يمكن للدبلوماسية أن تضع حداّ للطموحات النووية لكوريا الشمالية إذا ما اتبعت ذات الخطوات التي استعملت مع إيران التي كانت تعتبر أمريكا الشيطان الأكبر، لكن حنكة الدبلوماسيين الإيرانيين أدت إلى جرّ الدول الكبرى إلى طاولة المفاوضات وإحراز تقدم وإذابة الجليد الذي كان يميز العلاقة مع إيران وتحققت نجاحات أرضت الجميع، فلماذا لا تتكرر التجربة الإيرانية مع كوريا الشمالية؟
إن التجربة الإيرانية أثبتت أنه بإمكان الدبلوماسية التي تعتبر حربا بوسائل أخرى أن تنجح حتى في الحالات المستعصية فهل يمكن تطبيق نفس الإجراء مع كوريا الشمالية وتحقيق تقدم يضع حدا لطموحاتها النووية.
إن الحصاد الدبلوماسي لاتفاق الصيف الماضي المتعلق ببرنامج إيران النووي قد بدأ عندما انحرفت قوارب البحرية الأمريكية للمياه الإيرانية في جانفي الماضي، والتي تمّ احتجازها فترة قصيرة وهو تطور كان قبل عام يمكن أن يثير أزمة، وفي نفس الأسبوع أفرجت إيران عن خمسة سجناء أمريكيين وقامت بتصدير يورانيوم مخصّب طبقا للصفقة النووية، كما دخلت مجددا أسواق النفط العالمية بعد أن رفعت عنها العقوبات الاقتصادية التي أثقلت كاهلها وفرضت عليها لسنوات.
إن تشجيع قادة إيران على تغيير نهجهم الدولي والإقليمي بما في ذلك تحسين العلاقات مع العرب السنة لا سيما بعد مجيء الرئيس حسن روحاني الذي فضّل التفاوض بدل التصعيد بعكس قادة كوريا الشمالية الذين أظهروا القليل من الاهتمام بالتفاوض على صفقة، بل أن الزعيم الكوري الشمالي “كيم يونغ ـ أون “يحض علماءه ومهندسيه على تسريع تطوير أسلحة نووية ويروق له إمكانية تهديد العالم بعدم التخلي عن الأسلحة النووية.
إن كوريا الشمالية لا تعد دولة نووية رسميا، لكن مع استمرار أبحاثها وبرامج التطوير فيها دون انقطاع، فإنه من الممكن أن تصبح كذلك قريبا ففي 6 جانفي الماضي قامت كوريا الشمالية بإجراء ما يبدوأنه اختبار على الأرجح أو أنها قنبلة ذرية فإن لديها ما يكفي قنبلة هيدروجينية .
وهاهي تجري تجربة جديدة وأطلقت صاروخ بعيد المدى يمكن أن يصل إلى الولايات المتحدة، ما أدى بمجلس الأمن إلى عقد اجتماع طاريء يوم الأحد في جلسة مغلقة كون الصاروخ الباليستي الذي يعتبر تحديا للعقوبات الأممية المفروضة عليها وهذا ما أثار حفيظة اليابان معتبرة ذلك تحديا للمجتمع الدولي، وندّدت الصين وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة رغم أن الصين حليفة لكوريا الشمالية، لكنها تقول أنها أحرجت بهذه التجربة.
أما الولايات المتحدة فقد تحدّثت مع كوريا الجنوبية على نظام نووي واعتبرت ألمانيا إطلاق الصاروخ البعيد المدى استفزازا غير مسؤول، من جهتها اعتبرت موسكو إطلاق الصاروخ مضرا جدّا بالأمن وندّدت بذلك، مجلس الأمن هو الآخر يدين التجربة الجديدة ويتوعد بتشديد العقوبات.
إلاّ أنّ كوريا الشمالية تتحدّى الجميع وتقول إنها ستواصل إطلاق المزيد من الأقمار والصواريخ.
