داعش واستراتيجية فتح جبهات حربية في كل بلد

زعزعة استقرار الدول وتغيير المشهدين السياسي والعسكري

جمال أوكيلي

داعش في العراق .. داعش في سوريا.. داعش في لبنان، من هؤلاء المجموعات المدجّجة بالأسلحة الفتاكة؟ في وقت قياسي أخذوا الموصل وزعزعوا استقرار السكان الآمنين بعرسال.. ودخلوا عمق عين العرب “كوباني” المتاخمة لحدود تركيا والبقية تأتي.
هذه الإستراتيجية لهذا التنظيم واضحة كل الوضوح. تعتمد على فتح جبهات حربية في جميع البلدان التي يطأ قدميه فيها، لإعطاء الإنطباع السياسي العام بأن التسمية تنطبق على المسمى أي أنه بصدد النشاط في أراضي العراق والشام، وهذا مجاله الحيوي الذي تأسّس على إثره.. في هذه المنطقة التي تحولت إلى فضاء لنزاع حاد يتطلب حقا قراءة متفحّصة وعميقة.
فمن أين استمد “داعش” كل هذه القوة.. عفوا هذه القدرة في احتلال أراضي الغير، وتهجير أهاليها منها؟ سؤال يطرح بإلحاح من قبل المتتبعين أقلق الكثير من قادة هذا العالم الذين تفاجأ ولهذا الطوفان في هذه المنطقة الحساسية إلى درجة أنهم اعتقدوا بأن الضربات الجوية كافية لتوقيف زحفه، في حين أبلغهم أردوغان بأن الحل الوحيد هو المواجهة البرية.. نفس الشئ رآه الأمريكيون فيما بعد، وهذا ما يؤكد صراحة بأن ما يعرف بالتحالف فشل فشلا ذريعا في تحقيق الأهداف التي جاء من أجلها عندما اختلطت عليه الأوراق كلية، يقصف في العراق وقوافل السيارات التابعة لهذا التنظيم توجد على الحدود السورية ـ التركية بمنطقة عين العرب “كوباني” للإستيلاء عليها وضمّها إلى قائمة ما احتلّه بالحديد والنار.
حتى الدولة المركزية في العراق مشمئزة من مواصلة العمل العسكري على أراضيها من قبل طائرات الدول الأجنبية التي تعتقد بأنها قادرة من السماء حسم المعركة في الميدان.
هذا خطأ لأن ضرب أهداف “داعش” لا يتعدى إلحاق به الضرر فقط، دون المساس بأشياء أكبر من ذلك ألا وهو تواجده وانتشاره في كل هذه المساحة، والكثير من الملاحظين تساءلوا عن الخلفيات الكامنة وراء قصف المدن السورية بقولهم هل صحيح أنها مواقع لهذا التنظيم؟ وهذا بعد تراجع الأمريكيين من حين لآخر في الإبقاء على موقف واحد والتكيف مع كل جديد على الساحة.. ونعني بذلك عدم تحمسهم في الإستمرار على السير وفق المطالبة الخارجية بسحق هذا التنظيم بعد أن تبين لهم بأنه بالإمكان إحلال طرف آخر محلهم في التصدي لهم.. قد يكون العنصر الجديد تركيا بعد الإعتذارات الأمريكية لموقف هذا البلد تجاه هذا التنظيم.
وتركيا لا تدخل أبدا هذه الدائرة مجانا أو من أجل عيون أمريكا أو الغرب وإنما الوقوف بقوة في هذه الأحداث من باب فرض النفس والحصول على ضمانات سياسية في وضع ضوابط للتحرك الكردي في المنطقة وهذا بعدم إقتحامهم في العناوين الكبرى والمشاريع المزمع القيام بها تجاه “داعش” والإكتفاء بالتعامل مع تركيا فقط دون طرف آخر.. وكذلك التخلي عن إنشاء الدولة الكردية التي بدأت ملامحها تظهر للعيان كإشراك الأكراد في صناعة قرار هذه الجهة، الإهتمام الغربي المتزايد كان آخرها انتقال مسؤولين ألمان كبار إلى إربيل والتعامل مع هؤلاء على أساس ما يحن إليه الأوروبيون وهو ما يعرف بحماية الأقليات.
المسؤولون الأتراك لن يقبلون بهذا الصعود للأكراد إذا أريد لهم أن يضعوا حدّا لتقدّم “داعش”.
هذه الخيارات السياسية التركية مطروحة اليوم بقوة أمام الغرب، ومن الصعوبة بمكان الحسم فيها من قبل هؤلاء كونها مندرجة في حسابات أجندتهم وأوراق في أيديهم.. ويفضلون أن تكون الأولوية لمحاربة “داعش” أما ما تبقى فيمكن مناقشة في هذه الأثناء فإنه عمليا يسجل نزاع كبير واختلاف بائن حول كيفية تسيير الأوضاع في هذه المنطقة بين الفاعلين هناك وهذا ما يؤكد بأن المبادرة لم تسحب من “داعش” ونعني بذلك عدم القدرة على إنهاك قواه وتوقيفه عن الإستيلاء على مدن وقرى أخرى سواء في سوريا أو العراق، بالرغم من قول البعض بأنهم يريدون ضرب إمدادات هذا التنظيم إن كان الأمر كذلك كيف وصلوا إلى “عين العرب” أو “كوباني” دون أي مقاومة تذكر!؟ ومن أين يأتيهم كل ذلك العتاد اللوجيستي خاصة الوقود؟
إنما حقا الأسئلة التي لا تنتهي في خضم كل هذا الخلط المقصود.. لاستبدال المشهد بين السياسي والعسكري وقف رؤية معدة مسبقا ترمي إلى مزيد من تعفين للوضع خاصة في سوريا على لاستمرار الحالة التي يرفضها الأمريكيون والغرب، ويفرضها الروس ومن سار على دربه، وهذا الواقع الجديد في تبلور متواصل مؤشراته تلوح في الأفق وهو إخراج سوريا من دائرة حركية الصراع، وهذا من خلال عزل دمشق عن الولوج في أي مخطط يتوجه لهذا الغرض عن طريق إيلاء العناية أكثر لـ “داعش” وما يقوم به بدلا من الحديث عن الجيش العربي السوري رفقة عناصر حزب الله المتواجدين في الميدان على أن مستوى النزاع الحاد يتجاوز بكثير ما يقع في رقعة جغرافية معينة وإنما قفز عنه بخطوات عملاقة هذا هو الرهان في الوقت الحاضر.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024