يواصل الاخوة الأعداء في سوريا الاقتتال الدموي وكأنّهم عقدوا العزم على إحراق درّة الشام في ظل رفض أي من الطرفين الجلوس معا حول طاولة الحوار المباشر بدون شروط مسبقة، والقبول باتّفاق جنيف الدولي الذي يضع الأطراف السورية والدول المعنية تتقدّمها الدول العربية أمام مسؤولياتها تجاه الشعب السوري والمجتمع الدولي، الذي ينقسم على نفسه بالنظر للمصالح الجيواستراتيجية لكل دولة من كبار العالم ومدى ارتباطها بالوضع في الشرق الأوسط، وخاصة مدى السيطرة والتحكم في مصادر الطاقة والصلة بالكيان الصهيوني الذي يغذي كافة ما أوتي من قوة الفتنة في سوريا والضغط بأساليبه ومن خلال حلفائه لتوجيهها نحو أهدافه الحيوية والمصيرية.
وفي الوقت الذي يبقى فيه الوضع في بلاد الشام على مستوى عنق الزجاجة، فلا هو استقر لتهدأ النفوس وتتّضح الرؤية وتحسم المسألة بالطريقة السياسية عبر الانتخابات، ولا انتهى حيث يريد خصوم الدولة ليبقى الشعب السوري تحت وطأة الأمر الواقع مثلما تفرضه لغة السلاح التي تأبى أن تتوقّف أمام تخندق القوى الدولية الكبرى المعنية بالأمر وراء حسابات فيها قدر كبير من الأنانية، بينما من يوصفون بالمعارضة المسلّحة تعتقد أنّها الجهة الوحيدة المؤهّلة للحديث باسم الشعب السوري التواق للهدوء واسترجاع الطمانينة بما يوفّر للمواطن العادي حرية التعبير عن خياراته في ظل إطلاق مسار الاصلاحات بدون إقصاء ولا تهميش أي طرف مع إجماع وطني على نبذ العنف بكافة أشكاله.
وبالرغم من تعقيدات الأزمة لا يزال للمبعوث العربي الأممي الدبلوماسي الجوائري دور يمكن أن يؤدّيه لو تساهم مختلف الأطراف خاصة العربية في توفير مناخ للتهدئة مما يجذب الاخوة الأعداء إلى مساحة الاحتكام للحوار السياسي المفتوح بضمانات الدول الكبيرة بما يسمح بتطهير صفوف المعارضة، ومن ثمة عزل القوى التي تحترف العنف المسلح موظفة موجة ما يسمى بالربيع العربي، الذي لم يقدم إلى اليوم سوى نماذج فاشلة في العمق أنتجت دوامة القلاقل والاضطرابات كما هو الحال في عدد من البلدان العربية، التي تئنّ تحت وطأة ذلك الانتقال القسري لنظام الحكم بعيدا عن تمكين الغالبية من الاختيار في ظل مناخ هادئ يمنع تسلل قوى تعرف كيف تراقب التطورات لتسرق الارادة الشعبية مستثمرة بشكل قوي في مواطن ضعف أنظمة دخلت في انسداد أدّى إلى الانفجار.
هل الشعب السوري هو من يحق له الحسم في أزمته أم القوى المؤثّرة بحكم الجوار أو النفوذ العسكري أو المالي هي من تفصل في شكل الخيار المستقبلي؟ وماذا لو يعاد توجيه التجنيد الدولي حول ما يعرف بأصدقاء سوريا لجمع المال والسلاح باتجاه السعي لجمع الفرقاء حول المبادرة الدبلوماسية التي لا تعني بالضرورة تأييد هذا الطرف أو ذاك، وإنما منع استفراد طرف بإرادة الجميع ومنع تحويل العنف المسلح إلى آلية للتعبير، والوصول إلى السلطة التي تعمي الأبصار فزادها عمي الأضواء الاعلامية المغشوشة التي تبثّها قنوات تحوّلت إلى أداوت للحرب وقد أطفات أضواءها على مناطق أخرى عاثت فيها فسادا إعلاميا في السابق بعد أن انتهت مهمة الاطاحة بأنظمة شقّت عصا الطاعة لكبار العالم على ما في الأمر من معطيات مقبولة في الظاهر ومغلوطة في الباطن.
ومن الموضوعية بما كان التوقف عند الموقف الروسي من الأزمة السورية ليس لنصرة شخص أو نظام حكم بقدر ما يعني كسر توجه مغالط تحت شعار ربيع ليس عربيا من حيث المدبّرين والمخطّطين وإن كان كذلك من حيث أنه مسرح لعنف أعمى يأتي على الأخضر واليابس فيحرق الظالم والمظلوم في نهاية الأمر.