إنتقلت عدوى التمويل السياسي ضد الجزائر إلى الملك محمد السادس، بعد الأزمات النفسية التي أصابت كل من عبد الإله بن كيران وصلاح الدين مزوار وشلة من النواب، فيما أسموه بمحادثة الحدود الوهمية.
كل ما لم يقله هؤلاء وتوقفوا عنده أكمله “جلالته” في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الـ ٣٩ لمسيرة “العار” وهذا بتحميل الجزائر ما لا طاقة لها به في ملف يوجد تحت مسؤولية الأمم المتحدة، ألا وهو ملف الصحراء الغربية.
هذا الخطاب للأسف يجب أن يدرج في طي النسيان كونه حمل مغالطات سياسية لا تغتفر “ توجهت قسرا إلى محاولة إلغاء شعب بأكمله يناضل من أجل استرجاع سيادته المغتصبة، وكذلك القفز فوق الشرعية الدولية وفي مقابل ذلك فرض الأطروحة المغربية بالقوة على المجتمع الدولي في مواصلة احتلال هذا الجزء الغالي على الشعب الصحراوي والسعي لإبعاد الأطراف الفاعلة التي تعمل بكل صدق من أجل إيجاد تسوية عادلة ترفع الغبن عن الصحراويين.
الكل يعرف الظروف السياسية التي رافقت غزوا الصحراء الغربية في منتصف السبعينات، ومن ساعد هذا البلد على إرسال جحافل من الأشخاص في حالات يرثى لها، حاملين معهم لوازمهم، لاحتلال الصحراء الغربية والبقاء هناك دون الرجوع إلى مسقط رأسهم، تبع ذلك إعتداءات وحشية على الشعب الصحراوي من تقتيل همجي ونفي بالحديد والنار. وقد حذّرت الأمم المتحدة والده آنذاك بعدم دخول هذه الأراضي، وإلغاء المسيرة إلا أن جنون العظمة كان أقوى وتجاوز الحدود باتجاه مغامرة كلفته غاليا.
الطلائع الأولى للمقاتلين الصحراويين أعطت درسا لا ينسى آنذاك للمغاربة بتكبيدهم خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، كانوا يسلمون أنفسهم بالآلاف للصحراويين حتى لا يورطوا أنفسهم في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
بعد ٣٩ سنة من الاحتلال، نسي الإبن بأنه كانت هناك مقاومة صحراوية شرسة من أجل طرد قوات بلده آنذاك، هذا العنصر الحيوي في معادلة الصحراء الغربية أسقطها محمد السادس من خطابه، معتقدا أن هذا الشعب لم يقدم التضحيات الجسام من خيرة أبنائه منهم مصطفى الوالي، والقائمة طويلة لشهداء الجمهورية العربية الصحراوية.
فقضية الصحراء الغربية ليست قضية وجود كما ورد في الخطاب، بل هي مسألة تصفية استعمار في القارة والأكثر من هذا ليس هناك من الدول من يعترف بسيادة هذا البلد على هذا الجزء، الذي يوجد تحت سيطرة قوات الإحتلال المغربية.
ومن الخطأ الفادح أن يهلل الملك، لمؤشرات التنمية بالمناطق المحتلة على أنها شهدت تحولاّ. هذا الكلام لا أساس له من الصحة، لأن كل ما يدعيه تم بالثروات المنهوبة. للشعب الصحراوي من فوسفات ومناجم أخرى زيادة على الموارد الصيدية الهائلة التي يصدّرها إلى جهات أخرى لم يصرف المغاربة ملّيما من جيبهم. وإنما انتهجوا سياسة سرقة ما يوجد في باطن الأراضي الصحراوية المغتصبة، وبيعها في الأسواق العالمية ناهيك عن إيهام بعض الشركات البترولية الأجنبية بالتنقيب عن النفط والكثير منها تراجعت مؤخرا بعد أن علمت بأنها أراضي محتلة، واحترمت كل النداءات الصادرة من أجل توقيف نشاطاتها.
ويعترف الملك محمد السادس في هذا الخطاب بوجود “نزاع” في المنطقة و«ليس لديه عقدة في التفاوض المباشر” وهذا ما يتناقض تماما مع قوله” أن مبادرة الحكم الذاتي هي أقصى ما يمكن أن يقدمه المغرب” والمفاوضات بين جبهة البوليزاريو والمغرب لم تكن في يوم من الأيام حول ما أسماه بـ«الحكم الذاتي” وإنما تمت حول مبدأ “تقرير مصير الشعب الصحراوي” سواء في “مانهاست” أو غيرها، وكل هذه الإتصالات نسفها المغرب عمدا، بشهادة بيكر والشخصيات التي حضرت هذه اللقاءات، محمّلة إياه كل ما يحدث من تهرب إلى الأمام والقفز بالمجهول، ورفض إيجاد الحل المناسب الذي تأمله المجموعة الدولية التواقة إلى رؤية الصحراويين يتمتعون بكل حقوقهم السياسية.
ولا يمكن أبدا أن يكون “الحكم الذاتي” قاعدة ومرجعية للتفاوض، لأنها صيغة تكرس الإحتلال ولا يقبل بها أحد من الأطراف المعنية، كما تعد مفهوما استعماريا بحتا يندرج في إطار ما يعرف بـ “الحماية” و«الإنتداب” ولا يسمح لأي كان أن يفرضه بالقوة في مسار التسوية الأممية الحالية ولا يعقل أن يكون محل مفاوضات أبدا، لأن المغاربة يريدون طي هذا الملف وغلقه نهائيا على مستواهم فقط في حين أن الأمم المتحدة عازمة كل العزم، وأكثر من أي وقت مضى على إيجاد الحل المأمول وفق الشرعية الدولية واللوائح الصادرة في هذا الشأن.
ويسجل الملاحظون بأسف شديد “اللاءات” المستعملة، وكذلك سياسية “نعم..لكن” بخصوص كل ما يتعلق بقضية الشعب الصحراوي والحديث عن الصحراويين بأنهم “مغاربة”، فمن إذن أولائك الذين جُلس معهم في مواقع دولية للتفاوض ؟ إنها فعلا محاولات بائسة لتغليط الرأي العام العالمي، التشبث بمواقف هشة تفضحها يوميا الأمم المتحدة التي دعت مباشرة عقب الخطاب إلى تحرك روس من أجل إبطال كل هذه الأراجيف، والحفاظ على سلامة مسار الحل المتفق عليه مع كل الأطراف المعنية ومواصلة العمل وفق الخطة المرسومة أمميا.
ونتساءل بعد كل تلك المغالطات السياسية عن القصد من “أن المغرب مستعد للتعاون مع كل الأطراف للبحث عن حل “ عن أي حل يتحدث هذا البلد، هل يريد أن يمرر أطروحاته الكاذبة بمثل هذا المنطق الذي ليس له صلة بالمواثيق الدولية التي تقر حق الشعب الحصراوي في تقرير مصيره وفق القرار التاريخي ١٤ / ١٥ ومهما حاولوا التمادي في هذا التعصب فإن إرادة الشعوب لا تقهر.