عرفت منطقة الساحل السنوات الأخيرة استفحالا كبيرا للجماعات الارهابية الوافدة إلى المنطقة لعدة اعتبارات، وفّرت لهذه الجماعات الإرهابية الانتشار لثغرات الأمنية وساعدتها على التواجد هشاشة المنظومة الأمنية لدول المنطقة، خاصة مالي التي كانت لديها مقاربة متراخية مع الجماعات الارهابية وصلت إلى حد يشبه معاهدة (عدم اعتداء) بين الطرفين أي الجماعات الارهابية والدولة المالية في عهد الرئيس (أمادو توماني توري) الذي تم الانقلاب عليه الثلاثي الأول من العام الماضي.
وكشف هذا الانقلاب حجم وخطورة الجماعات الارهابية التي كانت تنمو وتستفحل دون أن تثير الاهتمام، وتمكنت من إقامة تحالفات فيما بينها وجماعات تهريب السلاح والمخدرات التي وجدت في المنطقة بدورها فرصة للتواجد والنشاط.
المكان المناسـب إن اختيار الجماعات الارهابية الساحل والصحراء لم يكن من قبيل ملء الفراغ الجغرافي، ولكن لطبيعة المنطقة وخصائصها التي وجدت فيها تلك الجماعات المكان الأمثل للتواجد والنشاط.
فمنطقة الساحل الشاسعة المساحة تصل إلى 8 ملايين كلم2، ضعيفة الكثافة السكنية إن لم تكن معدومة في بعض المواضع، حيث تكاد تنعدم شروط الحياة، انعدمت معها وجود الدولة أو ما يعرف بالفراغ المؤسساتي، النابع من الضعف الهيكلي لدول المنطقة، استغلت الجماعات الارهابية هذه الوضعية المختلة والخالية من كل رموز تواجد السلطة المركزية أيقظت بالمقابل النزوح إلى الاستقلالية والانفصال بعد أن تقطعت الأوصال بينها وبين السلطة المركزية كما هو الشأن مع الحركة الوطنية لتحرير الأزواد في شمال مالي، حيث طالبت في مرحلة سابقة بدولة لها.
جماعات إرهابية متعددة الجنسيات
إذا كانت منطقة الساحل الإفريقي هي كذلك جغرافيا فإنها تختلف مع الجماعات الارهابية الناشطة بالمنطقة متعددة الجنسيات والمختلفة فيما بينها في كيفية النشاط الارهابي ودرجة العنف والدموية، وإن كانت الوسائل الأكثر اعتمادا في النشاط الارهابي هي الهجومات الانتحارية واحتجاز الرهائن كما حصل مؤخرا في مركب الغاز بتيڤنتورين عين امناس ما يعرف بالقاعدة في المغرب الاسلامي المتفرع عن تنظيم ارهابي “القاعدة الأمم” وذراعها في افريقيا والذي كان يسمى بداية من سنة 1998 “الجماعة السلفية للدعوة والقتال”، ليتحول سنة 2006 إلى مسمى القاعدة في المغرب الاسلامي بعد إعلان الرجل الثاني في تنظيم القاعدة الارهابية أيمن الظواهري الـ (جي.اس.بي.سي) كون الوحيد الذي يلتحق بالقاعدة الأم وهو تنظيم مستقل قائم بذاته.
التنظيم الارهابي الثاني وهو حركة التوحيد والجهاد في غرب افريقيا الذي تم تأسيسه سنة 2011، وهدفه تطبيق الشريعة الإسلامية في كل افريقيا، ولكن على عكس التسمية التي يحملها جغرافيا غرب افريقيا، فإنه قام بعدة عمليات في الجنوب الجزائري، حيث تبنى اختطاف رعايا أجانب في تندوف وكذا الهجوم الارهابي الانتحاري على مقر القيادة الجهوية للدرك الوطني بتمنراست، إن هذا التنظيم الارهابي وجد في الأزمة المالية الفرصة ليقوّى ويدعم صفوفه بالمزيد من المقاتلين من مالي وموريتانيا.. الخ.
ليبيا ... الإمداد والتسلّح
شكلت الأزمة الليبية بعد الانتفاضة المسلحة المدعومة من الحلف الأطلسي لإسقاط نظام معمر القذافي الذي كان يفتقر أصلا إلى المؤسسات، خاصة المؤسسة العسكرية التي كانت مجرد كتائب عسكرية فقدت الانسجام والتنسيق أكثر بعد العمليات العسكرية لحلف الناتو.
إن التحذيرات من تداعيات الحالة الليبية خلف حالة من التسيب والفوضى وجدت فيها الجماعات المتربصة والحالمة بهذه الفرصة الذهبية للحصول على الأسلحة والذخيرة، وبالفعل استطاعت الجماعات الارهابية أن تضع يدها على أسلحة متطورة وحديثة تتميز بخاصيتين رئيستين: سهولة نقلها وفعاليتها الميدانية خاصة قذائف محمولة مضادة للطائرات يرجح أنها استعلمت في اسقاط الهيلوكوبتر في بداية الحملة العسكرية الفرنسية منذ هذه الجماعات في مالي بداية السنة الجارية.
كما هو الشأن بالنسبة للجماعة الارهابية متعددة الجنسيات التي نفذت الاعتداء على المركب الغازي بتڤنتورين بعين أمناس والني تبين فيما بعد مدى تسلح هذه الجماعة اثباتا لدور الأزمة الليبية في تسليح وإمداد هذه الجماعات.
إن الحرب الدائرة رحاها في مالي، ما هي إلا بداية لمسلسل طويل ستعرفه المنطقة مستقبلا في مواجهة الارهاب الدولي ستدفع ثمنه بالتأكيد دول المنطقة، ولكن الأكيد أن هناك موجة اجماع دولي على إدانة ومكافحة الارهاب، خاصة بعد حادثة تيڤنتورين التي عززت هذا الاجماع الدولي.