أستاذ العلوم السّياسية بجامعة الجزائر حسام سلمان في حوار مع “الشعب”

2015 سنـة الأزمــات والمـآسي الانسانية والانفـراج الأمـل المعلــّق

أجرت الحوار: آمال مرابطي

دحـر الارهــاب لا يكـون بالسّـلاح والتّحالـــف العسكـــري بــل بتجفيــف منابعـــه

اعتبر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر حسام سلمان في حوار مع “الشعب”، أن 2015 التي نودّعها غدا،كانت بلا منازع سنة الأزمات و المآسي الانسانية التي شكّلتها بالخصوص صور أمواج اللاّجئين وهم يركبون مخاطر المتوسط للفرار من جحيم الارهاب الذي صعّد من دمويّته، وتجاوز بها حدود الجغرافيا لينفّذ عمليات وهجمات استعراضية لم تستثن أقوى الدول وأكثرها قدرة على مواجهته. لكن رغمّ قتامة الوضع، فإنّ الأستاذ سلمان يعتقد بأنّ الأسابيع الأخيرة شهدت تحرّكا دوليا جدّيا في اتجاه   حلحلة الأزمات التي تعصف بالبلدان العربية، في مقدّمتها الأزمة السّورية واللّيبية واليمنية، وأيضا في محاربة الارهاب، وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّ العام المقبل قد يشهد بعض الانفراج.
❊ الشعب: بعد غد يحلّ عام جديد، فهل تتوقّعون انفراجا للأزمات التي تعصف بأكثر من دولة؟ أم سنشهد عاما آخر من الانسداد و العنف و المآسي الانسانية؟
❊❊ الأستاذ حسام سلمان: من الصعب توقّع ما سيحمله عام 2016، لكن بالنظر لمجريات الأحداث وتطوراتها خلال سنة 2015 والتي حملت الكثير من التوتر والتصعيد، بالإمكان القول أنّّ هناك أزمات قد تتوسّع وأخرى ستمضي إلى الانفراج الذي بدأ يلوح في الافق خاصة بالنسبة للمعضلة السورية.
المؤكد أنّ الحرب على تنظيم “داعش” الارهابي ستستمر، وطبعا الذي سيتحمّل أوزارها هم المدنيون الذين سيجدون أنفسهم بين سندان الهجرة واللجوء ومطرقة القصف والقتل.
مؤشّرات الانفراج
❊ مؤشّرات إيجابية تبشّر بقرب حلّ  أزمات سوريا، ليبيا واليمن، فهل اقتربت  نهاية الكابوس الذي تعيشه شعوب هذه الدّول؟
❊❊ بالفعل بدأت مؤخّرا الجهود الدبلوماسية تتحرّك في اتجاه حلحلة الأزمات التي تعصف بالوطن العربي، فاجتماع ممثلي الأطراف الليبية في 17 ديسمبر 2015 توّج باتفاق حظي بدعم مجلس الأمن الدولي، وتضمّن تأسيس مجلس رئاسي موحّد يجمع طرفا النزاع (برلماني طبرق وطرابلس)، ويحث على تشكيل حكومة وفاق وطني بقيادة “فايز السراج”، وقد نصّ الاتفاق على محاسبة الأفراد والكيانات التي تعرقل التوافق في ليبيا.
هذا الاتفاق فرصة تاريخية لإنهاء الانقسام بليبيا واستعادة الوحدة وإنهاء الأزمة الأمنية، لأنّه كلّما تأخّر الحل تقدّم تنظيم  “داعش” الارهابي وتوسّع خطره. ومعلوم أنّه كان للجزائر دور وحرص كبير على  الدعوة إلى التوافق والتّشديد على أولوية الحل السياسي.
❊ أين يكمن التّحدي في ظل هذا المتغيّر؟
❊❊ التّحدي في تنفيذ الاتفاق على أرض الواقع، هناك العديد من المليشيات التي تعارضه، كما أنّ المشهد العام يبدو أكثر انقساماً والخلافات أكثر حدّة، ما يطرح احتمالات خطيرة على الوضع الليبي في ظل انعدام مشروع موحّد، ووجود تركيبة قبلية، و22 مليون قطعة سلاح منتشرة في الشوارع، وهي كمية كافية لتسليح أكثر من سبع دول إفريقية.
الاتفاق زاد المخاوف من ارتفاع أسهم التدخّل العسكري الخارجي في ليبيا، والذي ينتظر حكومة مُعترف بها لتطالب بهذا التدخّل تحت شعار محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) الارهابي.
