كان رد رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس، حازما وصارما تجاه إسرائيل التي تراهن على انهيار”السلطة” في تقارير لا أساس لها من الصحة صادرة عن جهزها الأمني التي قدمها إلى نتنياهو خلال اجتماع وزاري مصغر. والأدهي والأمر في كل هذا أن رئيس حكومة الكيان الصهيوني ادعى بأنه “سيبذل ما بوسعه لمنع هذه الإمكانية” ولا ندري لماذا هذا الحرص الوارد من شخص مافتئ يلحق الأذى بالشعب الفلسطيني في الآراضي المحتلة بشكل مريع.
يقتل شباب في مقتبل العمر، يسجن خيرة أبناء ذلك الوطن، ينفي كل من يشتم لديه رائحة المقاومة والصمود، يمنع الأحرار من الانتقال من مكان إلى مكان بدعوى حملهم لشارة “رفض الاحتلال” والأكثر من هذا هو الذي دأب على القول بأن الفلسطينيين غير مؤهلين أوليسوا بشركاء في عملية السلام. كيف له اليوم أن يرفع شعار “إنقاذ انهيار السلطة..” من أين له كل هذا “الحنان” لإنسان دمر الشجر والحجر والبشر في غزة ويواصل قتل من يطعن جنود الاحتلال بالسكاكين، وما يثير الدهشة والاستغراب في التبريرات الإسرائيلية هي أنها خاضت في أمور غير واقعية بتاتا لا تمت بصلة للفعل السياسي بقدر ما أرادت المساس بحياة المسؤولين الفلسطينيين وقضايا مادية ليست وليدة اليوم، بل هي تعود أو نتيجة الاحتلال الذي خنق البلاد والعباد ونعني الاقتصاد الفلسطيني وتنقل الأشخاص.
هذا الاستفزاز الرهيب الذي يندرج في إطار الدعاية الهدامة والإشاعة المغرضة حرك نخوة الرئيس محمود عباس الذي سارع للرد الصاع صاعين لما قيل عن السلطة الفلسطينية وهذا من خلال كلمات المفتاح “لن نستسلم ولن نيأس” “إنجاز لن نتخلى عنه”، “مؤتمر دولي تنبثق عنه لجنة تكّلف بالملف الفلسطيني”، “اعتراف الفاتيكان بدولة فلسطين” وغيرها من النقاط الحاسمة في مسيرة نضال الشعب الفلسطيني.
التشخيص السياسي الذي فتحه رئيس السلطة الفلسطينية يترجم ذلك المسار الشاق والمضني لنضال طلائع هذا الشعب من أجل تحرير الوطن و«الإنجاز” يعني به قوافل الشهداء طيلة عشريات من الكفاح المسلح “عرفات”، “أبو جهاد”، “أبو إياد” وغيرهم ممن اغتيلوا غدرا أو ماتوا بفعل الحقد الصهيوني..
نتاج مفهوم السلطة أنها منظومة لمؤسسات قوية قادرة على فرض واقع سياسي جديد وخير دليل على ذلك الحصول على عضوية ملاحظ في الأمم المتحدة والقدرة على الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، والاعترافات المتكررة.. كلها دلائل على أن السلطة هي صاحبة المبادرة في صناعة الحدث المؤثر الذي طرح إسرئيل أرضا وجعلها غير قادرة على التأثير في المواقف الدولية كما كان الحال في السابق أخطبوط احتوى كل شيء.
وتبعا لذلك فإن اسرائيل تريد استسلام القيادة الفلسطنية وفي مقابل ذلك نشر القنوط في أوساط حاملي راية التحرر ودفعهم للتخلي عن هذه القيمة النضالية لإطفاء مرة واحدة وبشكل نهائي الجذوة المتقدة في الوجدان العميق لهذا الفلسطيني فلماذا يراهن الاسرائيليون على سقوط السلطة الفلسطينية؟ سؤال جدير بطرحه في الوقت الحالي هل يراهن نتنياهو على شخصية سياسية فلسطينية أخرى يريد إحلالها محل المسؤول الأول الراهن أم أن هناك خلفيات أخرى لم تعلن في التقرير الذي سلم لرئيس حكومة الكيان الصهيوني.. وما نشر مجرد أقاويل لذر الرماد في العيون لا أكثر ولا أقل.
بالرغم من كل هذا فإن رئيس السلطة الفلسطينية حمّل المجتمع الدولي مسؤولية جمود عملية السلام وهذامن خلال الذهاب إلى مؤتمر دولي يتوج بلجنة يخول لها أمر مرافقة هذه القضية وفق مقاربات جديدة تحتم على اسرائيل الخضوع لها لأن الحضور الفلسطيني يكون مبنيا على أسس سليمة وصحيحة وحتى متينة انطلاقا من أنه معترف به وبإمكانه الحصول على مكاسب وضمانات إضافية أخرى تسمح له بأن يحوز على اهتمام أكثر.. لأن كل المعطيات تغيرت بعد كل هذه الاعترافات.
وضمنيا فإن القيادة الفلسطينية تود توسيع دائرة الحل السياسي للقضية الفلسطينية لتتخطى إطار معين اعتاد البعض أن يراها المكان المناسب لكن مع مر الزمن لم يؤد إلى أي نتيجة على صعيد المسائل المتعلقة بالأرض والحدود والقدس والسيادة لأن ماتحقق حتى الآن هو”مسعى دولي” وعمليا لا يكفي في حالة بقاء الوضع على حاله بداخل الآراضي المحتلة في حين هناك قابلية دولية لاحتضان فلسطين وما تريده القيادة هو أن يكون الدعم الخارجي مكملا لما هو في الداخل.. حتى تستكمل تلك الصورة المبحوث عنها وهذا ما تعمل اسرائيل جاهدة على الحيلولة دون أن يتحقق ذلك مهما كان الأمر.. على أنها صاحبة القرار..في إدارة شؤون الداخل.
وردّا كذلك على الغطرسة الإسرائيلية قرر الأندونيسي مكاريم ويبي زونو المقرر الخاص للأمم المتحدة حول الانسان بالآراضي المحتلة الاستقالة بعدأن منعته اسرئيل من أداء عمله على أكمل وجه. وسيغادر المعني منصبه في ٣١ مارس القادم، مباشرة عقب دورة مجلس حقوق الانسان المقرر انعقادها من ٢٩ فيفري إلى ٢٤ مارس غداة عرضه لآخر تقريره وكم من مرة طلب ويبي زونو من اسرائيل زيارة الآراضي المحتلة لكن قوبل بالرفض المطلق منذ ٢٠١٤ وتتهمه اسرائيل بأنه معاد لها. للأسف هذا الحدث مر مرور الكرام ولم تعره الأوساط السياسية والإعلامية الدولية أي اهتمام يذكر لاندري ذلك في الوقت الذي تقيم الدنيا ولاتقعدها من أجل إحداث لا تستدعي كل ذلك التهويل الملاحظ عليها هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن العديد من الحكومات لم تتفاعل مع استقالة هذا المقرر.. معتبرة إياه بـ« اللاحدث” بالرغم ما يجري يوميا بالأراضي المحتلة من اعتداءات يومية وعقوبات جماعية وتهديم منازل العائلات كل هذا لايعني أي شيء بالنسبة لهؤلاء فإلى متى هذا التلاعب بمصير هذا الشعب.!؟