عرفت سنة 2015 تحقيق عدد من المكاسب الدبلوماسية للشعب الفلسطيني، إلا أن قضيته مازالت تراوح مكانها.
فالاحتلال الإسرائيلي ماض في سياسته العدوانية والتعسفية القائمة على القتل والاعتقال والتوسع الاستيطاني وتهويد الأماكن المقدسة، ما أثار موجة غضب نهاية أكتوبر المنصرم في كل من الضفة الغربية والقدس وغزة.
وتأتي نهاية هذه السنة بالهبة الفلسطينية وما يميّزها من ارتفاع وتيرة المواجهات واستمرار حدة العنف الذي يمارسه الإسرائيليون ضد الفلسطينيين العزل، مما هيّأ الأرضية لانفجار انتفاضة ثالثة.
وشهدت مختلف مدن وقرى الوطن المحتل، خاصة مدينة القدس أعمالا وحشية دموية ضد أبناء الشعب الفلسطيني من قبل قوات الاحتلال، والمستوطنين العنصريين، الذين نكّلوا بالمدنيين وأحرقوا ممتلكاتهم ومزروعاتهم دون استثناء الأطفال، حيث أحرقوا الرضيع الشهيد الدوابشة وعائلته أحياء.
وقد استشهد مند أكتوبر، أكثر من 100 فلسطيني وأصيب المئات، وهذا ما يعزّز الحاجة لضرورة الإسراع في إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. كما تمّ اعتقال 3400 فلسطيني خلال سنة 2015، بينهم 189 امرأة ، و194 مريض و609 أطفال والعشرات من كبار السن.
من جهة أخرى، وفي الوقت الذي تمرّ فيه مائة سنة على مباشرة محاولات تهويد القدس بدءا من معاهدة سايكس بيكو وحتى نشأة الكيان اليهودي، تتواصل الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى ومدينة القدس بشكل أكثر شراسة، كما يتواصل بناء المستوطنات ومحاولات طمس الهوية وحصر الاحتلال لقضية القدس في العبادة فقط بدلا من كونها قضية سياسية”.
ولا يزال الشعب الفلسطيني الذي يبلغ تعداده ما يزيد على ثمانية ملايين نسمة يعيش تحت نير الاحتلال وسط صمود لا مثيل له في وجه معاناة اقتصادية وسياسية واجتماعية.
مكاسب وانتصارات
حقّقت دولة فلسطين مكاسب كثيرة على المستوى العالمي، خاصة ما تعلّق بالاعتراف المتزايد بها (135 دولة) إضافة إلى الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها على مستوى هيئة الأمم المتحدة، الأمر الذي يبعث على التفاؤل بشأن مستقبل قضية العرب الأولى فلسطين. فقد صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 138 صوتا مقابل تسعة أصوات وامتناع 41 دولة لتغيير وضع فلسطين إلى وضع “دولة غير عضو” في الأمم المتحدة مما يعني اعترافا بفلسطين كدولة. وتزامن التصويت على رفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة مع “اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني” الذي يصادف يوم 29 نوفمبر من كل عام.
ويضاف هذا المكسب إلى ما حقّقه الفلسطينيون من قبل كعضو كامل الحقوق في المنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” وكذا اعتراف الأمم المتحدة بحق الشعب العربي في فلسطين بتقرير مصيره في قرارات عدة، واعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا له. ونالت دولة فلسطين وضع مراقب بوصفها كيانا لها الحق في التحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دون وسيط ولكن دون الحق في التصويت.
العلم الفلسطيني يرفرف فوق المقر الأممي
مكسب آخر حقّقته فلسطين سنة 2015، وهو انضمامها رسميا إلى المحكمة الجنائية الدولية بصفة عضو كامل الحقوق، وجاء قرار الأمم المتحدة بقبول فلسطين كعضو في المحكمة، استجابة لطلب فلسطين الذي جاء في إطار حملة دبلوماسية أطلقتها السلطة الفلسطينية لنيل الاعتراف دوليا بعد فشل المفاوضات المباشرة مع سلطات الاحتلال.
كما يمثّل رفع العلم الفلسطيني مكسبا آخر حقّقته فلسطين هذه السنة حيث رفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس العلم الفلسطيني لأول مرة في مقر الأمم المتحدة في نيويورك إلى جانب أعلام الدول الـ 193 الأعضاء في الأمم المتحدة والفاتيكان الذي يتمتع مثل فلسطين بوضع دولة مراقب غير عضو.
وشاركت دولة فلسطين شهر ماي الماضي في مؤتمر المراجعة للدول الأطراف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بمقر الأمم المتحدة، وتأتي هذه المشاركة للمرة الأولى بعد انضمام فلسطين إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية لتصبح الدولة الطرف 191 في المعاهدة.
طريق الخلاص
إن الهبة المستمرّة في فلسطين والثمن الغالي الذي يقدّمه شبابها يومياّ،يؤكد بما لا يدع مجالا للشكّ أن القضية الفلسطينية التي تراجع اهتمام العرب بها بفعل ما يشهدونه من أزمات وحروب عصيبة، مازالت تشكّل شوكة في حلق الاحتلال الاسرائيلي الذي يعيش شعبه الهجين هذه الأيام في رعب كبير خوفا من الشباب الفلسطيني الثائر، وما دامت المقاومة الفلسطينية مشتعلة، فإن فلسطين بخير والاحتلال إلى زوال مهما طال الزمن.
والأكيد أن العالم أجمع شاهد على الحقيقة ومتأكد بأن اسرائيل هي التي تسدّ أفق الحلّ السياسي بتعنّتها وغطرستها، وهي التي تلغي جميع الخيارات ولا تترك غير باب المقاومة مفتوحا.
ويبقى الأمل في أن يحمل العام الجديد الحلّ الذي ينشده الفلسطينيون مند سبعة عقود.