تضع الحرب الدائرة في مالي الدول المعنية أمام مسؤولياتها تجاه هذا البلد بالعمل أكثر على مسار تشجيع استئناف الحوار الداخلي بين الفرقاء لإيجاد أرضية على أساس الوحدة الترابية وانخراط كافة الأطراف في عملية سياسية ديمقراطية تضمن مشاركة عادلة ومتوازنة في إدارة شؤون الحكم مع التدقيق في مكافحة الإرهاب دونما الانزلاق إلى تغذية حرب أهلية بدأت بوادرها تظهر استنادا لما تناقلته وسائل إعلام من حدوث أعمال قتل إما للشبهة أو الانتقام في مجتمع متداخل ويعاني من أمر واقع مفروض عليه.
بلا شك الغاية ليست الحرب بحد ذاتها بقدر ما هي العمل لكسر شوكة جماعات إرهابية ملأت فراغا قبل أشهر في ضوء حدوث انقلاب عسكري غامض أنتج وضعا غير سليم في بلد شديد الحاجة لإدراك عجلة التنمية التي يمكنها أن تحتضن الجميع بالرجوع إلى معايير الحكم الحديث القائم على الشراكة والعدالة الاجتماعية.
وبإطلاق مبادرات للتنمية البشرية من خلال تحويل جانب من عائدات الموارد الطبيعية التي تستغلها كبريات الشركات العالمية وإشاعة الحريات العامة دون المساس بالهوية الأصلية للسكان يمكن تشجيع مسار الحل الديمقراطي السياسي.
خارج إجماع الدول على أن لا هوادة في مكافحة الإرهاب فانه على ما يبدو هناك جهات في الأطراف المتدخلة تتحرك بغريزة القوة التي تحمل مهمة تأديبية لمن كسر عصا طاعة الكبار وعينها مركزة على أهداف إستراتيجية سياسية واقتصادية بشكل مباشر خاصة في عز الأزمة المالية العالمية التي ترشح أكثر من بلد صناعية بامتياز للسقوط على شاكلة ما يحصل لليونان وهو خطر لا تقبله تلك الدول.
في خضم الانتشار العسكري بكل ما ينجر عنه من انعكاسات قد تتعدى إطار المهمة المعلنة لمطاردة الجماعات الإرهابية يبدو من المهم جدا إشراك السكان في صناعة خيارهم للمستقبل بعيدا عن أي طبخة جاهزة آو فرض مشاريع تتجاوز طموحاتهم لحساب طموحات قوى كبرى.
بالنظر إلى التكلفة المالية التي يتطلبها المجهود العسكري في الوضع القائم حاليا في مالي يمكن توقع مدى النتائج المرجوة لو توجه كل تلك الموارد المالية للاستثمار الفلاحي علما وان مجموعة دول غرب إفريقيا “ايكواس” تطالب بتمويل يقدر ب500 مليون دولار كتقدير أولي وذلك عشية مؤتمر المانحين المقرر في 29 جانفي الجاري. وتقدر القوة الإفريقية ب5800 رجل ومن المقرر أن تبدأ في الانتشار بألفي رجل في 26 جانفي. وللإشارة أعلنت ثماني دول افريقية تتقدمها نيجيريا المشاركة في القوة الإفريقية التي ينتظر أن تؤدي مهمتها بذهنية افريقية وليس مجرد قوة أمنية.
وفي هذا الإطار من المفيد معالجة المسالة الراهنة في مالي وتداعياتها التي لا يمكن الإغفال عنها لما في الساحة من أطراف وجماعات تدفع إلى تنمية الظاهرة الإرهابية من اجل إشاعة الفوضى وحالة اللاامن بما يهدد المصالح الإستراتيجية للدول المستقرة التي أخذت على عاتقها الاندماج في التوجه الجديد لإفريقيا وبالذات الطموح لإرساء الحكم الرشيد وتعزيز الأمن بمفهومه الشامل وفي الصدارة الأمن الغذائي والتنمية الاجتماعية في ظل الوحدة الترابية وانسجام الشعوب التي ينبغي أن تخرج من دوامة القبلية القاتلة للمواطنة.
تحدي إرساء الحكم الرشيد القائم على الشراكة والعدالة
سعيد بن عياد
شوهد:1250 مرة