❊ ماذا عن سوريا واليمن؟
❊❊ بخصوص الأزمة السّورية، فإن تدخّل روسيا أدّى إلى تغيّر موازين القوى ميدانيا، وسجّل تراجعا في المواقف الدولية تجاه الرئيس الأسد، الأمر الذي عزّز من حتمية الحل السياسي للأزمة، والدّفع نحو إطلاق مفاوضات بين النظام والمعارضة، وتوحيد الجهود لدحر التنظيم الإرهابي “داعش” الذي تمدّد في المنطقة. ويبدو أنّ هناك مؤشّرات لقرب التّسوية السياسية للأزمة السّورية التي استمرت نصف عقد من الزمن، إذ تمّ في ديسمبر 2015 صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يتضمَّن خارطة طريق لحل سياسي للنزاع في بلاد الشام، الذي كلّف حصيلة إنسانية ثقيلة بسقوط أكثر من 250 ألف قتيل وملايين النّازحين.
أمّا عن اليمن، فأعتقد بأنّ مؤشّرات التّقارب بين الطّرفين (الحوثيّون وحزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعّمه الرئيس السابق علي عبد الله صالح من جهة، والرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي من جهة ثانية) لحل الأزمة بدأت تتضح، بدءا بتبادل المتمرّدين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي مئات الأسرى وسط هدنة هشّة تزامنت مع مباحثات السلام التي احتضنته سويسرا. ومن المرجّح أن تعود  المفاوضات المرتقبة لمرجعية المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية.
وعلى العموم يمكن القول أنّ المجتمع الدولي سيعمد إلى الدفع نحو الحل السياسي للأزمة السورية والليبية، وحتى اليمنية لسببين يتعلّقان بآثار هذه الأزمات بداية بأزمة اللاّجئين من خلال تدفّق عدد كبير منهم على أوروبا (تجاوز عدد اللاجئين والمهاجرين الذين وصلوا إلى الدول الأوروبية عبر البر والبحر هذا العام المليون شخص، بحسب منظمة الهجرة الدولية)، وأيضا تمدّد تنظيم الدولة الإسلامية الدموي، الأمر الذي يشكّل تحدّيا أمنيا خطيرا. وتبقى الأزمة الإنسانية هي الخطر، والإفراز الأكبر لكل هذه القضايا والحروب.
40 سنة بركات
❊ يعلّق الصّحراويّون آمالا كبيرة على زيارة الأمين العام الاممي بان كي مون إلى المنطقة شهر جانفي، فما قولكم؟
❊❊ في الحقيقة إنّ القضية الصّحراوية هي أزمة طال عمرها (دامت أكثر من 40 سنة)، وبالرغم من مختلف الجهود الدولية والدبلوماسية لحلّها، إلاّ أنّ الاحتلال المغربي ورغم ما يعانيه من عزلة دولية يصرّ على تحدّي ارادة المجتمع الدولي ويسترسل في المراوغة وسياسة الهروب  إلى الأمام.
وفي هذه الأجواء، من المنتظر أن يقوم بان كي مون مطلع 2016 بزيارة إلى المنطقة، والتي ستكون الأولى من نوعها من أجل بعث المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو في إطار المسار الأممي الرامي إلى إيجاد حل لهذا النزاع، خاصة بعد اصطدام المبعوث الأممي إلى الاقليم المحتل “كريستوفر روس” بعرقلة المغرب طيلة سنتين، ورفض مطلبه بخصوص استئناف الطرفين المفاوضات المباشرة.
آمال كبيرة معلّقة على زيارة “بان كي مون” لاسيما فيما يتعلّق بتنظيم استفتاء حول تقرير مصير الشّعب الصّحراوي، والتصدي لما ترتكبه السلطات المغربية من انتهاكات لحقوق الإنسان. وأنا شخصيا أعتقد بأنّ زيارة “بان كي مون” ستشكّل ضغطا على المغرب، وستجعله أكثر جدية لطيّ فصول آخر مسألة تصفية استعمار في إفريقيا، خاصة وأنّ القضية الصّحراوية تحظى بمزيد من الدعم والنّصرة من قبل المجموعة الدولية.
ومعلوم أنّ الجمهورية العربية الصحراوية انتزعت لحد الآن اعتراف 84 دولة، ولهذا ينتظر أن تعطي زيارة الأمين العام طابعا دوليا للقضية الصحراوية وكفاح الشعب الصحراوي، وتساهم في جعلها ضمن أولوية أجندة الأمم المتحدة، بحيث ينتظر أن يقدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره إلى مجلس الأمن في أفريل 2016.
