في  الانصياع للشروط الروسية الأمريكية المسبقة، رغم محاولات دي ميستورا التوقيف بين الجميع غير أن كثرة الضغوط أدّت إلى تأجيل الاجتماع إلى إشعار آخر حدد يوم ٢٥ فيفري القادم، فماذا بقي لهذا اللقاء الذي أفرغ من محتواه !؟ وماذا سيقول هؤلاء لبعضهم البعض!؟ خاصة وأن الورقة التي سيأتي بها الجعفري رئيس الوفد السوري لا تخرج عن نطاق استعادة الأرض من خصومهم، والتلويح بها أمام الحضور.
لذلك استبدل «جنيف٣» بميونيخ في زمن قياسي وكان ضمن ما سمي بمخطط «ب» واستطاع أن يعالج جوهر الأزمة القائمة وليس خلافات ثنائية، لأن الأصعب في الوقت الراهن هو البحث عن ذلك الحل المفقود أي التصور السياسي القائم على حزمة من الإصلاحات تبدأ بالانتخابات وإيجاد مؤسسات انتقالية وغيرها، وهذا ليس بالأمر السهل مهما حاول الأمريكيون إيهام الرأي العام بذلك.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024