استبشر المراقبون خيرا بالإتفاق الذي توصلت إلى إبرامه الجبهة الوطنية لتحرير الأزواد وحركة أنصار الدين، يوم الجمعة 21 ديسمبر 2012، بالجزائر، وقد اعتبروه خطوة جدية في الاتجاه الصحيح، لتهدئة الوضع المتأزم في شمال مالي، والسعي إلى إيجاد حل عملي يكفل الحفاظ على وحدة هذا البلد المجاور، دولة وشعبا وترابا.فإذا حظي هذا الاتفاق بالدعم اللازم والقوي من قبل حكومة باماكوا، أولا ثم أطراف النزاع الأخرى والوسطاء الأفارقة (مجموعة “الإكواس”) وكذلك المجتمع الدولي، فمن البديهي أن تؤدي نتائجه إلى تفادي تدخل عسكري من شأنه أن يكون وبالا على مالي وبلدان عديدة من الساحل الافريقي، لما يتوقع منه من انتهاكات وتصفيات ينفذها أكثر من ثلاثة آلاف عسكري قادمين من بلدان غرب افريقيا الأعضاء في منظمة “الإيكواس” (سيدياو).
ذلك أن الاتفاق ينص، في بنوده الثمانية خاصة، على تهدئة الأوضاع في شمال مالي والتركيز على نهج التفاوض مع الحكومة المركزية في باماكو، على أساس صيانة الوحدة الوطنية للشعب المالي وعدم المساس بحرمته الترابية، ثم توحيد الجهود لمواجهة الجماعات الارهابية ومهربي المخدرات والعمل على الحصول على تحرير الرهائن الأجانب في المنطقة.
وهذه البنود، إذ طبقت، سوف تفرز مسعى جدي لتسوية الأزمة القائمة والتي لن تجد طريقا للتجسيد سوى بتغليب لغة الحوار والتفاوض بين الأطراف المتنازعة وتجنب صبّ الزيت على النار.
ومن البديهي، أن يستنكر ممثلو جبهة الأزواد وحركة أنصار الدين القرار الصادر عن مجلس الأمن الأممي والداعي إلى إرسال قوة شمال عسكرية إلى مالي “بقيادة افريقية” وهو قرار يكتنفه الغموض، لكونه لم يحدد تشكيلة هذه القوة العسكرية ومصدر أو مصادر عناصرها وهل لهذه الأخيرة أن تقوم بمهام قتالية وضد من؟ وكيف سيتم تمويلها؟.
ومثل هذه التساؤلات موضوعية، خاصة عندما نعرف أن جيوش بلدان غرب افريقيا لا تتمتع بأية كفاءة قتالية وهي تفتقر للتدريبات الأساسية والضرورية لتكوين أي جيش وهو ما تقرّ به علنا، المصادر المختصة الفرنسية والأمريكية التي لم تخف استياءها من تميّع القيادات العسكرية في مالي وجاراتها في غرب افريقيا، مؤكدة ضرورة إخضاع القوة العكسرية المحتمل تشكيلها من ثلاثة آلاف جندي من بلدان “الإيكواس” للتدريبات العسكرية الجدية، الأمر الذي يتطلب عاما، على الأقل، لتصبح هذه القوة ميدانية وقادرة على القتال ومواجهة الجماعات الإرهابية في شمال مالي.
وذهبت بعض المصادر إلى احتمال اللجوء إلى توظيف قوات عسكرية من التشاد، البلد غير العضو في »الإيكواس«، علما بأن الجيش التشادي هو الوحيد الذي يملك، في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء، كفاءة وقدرات قتالية حقيقية وقوة نيران معتبرة، من الممكن أن تسمح بمواجهة الجماعات الارهابية التي لا يخفى أن جل عناصرها شاركوا في حروب أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا، حاليا.
كما لا تخفى خطورة تدخل مثل هذه القوات، سواء من التشاد أو من البلدان الأخرى من غرب افريقيا، لما يمكن أن ينجرّ عنه من تصفية حسابات قديمة وربما التصفية العرقية لإبادة الطوارق في مالي وهو ما سيكون بالتأكيد، كارثة حقيقية في هذا البلد المجاور، لأن كثيرا من المراقبين يعتقدون، فعلا، أن الجماعات الارهابية سوف تتبخّر في المناطق الصحراوية، لتفادي مواجهة الطوابير العسكرية المتدخلة التي لن تجد أمامها، في الواقع سوى المدنيين الذين يغلب عليهم الأطفال والنساء فاليوم، تجد حكومة باماكو نفسها أمام خيارين: التدخل العسكري الأجنبي الداعم زعما للجيش المالي وخيار التفاوض.
ومن البديهي أن الخيار الثاني هو الأسلم لمالي ولشعبها وللوحدة الوطنية والترابية، وهو ما سوف يمكّن من تعزيز الجبهة الداخلية في البلاد والتوجه جديا وجماعيا لتطهير تومبوكتو وموبتي وغاو من الجماعات الارهابية ومهربي المخدرات، ثم التوجه إلى تسوية المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لسكان شمال البلاد، وهوما سمعى إلى تجسيده الوسطاء الجزائريون، بموجب الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه، قبل أكثر من عشرين سنة بين الجبهة الوطنية لتحرير الأزواد وحكومة باماكو والذي أجهضته الممارسات اللامسؤولية لحكام باماكو، من موسى طراوري إلى عمر ألفا كوناري وأحم و توماني توري الذين يلتزمون الصمت المطبق، الآن، عن فترات حكمهم المتميز بالتسيب وانتهاج سياسة “فرق تسد” وعزل المواطنين الطوارق الذين ما كانوا يطلبون سوى حقهم المشروع في الاستفادة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كباقي سكان مالي.
فهل ستستخلص حكومة باماكو الجديدة الدروس والعبرة من التجارب السلبية التي عصفت بالبلاد أوتكاد، وبالتالي لتعمل على حماية بلدها؟
ومهما يكن، فإن القرار الجديد لمجلس الأمن فتح نافذة صغيرة بالدعوة إلى الحوار وإيجاد تسوية، قبل التوجه نحو الخيار العسكري.
يعزز الحل السياسي لازمة مالي
اتفاق أزواد ـ أنصار الدين يكسّر مجاذف دعاة الخيار العسكري
محمد العربي
شوهد:1735 مرة