لا يزال الدبلوماسي المخضرم الاخضر الابراهيمي يجوب العواصم داعيا للحوارغير مستسلم للامر الواقع الذي يدفع بسوريا الى الانفجار ولا يغادر محطة الا ويؤكد ان المسؤولية عن استمرار التدهور يقع على عاتق الطرفين محذرا من ان حريق الحرب المستعرة ستحول لؤلؤة الشام الى رماد ولن يكون حينها منتصر بل الخاسر الاول والاخير هو الشعب السوري التواق لان توفر له الفرصة لتحديد خياراته في كنف الهدوء والانسجام بما يحفظ رصيده التاريخي خاصة في مواجهة العدو الصهيوني مغتصب الارض ومنتهك العرض وسارق الرزق.
بلا شك ان الابراهيمي بصفته مبعوثا للامم المتحدة اساسا كان يعلم غداة تكليفه بالمهمة الصعبة ان رحلة الاف ميل ستطول اكثر خاصة وان الازمة متشعبة ومتداخلة بفعل انخراط دول كبرى ودول الجوار كل حسب اجندته ومصالحه الجيوسياسية في تاجيج الازمة والدفع لفصولها الى مرحلة اللاعودة مستفيدين من قبول اكثر من طرف اداء الدور المطلوب منه دون تقدير لحجم الربح والخسارة.
في هذا المناخ الرمادي ووسط دخان حرب الاخوة الاعداء منساقين وراء العزة بالنفس والتطرف لامامية مفرطة نزل الدبلوماسي الجزائري الى الميدان محاولا جذب الاطراف المعنية الى مساحة الحوار والجلوس حول طاولة الاقتتال السياسي حيث يمكن نفجير الطاقات الهائلة من الافكار والتصورات والاقتراحات المؤسة لحل باقل الاضرار يوفر للجميع مكانة تحت الشمس في بلاد يمكن لشعبها ان يحول فسيفساء الانتماء الى طاقة اندفاع الى المستقبل في كنف الوئام والتناسق بعيدا عن اي سقوط في شراك اطماه هذا الطرف من الجوار او في مصيدة ذاك الطرف المتربص به.
وبالرغم من محاولات لم تتوقف لوضع العصا في العجلة لعرقلة مسعى التشجيع على تنمية خيار الاحتكام للدبلوماسية وتغليب السياسة على لغة العنف ابدى الابراهيمي عزيمة على مواصلة المشروع على صعوبته وتاكيده بما لا يدع مجالا للشك ان الذكاء الانساني لا تحده فوهات البنادق المشحونة باداوات اعلامية تروج للدماء المنهمرة وتؤجج النفوس مستبعدة اي مصطلح للحوار فتراها تسوق لدعاة الحرب والدمار بشكل مفضوح مسقطة من قاموسها اي تسويق لخيار الحوار الذي بدات ترتسم ملامحه في الاونة الاخيرة مما يوفر نصيص امل في امكانية ميلاد مخرج سياسي.
ولم يكن الابراهيمي المسلح بنبل المهمة على خطأ لما حمل ومنذ اول يوم لقبوله المهمة الدبلوماسية كافة الاطراف السورية والدولية المعنية مسؤولية اي تقاعس لو ابداء لا مبالاة تجاه تداعيات الازمة وكان به يقول للمعنيين ان الحل ممكن شرط ان يساهم في صنعه وبنائه الجميع ومن ثمة تقديم كل على مستواه تنازلات خاصة وان الشعارات المرفوعة من الجميع تضع الشعب السوري ومستقبله في الصدارة لكن دون اعطائه الفرصة المواتية للتعبير عن اراداته بعيدا عن اي تاثير او ضغوط او ابتزاز.
وبالفعل لم يكن الرجل المثقل بسنوات طوال في الدبلوماسية الاطفائية مخطئا عندما افصح فور انجاز المهمة الاستكشافية الاولى على الارض عن قناعته بان الازمة من صنيع السوريين ومنهم فقط يبدا تصميم الحل محملا اياهم كل التبعات بما يضعهم على نفس درجة المسؤولية تجاه التاريخ واجيال شعبهم المرهق والمشتت واكد ان البطل من يشرع في الاحتكام للحوار الذي يمكنه ان يديره بكل شفافية ونزاهة من اجل مصلحة الشعب السوري الذي يهد اكبر من اي طموح مهما كان صاحبه.
ويبدو ان الاخضر الابراهيمي اكثر تصميما اليوم من اي وقت مضى لانجاز مهمته ليس لنفسه بلا شك كونه صاحب سجل حافل بالانجازات الدبلوماسية الكبرى وانما لفائدة الشعب السوري والامة العربية ولتكريس السياسة كاسلوب لفك الخصومات الداخلية. ولعل زيارته الاخيرة لبلده الام ولقائه مع الرئيس بوتفليقة قبل ان يلتحق بمكتب مهمته بالقاهرة مكنه من التزود بالطاقة التي تضمن دفعا لرحلته في صناعة السلام على ارض سوريا التي تستحق وضعا افضل مما عي عليه حاليا وهو امر ممكن التحقيق اذا امسك المعنيون بخيط الحل الدبلوماسي بوضع أيديهم في يد المبعوث العربي الاممي الذي يحرص على البقاء على مسافة واحدة من الإخوة الأعداء واضعا مصلحة الشعب السوري برمته وبلادهم بما فيها الجولان في صدارة الأولويات.