❊ شكّل الارهاب تحدّيا كبيرا خلال السنة المودّعة، حيث وسّع رقعته ومدّد إجرامه، فهل ستتمكّن الحرب المعلنة ضدّه من دحره؟
❊❊ نعم سنة 2015 استهلّت بالإرهاب واختتمت به، بدأت بالهجوم على صحيفة “شارلي إيبدو” في باريس في 7 جانفي  الماضي، ثم هجوم حركة الشباب  الصومالية المرتبطة بتنظيم القاعدة  الدموي على جامعة غاريسا شرق كينيا؛ ما أدى إلى سقوط 148 قتيلًا بينهم 142 طالبًا، تلاه الاعتداء على متحف باردو بتونس في مارس، وفي 26 جوان استهدف هجوم آخر أحد فنادق سوسة ما أوقع 38 قتيلًا، ثم إسقاط الطائرة الروسية في سيناء المصرية في أكتوبر ومقتل ركابها الـ 224، وفي 24 نوفمبر استهدف اعتداء ارهابي حافلة للأمن الرئاسي التونسي، وقبله هزت هجمات العاصمة الفرنسية باريس في 13 نوفمبر وخلفت مقتل 130 شخصًا وإصابة أكثر من 350 آخرين، وجميع هذه الاعتداءات تبنّاها “داعش” الارهابي.
من الملاحظ أنّ الإرهاب أصبح يضرب في كل مكان، يخترق كل الجغرافيا ويتجاوز كل الحواجز الأمنية، الأمر الذي جعل المجتمع الدولي أمام حتمية محاربته. لهذا  سارعت القوى الكبرى إلى تشكيل تحالف دولي وأعلنت حملتها ضد تنظيم داعش، كما سارعت السعودية من جهتها إلى تأسيس تحالف إسلامي يوم 14 ديسمبر 2015، مؤلف من 34 دولة لمحاربة الإرهاب.
أما سؤالك عن امكانية دحره، فأرى أن الإرهاب تحدّ متجدد، ودحره لا يكون بالسلاح والتحالف العسكري بقدر ما يرتبط بتجفيف منابعه، وهذا المبتغى مرتبط بتركيز الاهتمام حول القضايا التنموية وتحقيق العدالة الاجتماعية، ونشر الثقافة التشاركاتية القائمة على التعاون والتعبير عن الحقوق بطرق سلمية، وأيضا العمل على تحقيق الفهم الصحيح للدين. هجومات باريس بيّنت القدرة الإستقطابية الكبيرة للإرهاب لتجنيد المقاتلين من كل الدول والجنسيات، لكن من المنطق أن نسأل لماذا توطّد الإرهاب في الدول التي عرفت تدخلا خارجيا من أفغانستان، العراق إلى سوريا، ليبيا واليمن؟ والإجابة ستأتي سريعا أنّ الظاهرة الإرهابية أصبحت حبكة يتم إنتاجها وتمويلها من طرف القوى الكبرى لتمرير وخدمة أجنداتها في المناطق التي تبحث فيها عن نفوذ، وعلى رأسها الشرق الأوسط.
من أجل قرار إفريقي مستقل
❊ إفريقيا لازالت تواجه الكثير من التحديات الأمنية والسّياسية والاقتصادية، فكيف السّبيل لمواجهة هذا الوضع خاصة في ظل المتغيّرات العالمية التي يوجّهها الغرب لصالحه؟
❊❊ إنّ حجم التّهديدات والتحديات الأمنية التي تواجهها دول القارة منفردة ومجتمعة كبير جدا، على تباين طبيعة هذه التحديات داخلية ممثلة في المقام الأول بضعف التنمية، الفقر، البطالة، انتشار الأوبئة، المتاجرة بالأسلحة، النزاعات المسلحة الهجرة غير الشرعية، وتحدي بناء الدولة والهوية، والعنف والصراع على السلطة، والخارجية ممثلة في المقام الأول بالجريمة المنظمة والمخدرات والإرهاب والتدخلات الخارجية.
السبيل لمواجهة هذه التحديات يكمن في تفعيل الآلية المؤسساتية المتمثلة في الإتحاد الإفريقي ليضطلع بمسؤولياته، كما يجب على الأفارقة أن يدركوا بأن الغرب لا يحمل همومهم، وعليهم أن يتكتّلوا ليحلّوا مشاكلهم بأنفسهم، بعيدا عن التدخلات والأدوار الخارجية، وإذ أؤكّد منذ البداية على العامل الاقتصادي المتمثل في التنمية،  لحلّ كل المشاكل بما فيها الأمنية وقضايا الإرهاب، فإنّني أشير إلى أن تطوير مجالات التنمية بإفريقيا وتحقيق تكتل اقتصادي قاريّ، يشكل الرهان المستقبلي الذي ينبغي اعتماده لتحقيق السلم والتنمية المستدامة بالقارة السمراء، فالعلاقة القائمة بين الأمن والتنمية مؤكّدة.
❊ كلمة أخيرة؟
❊❊ كلمتي الأخيرة ستكون أمنية وتهنئة لجريدة “الشعب” ولكل الشعب الجزائري بالسنة الجديدة 2016، التي نأمل أن تحمل الرّخاء والأمن والاستقرار لبلادنا، ولكل البلاد العربية ودول العالم جميعا.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024