اتّهموا بالإخلال بالنّظام العام

سقوط حرّ لشعار “التكفل الإنساني” بالمهاجرين

جمال أوكيلي

سقط الشّعار “الإنساني” الذي تعرفه الدّول الغربية تجاه اللاّجئين سقوطا حرّا عندما قرّرت حكومات هذه البلدان الشّروع في حملة واسعة النّطاق لطرد أعداء هائلة من هؤلاء لأسباب غير مقنعة، أرجعتها أوساط سياسية إلى حزازات واحتكاكات وسلوكات يومية ذات علاقة بالإخلال بالنّظام العام، ليكتشف العالم الوجه الحقيقي لهذه الجهات.
ومنذ بداية هذه الهجرات الجماعية، تساءل العديد من المتتبّعين عن ديمومة عنوان باسم الإنسانية، الذي يوظّف توظيفا معياريا في حوليات مؤسّسات هذه البلدان، التي كانت توزّع صفة “لاجئ” على كل من أراد ذلك، اليوم تغيّرت الأوضاع رأسا على عقب.
النّزوح بهذا الكم غير المتوقّع فاجأ هذه البلدان التي اعتقدت أنّ فتح أبوابها سيكون نعمة عليها، لكن مع مرور الأيام بدأت أصواتا تتعالى من هنا وهناك، محذّرة من مغبة التّمادي في استضافة المزيد من الأشخاص القادمين من كل حدب وصوب. وهكذا يستحضر الكثير تصريح وزير الخارجية الفرنسي فابيوس عند انطلاق أولى الزّوارق إلى المرافئ الأوروبية، بتدميرها وهي تشقّ عباب البحر قبل أن ترسو في تلك الموانئ، كونها تنقل إرهابيّين متنكّرين تركوا “جهادهم” في بلدانهم وقدموا إلى أوروبا.
هذا الكلام مرّ مرور الكرام، لأنّه كان هناك تحمّس من قبل القادة الأوروبيّين في استقبال المتوافدين عليهم، دون إعارة أدنى اهتمام لما يقوله فلان أو علان، نظرا لما يرون في مثل هذا العمل من بعد إنساني يخدم الفارين من لفحة نار الفتن المشتعلة في أوطانهم.
وسارعت البعض من البلدان إلى إبداء رفضها القاطع لدخول أي نازح إلى أراضيها، هذا ما عبّرت عنه فرنسا واشترطت أعدادا قليلة جدّا، في حين شهدت ألمانيا هجوما كاسحا على مدنها إلى درجة أنّها عجزت عن استقدام المزيد منهم، أما الولايات المتّحدة فقد كانت حذرة، وفضّلت دراسة ملفّاتهم حالة بحالة.
كما تسرّب البعض إلى الدول الإسكندنافية، وهي المناطق المعروفة بهدوئها لم تتعوّد على مثل هذه الأحداث، والتي لا تتّسع مساحتها لاحتضانها بكل عنفوانها.
هذه الظّاهرة أفرزت واقعا جديدا بدأت بالمقاربة الإنسانية لتنتهي بالطّرد المباشر، وهذه بإعادة الجميع إلى أوطانهم، وبهذا تكون هذه البلدان قد أخلّت بالتزاماتها المعنوية تجاه الآخر، وهو في حالة شدة أو في حاجة من يتكفّل به، فأين يذهب هؤلاء؟
حجّة الإخلال بالنّظام العام لا تقنع أحدا، كونها تهمة باطلة من الأساس، وهؤلاء “الضّيوف” يدركون جيّدا بأنّ وجودهم عند الغير لا يسمح لهم بارتكاب جرائم أو شيء من هذا القبيل، فلماذا تخلّت هذه الحكومات عنهم؟ سؤال معقّد جدّا وإجابته تحمل دلالات سياسية أكثر منها إنسانية، خاصة باقتراب المواعيد الإنتخابية على مستواها، ولا تريد الأحزاب الحاكمة أن تتورّط في هذا المستنقع وتعلن خسارتها قبل الآوان.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإنّ هناك هجمة شرسة على اللاّجئين، وهذا بالاعتداء عليهم بكل الوسائل المتاحة لإجبارهم على المغادرة فورا، ويوميا يزداد هذا الضّغط الذي قد لا يتحمّله البعض نتيجة وجود أفراد عائلتهم رفقتهم. إنّها حقّا مأساة إنسانية، وذهبت البعض من البلدان إلى التّضييق على هامش تحرّكاتهم، ووضعهم في محتشدات تمنع أي تنقّل دون طلب الإذن خوفا من مشاكل أمنية لا يتوقعونها بعد أن أدخلوا كل تلك الأعداد، وأرادوا إضافة أخرى لكن الأمر توقّف هنا بعد تفجيرات باريس، وتقرّر إعادة النّظر في كل شيء يتعلّق بالمهاجرين، وهذا بوضعهم في حالة إقامة مؤقّتة ريثما يحضّرون أنفسهم للرّحيل.
وللأسف، لا يوجد أي صوت يندّد بهذه القرارات التي نسجّلها من حين لآخر، من قبل تلك المنظّمات التي تدّعي الدّفاع عن أشخاص تمارس عليهم ضغوطا رهيبة من النّاحية النّفسية، فأين هؤلاء اليوم؟
لا نتوقّع أن تكون معارضة لإجراءات الطّرد، لأنّ هناك إجماعا علنيا على مباشرة هذا الخيار فورا دون أي تردّد يذكر، بدليل غياب أي حماية للأماكن التي يقطنها المهاجرون، وهي مراكز جماعية، وأولى عمليات الإبعاد ستشمل الأشخاص الذين لهم إقامة مستقرّة، ويليها آليا الذين يوزّعون على حدود البعض من البلدان في الشّرق الأوسط وحتى تركيا، تحت إشراف أممي، وستكون الأيام القادمة حاسمة في هذا الشّأن.
ويتذكّر الجميع أنّ سقوط جدار برلين وانهيار المعسكر الشّرقي، أدّى إلى هجرات جماعية من البلدان الإشتراكية والجمهوريات السّوفياتية ما تزال آثارها في جانب التّشغيل يشعر بها الأوروبيّون، لكنّهم قبلوا بهم منذ منتصف التّسعينات باسم الإنسانية، فلماذا الكيل بمكيالين؟

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024