دبلوماسية ذكية تساعد في حدوث توافق
هناك قلة من الناس يعترفون بأن الصين لا يمكنها تحمّل مسؤولية منفردة عن جعل كوريا الشمالية دولة منضبطة،فالولايات المتحدة الأمريكية وبقية العالم يجب أن يتبنوا سياسات تدعم هذه النتيجة، وهناك اتهام متبادل بين أمريكا والصين بالتقصير تجاه كوريا الشمالية بخصوص تحدّيها للمجتمع الدولي بتجاربها النووية، ولسوء الحظ لجأ وزير الخارجية الأمريكي إلى توجيه الاتهامات عوضا عن ذلك، حيث أعلن للصحافة مؤخرا بأن النهج الناعم تجاه كوريا الشمالية فشل، إلاّ أن الصينيين سارعوا إلى إصدار بيان يضعون فيه اللوم على عدم إحراز تقدم مع كوريا الشمالية على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية وهم محقون في ذلك فسياسة أمريكا المتعلقة بالصبر الاستراتيجي مثل سياسة الصين المتعلقة بالإقناع الودي قد نجحت فقط في السماح لكوريا الشمالية بتعزيز طموحاتها النووية.
وعلى الرغم من أن العلاقات الأمريكية الصينية معقدة للغاية تارة بالمنافسة وأحيانا بالمواجهة، فإن الجانبين ليسا غريبين عن التعاون في الأمور ذات الاهتمام المشترك مثل الأمور التي تحد من البرنامج النووي لكوريا الشمالية.
لقد أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية والصين سنة 2003، المحادثات السداسية مع الدول تستهدف التفاوض من أجل إنهاء البرنامج النووي للشمال وبعد ذلك بسنتين تمّ الاتفاق على تصريح مشترك ينص على التزامات بما في ذلك قيام كوريا الشمالية بالتخلي عن جميع برامجها النووية للأسف لم تتقيد كوريا الشمالية بالتزاماتها حتى بعد عدة جولات من المحادثات، حيث وصلت المبادرة الدبلوماسية إلى طريق مسدود سنة 2009 والسبب أن المفاوضين الكوريين الشماليين ليسوا كالمفاوضين الإيرانيين ويعتبرون العدو الأساسي لبلدهم هي الولايات المتحدة الأمريكية رغم تصريح الرئيس الكوري الشمالي، بأن نشاطاتهم النووية لأغراض سلمية ولا يهدّد بها جيرانه.
إن إعلان كوريا الشمالية يوم الأحد أنها نجحت في إطلاق صاروخ تمكن من وضع قمر صناعي في المدار معتبرة ذلك حدث العصر والذي أطلق على الساعة التاسعة بتوقيت بيونغ يونغ من قاعدة سوهاي شمال غرب البلاد.
تجربة قد تسرّع بناء دفاع صاروخي أمريكي في آسيا
قال خبراء ومسؤولين أمريكيون أن التجربة الصاروخية لكوريا الشمالية قد تسرّع من بناء نظام دفاع صاروخي أمريكي في آسيا وهو ما قد يزيد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين توترا.
وقد أصدرت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بعد ساعات من التجربة بيانا قالتا فيه إنهما ستبدآن محادثات رسمية لنشر نظام دفاع متطور في شبه الجزيرة الكورية في أقرب وقت ممكن.
وقد ندّدت الإدارة الأمريكية بأشد العبارات بالعملية معتبرة ذلك استفزازا كبيرا يهدّد أمن آسيا والولايات المتحدة وستكون له عواقب خطرة، وقال كيري سنستمر في العمل مع شركائنا وأعضاء مجلس الأمن الدولي لاتخاذ إجراءات جوهرية بهدف محاسبة كوريا الشمالية مؤكدا التزام واشنطن الثابت في الدفاع عن الحلفاء، وخاصة كوريا الجنوبية واليابان اللتين ترتبطان بمعاهدات عسكرية مع الولايات المتحدة، فهل ستنتصر القوة على الديبلوماسية وتدخل قارة آسيا الحروب على غرار ما يجري بإفريقيا والعديد من الدول العربية؟ أم أن لغة الحوار والحكمة هي البديل والخيار الأفضل؟.