السياسة الخارجية في مخطط عمل الحكومة

مبادىء ثابتة .. ونظرة دقيقة

جمال أوكيلي

حدّد مخطّط عمل الحكومة القاضي بتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية ٢٠١٥ - ٢٠١٩ بدقة المحاور الكبرى لنشاط السياسة الخارجية للجزائر، على ضوء الأولويات الواجب أن تخصّص لتلك الملفات الإستراتيجية كتدعيم مسعى حسن الجوار مع بلدان الساحل، وتعزيز مبادرة التّجديد الإفريقي، ومكافحة الإرهاب، وحق الشعوب في استعمال التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية.

هذه النّظرة الدقيقة للتحرك الجزائري في غضون الآفاق القادمة تابع من قناعتها العميقة بأنّه لابديل عن إيلاء المزيد من العناية اللازمة لقضايا شائكة ومسائل حسّاسة قائمة على حدودنا، وهذا بمنطق حضاري ألا وهو تمتين أواصر العلاقات الثنائية مع كل البلدان التي لها حدود مع الجزائر، وهذا وفق ما هو متعارف عليه بحسن الجوار، وهذا الخيار السياسي ليس جامدا أو خطابا وإنما يندرج ضمن رؤية بعيدة المدى لها صلة قوية بتلك الأبعاد التنموية، على أن ّالحددود عبارة عن جسور تواصل بين شعوب بالمنطقة، وبالإمكان أن تكون فضاءً البعث مشاريع اقتصادية واعدة تبعد المنطقة عن كل أشكال الأعمال العدائية من قبل أناس همّهم إلحاق الأذى بالشّعوب الآمنة التواقة في العيش الكريم. وهذه المقاربة أي ترقية هذه البلدان تنمويا هو الشّغل الشّاغل للجزائر في الوقت الراهن لإبعاد كل شبح الحروب التي تقف من ورائها البعض من الأطراف اعتادت الاصطياد في المياه العكرة، والعمل في محيط ملوث أرادته هكذا أن يكون لإلهاء أصحاب النّوايا الحسنة في اتباع سياسة حسن الجوار والتنمية، وهذا ريثما تستتب الأوضاع الأمنية وتعود المياه إلى مجراها الطبيعي، حتى وإن كانت هذه المهمة صعبة في الوقت الراهن إلاّ أنّ الإرادة السياسية متوفّرة بقوة من أجل الإبقاء على هذه القناعة، وعدم الخضوع لهذه المساومات والإبتزازات لجماعات إجرامية جاء بها ما يسمى بالرّبيع العربي لضرب استقرار الشّعوب وتدمير الدولة المركزية.
وهذا التّرتيب المحكم للسياسة الخارجية للجزائر يفرض نفسه فرضا بحكم الفراغ المؤسساتي في الكثير من الدول نجم عنه بروز عناصر جديدة حلّت محل الدولة المركزية، وهو الحال في ليبيا الميليشيات المسلّحة ترفض عودة النّظام الوطني لتسيير الشؤؤن العامة للبلاد، ممّا أدّى إلى كل هذه الفوضى، فبعد الثورة تأتي دائما الدّولة بمؤسّساتها وهياكلها، في حين استطاعت مالي أن تتحدّى كل الصّعاب للخروج من تلك الفجوة، وتعمل على جمع شمل كل الفرقاء وإنهاء الأعمال المسلّحة في الشّمال. وبالتوازي مع ذلك فإنّ هناك دولا تتمتّع بالاستقرار كالنيجر وموريتانيا، في الوقت الذي تشنّ فيه تونس حربا ضروسا على الإرهاب توّجت بالعديد من الإيجابيات.
هذا هو المشهد الحالي على مستوى هذه المنطقة، والإنطباع العام هو أنّ هناك مساحات واسعة قصد التّفكير الجاد في آفاق غير التي يريد البعض فرضها بقوّة السّلاح، ومآل كل هولاء الإنهيار التّام والزّوال.
هذا الانشغال الجزائري يحمل أكثر من دلالة كونه حذّر كل المتدخّلين في المنطقة من مغبة التمادي في زعزعة استقرار شعوب المنطقة، لأنّ الفراغ المتولّد عن مثل هذه الأفعال تسدّه الميليشيات والجماعات الإرهابية التي حوّلت المنطقة إلى سوق للإتجار بالأسلحة وتهريبها إلى بعض البلدان، وكل من ساهم في هذا العمل من البلدان الغربية انسحب تاركا الأمر لأهله، لا ديمقراطية ولا هم يحزنون.
غير أنّ التفهم الذي بدأت بوادره تظهر هنا وهناك قد يسمح بوجود على الأقل إجماع لقلب أطراف المعادلة لصالح تحكّم الدولة المركزية بدلا هذه الجماعات.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024