القضية الصّحراوية نجاحات سياسية باهرة

سقوط حر للطّروحات المغربية التّوسعية

جمال أوكيلي

ونحن على مشارف نهاية سنة ٢٠١٥، سجّلت القضية الصّحراوية العادلة نجاحات سياسية باهرة لم يكن المغرب يتوقّعها، بعد الفشل الذّريع الذي لحق بـ “اللّوبي” الذي يعتمد عليه في التّضييق على الصّحراويّين على المستوى الأوروبي خاصة. وفي نفس السّياق توّج المؤتمر الـ ١٤ لجبهة البوليزاريو بنتائج تاريخية تخصّ خيارات النّضال مستقبلا، بوضع لبنات لمؤسّسات قادرة على التّكيّف مع مستجدّات كفاح هذا الشّعب الأبي، في غضون المرحلة القادمة الموعودة بنشاط صحراوي على أكثر من صعيد يسمح باعتلاء منصّة تقرير مصيره.
هذه التّطورات السّياسية والتّنظيمية المذهلة، جاءت كردّ مباشر على غطرسة المغرب الذي نسف كل الجهود التي تبذل أمميا، إفريقيا  وأوروبيا، رافضا الإذعان للنّداءات التي تطالبه باحترام الشّرعية الدّولية، وما صدر من قرارات ملزمة التّطبيق في هذا الشّأن، لكن استهتاره وعبثه كلّفه ثمنا باهضا سيدفعه آجلا أو عاجلا نظرا لعدم اعترافه بالمجموعة العالمية التي ما فتئت تدعوه إلى منح هذا الشّعب حقوقه التّاريخية المهضومة.
والأدهى والأمر هنا، هو أنّ المغرب لم يتجاوب مع إرادة الأمم المتّحدة في اعتبار ٢٠١٥ سنة حاسمة في مسار تسوية القضية الصّحراوية، وسعى جاهدا لضرب كل التّرتيبات التي أنجزت في هذا الإطار، وهذا بإطلاق العنان لتصريحات معادية للأمم المتّحدة، في رسالة ضمنية ترفض رفضا “قاطعا” الصّيغ المقترحة للحل كالمفاوضات المباشرة بين طرفي النّزاع المغرب وجبهة البوليزاريو الممهّدة لتنظيم الاستفتاء.
المغرب تمادى السّير في طريق الخطأ، وفضل اللّعب في الوقت بدل الضّائع، معتقدا بأنّ الأمر بيده، يديره كما يحلو له، وأدّى به هذا التهور إلى مغالطة البعض من الأشخاص باستضافتهم في مدينة “الداخلة” المحتلة باسم منتدى “كرانس مونتانا” للمدعو جان بول كارتيرون، وقد تفاجأ هذا الرّجل برفض قدوم الشّخصيات ذات الوزن الثّقيل سياسيا في جلسة الافتتاح كالأمين العام الأممي وغيره.
كل هذا الضّغط الإعلامي أراد المغرب ممارسته على شكل دفعات متواصلة، لعلّ وعسى يجد ضالّته في ذلك، منها بالخصوص التّأثير على الحكومات عن طريق جمعياتها ومجتمعها المدني للحصول على موقف معين، وحتى التّشويش عليها خاصة في أوروبا الشّمالية التي لا تتسامح أبدا مع هذا البلد في دوسه على الشّرعية الدّولية، بدليل أنّها ألغت كل العقود مع هذا البلد بكل أبعادها الإقتصادية والتّجارية.
وفي هذا السّياق، أبدى عبد الإله بن كيران في تصريح لقناة “دوتش فللي” الألمانية، أنّ الموقف السويدي أثّر تأثيرا واسعا في الكشف عن حقيقة القضية الصّحراوية، وهذا بإعادة الأوضاع إلى بداية عهدتها، وبالتّوازي مع ذلك قرّرت شركات نرويجية مختصّة في التّنقيب عن المحروقات فسخ كل العقود المرتّبة عن ذلك.
هذه المواقف المشرّفة لم تأت من العدم أو هي وليدة نزوات، بل تعود إلى إدراك الكثير من هذه الشّعوب الأصيلة عزلة قضية الشّعب الصّحراوي، وإطلاعهم على ممارسات الإحتلال ضد مناضليه البواسل وطلائعه الأشاوس، الذين يضحّون بالنّفس والنّفيس من أجل وطنهم المفدّى.
ولابد من التّأكيد هنا على حقائق ساطعة بالرّغم من التّعتيم الإعلامي والتّضليل السياسي للمغرب على أكثر من صعيد، منها الوعي الدّولي بأنّ الوجود المغربي في الصّحراء الغربية هو احتلال ولابد أن يكون محل تكفّل أممي قصد إزالته فورا ونهائيا، ولا يتأتّى ذلك إلاّ بتضافر جهود ذوي الضّمائر الحيّة المحبّة للحرية.
وأشدّ الضّربات السياسية الموجعة التي تلقّاها المغرب حديثا هو بطلان الاتّفاق الفلاحي مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك موافقة البرلمان الأوروبي على توسيع مهمة بعثة الأمم المتّحدة لإدراج مبدأ مراقبة حقوق الإنسان، وهذا بـ ٢٥٨ صوت باقتراح من الكتلة الكنفدرالية لليسار الموحّد الأوروبي ــ اليسار الأخضر للشّمال كقوّة خامسة في البرلمان الأوروبي.
هذا المكسب المحقّق لصالح الصّحراويّين عزّزه عقد المؤتمر الـ ١٤ لجبهة البوليزاريو، الذي جاء في ظرف خاص، يتميّز بكل هذا الزّخم الدّولي المؤيّد لقضية الشّعب الصّحراوي، وكذلك توضيح الرّؤية السّياسية والعسكرية لوطن تحت الإحتلال، ويرى المسؤولون الصحراويّون بأنّه حان الوقت كي تفرض المبادرة الصّحراوية بقوة على الصّعيدين الدّاخلي والخارجي، والآليات تتمثّل في تزويد المؤسّسات الصّحراوية بتنظيم فعّال قادر على مواجهة كل طارئ.
وستستثمر القيادة الصّحراوية في هذه النّجاحات السّياسية الباهرة المحقّقة في الميدان بفضل الحكمة، سداد الرّأي، التّعقّل، الصّبر والإبتعاد عن الاستفزازات المسجّلة منذ أمد طويل، وفي كيفية التّعامل مع هذا الملف، ممّا أكسبها المزيد من الانتصارات في هدوء تام بعيدا عن التّهويل مثلما يقوم به المغرب.
ونؤكّد هنا بأنّ الصّحراويّين شعب متحضّر ومحترم، يتمتّع بكفاءة عالية في تسيير شؤونه على جميع الأصعدة، هذا ما يسمح له بأن يكون في مستوى طموحاته، ألا وهي تحرير أرضه طال الزّمن أم قصر، وهو التّحدي الذي يتطلّب رفعه بعد مؤتمر بناء الدّولة الصّحراوية الحرّة.

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024