الانتقال السّياسي في سوريا مازال بعيدا

تضارب في الرّؤى وحسابات طويلة المدى

جمال أوكيلي

ملامح الحل السّياسي في سوريا غير واضحة في الوقت الرّاهن، حاضرة بقوة في تصريحات الأطراف المعنية بالصّراع الدّموي هذا، لكنها تبدو مؤجّلة إلى إشعار آخر ريثما يتم الحصول على موافقة مفادها الابقاء على الأسد في التّحولات القادمة المقرّرة من طرف الكبار.
هذا هو الانطباع الأوّلي الذي يتبادر إلى ذهن المتتبّعين للشّأن السّوري، كون هامش المناورة تقلّص كثيرا، ولم يعد بمقدور أي جهة الفصل في النّزاع بالمفهوم الحزبي الخالص، ونحن الآن في حالة “لا غالب ولا مغلوب”، وهذه القاعدة سيدة الموقف في الوقت الراهن، ولا ينتظر مزيدا من التطوات الميدانية لاحقا.
ومهما بلغ القصف الرّوسي مداها، فإنّه لا يستطيع الحسم ما يجري على الأرض قد يلحق الأذى بالآخر، لكنّه ليس بإمكانه إحداث تغيير عميق في المعادلة العسكرية، وهذا ما يلاحظ منذ أن تدخّل مباشرة وأراد استعادة زمام المبادرة. والكثير من التّقارير تشير إلى تعرّض الجيش الحر إلى تلك الضّربات، لذلك يطالب البعض بإعداد قائمة للمنظّمات الارهابية الموجودة في هذه المنظومة المسلّحة من المقاتلين، وكل واحد سيعدّها وفق مصالحه الخاصة.
وحاليا تجاوز العدد ٦٠ تنظيما، وهذا الرّقم جدير بقراءة مغزى الكشف عنه، فمن هي الجهة القادرة على سحق هؤلاء؟ هذا هو السّؤال الكبير في المرحلة القادمة المتّسمة  بإعطاء الأولوية للبعد السياسي الذي يراه الكثير بأنّه المؤشّر قصد الذهاب إلى خيارات أخرى غير التي تلاحظ اليوم، وتأكّد ذلك مع إبداء الفاعلين رغبتهم الشّديدة في الانتقال السياسي الذي هو مطلب الجميع.
ولابد من القول هنا، بأنّ هذا التّباطؤ المسجّل حاليا إنما هو عائد إلى موقف روسيا، التي تعمل على تمهيد أرضية الذّهاب إلى أي موعد سياسي بأوراق قوية تسمح لها بأن تكون في موقع تفاوضي أعلى، وحاليا فإنّ هذا الهدف لم يتحقّق، لذلك تسجّل كل هذه الوتيرة الضّعيفة وفي نفس الوقت المحسوبة بدقة.
ومطالب روسيا متوافقة مع الولايات المتحدة التي تصرّ على الانتقال السياسي، وفي هذا الشّأن فإنّ لافروف أقرّ صراحة بأنّ هذا العمل سينجز في ١٨ شهرا، وهذا بإجراء انتخابات على عدة مستويات، والاشكال القائم في هذا الاطار هو مصير الأسد، الروس يتمسّكون به إلاّ أنّ الأمريكيّين ومن سار على دربهم يفضّلون تصوّرا آخر، لذلك لا نستغرب من حالة الجمود الحالية على أنّها مجرد وضع مؤقّت لا يلبث أن ينشط في غضون الآفاق   القادمة بحكم متطلّبات المرحلة في تلك المنطقة المشتعلة.
والتّفاهم السّياسي الرّوسي ـ الأمريكي الملاحظ حاليا إنما يندرج في هذا التوجه القائم على المضي قدما نحو الانفراج الكامل في هذه الأزمة المتعصية التي كلّفت الجميع ثمنا باهضا، وهذا عن طريق مشاهد تكمن في نزع فتيل التّحامل الاعلامي بين وزير خارجية  روسيا ونظيره الأمريكي وتفادي التعليق على أحداث المنطقة بالشّكل المعتاد.
تبقى فقط الصّيغة المتعلّقة بالمشاركة للأطراف الفاعلة، خاصة الأسد هنا يتّضح بأنّ الغرب يحتاجه في مكافحة الجماعات المسلّحة فقط، أما بعد ذلك فإنّ هناك قولا آخرا بمعنى استكمال مسار الانتقال السياسي إلى نهايته دون الرّئيس السّوري، على خلاف الروس الذين أحالوا المسألة على الشّعب الذي يقرّر مصيره. نفس الطّرح موجود لدى السّوريّين،  وهذا الأمر يمكن تسويته من باب التّوافقات الرّاهنة لإيجاد مخرج لائق للجميع.
لكنّنا نقول هنا بأنّ الأمر ليس سهلا، وقد يخطئ من يعقتد ذلك بحكم أنّ النّزاع معقّد إلى درجة لا يمكن تصوّره، ونتيجته المنطقية الابتعاد عن الحل المرجو، وتمسّك كل طرف برؤيته الخاصة التي عطّلت أي مسعى في هذا الشّأن، والكل ينتظرون من الروس مبادرة تذيب هذا الجليد، وتعطي وثبة قوية نحو  الأمام، وهذا عندما يعلن الأمريكيون قبولهم بالأسد كطرف فاعل في عملية التّسوية، ولا تقتصر مهمّته في ملاحقة المسلّحين فقط.
ومفهوم الانتقال السّياسي عند القيادة السّورية يختلف عمّا يفكّر فيه الغرب، أي أنّه لا يعقل تسليم السّلطة هكذا إلى المعارضة وعلى طبق من ذهب. لا نتصوّر هذا أبدا لأنّ التّضحيات لن تذهب هدرا من أجل الوطن حتى أنّ القوى الاقليمية المتحالفة مع سوريا (إيران، حزب الله..) لا تقبل بتغيير الجيو ـ سياسي والاستراتيجي للمنطقة بدون ضمانات، وهذا ما يعرقل الانتقال السّياسي في الوقت الحاضر.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024