تأخّر تعيين مبعوث أممي يفتح المجال للتخمين بتعمّد هذا الفراغ
يعود الدكتور طارق رداف أستاذ العلوم السياسية بجامعة العربي بن مهيدي بأم البواقي ليقف عند التطورات الخطيرة التي تشهدها ليبيا بفعل اشتداد الاقتتال بين الإخوة الفرقاء بدفع من قوى خارجية تتولى إطالة أمد الصراع و إفشال كلّ جهود التسوية لتحقيق مكاسب خاصة .
و يري أن الأزمة الليبية لا يمكن حلّها إلا بالضغط على أطراف الصراع الحقيقيين الذين يعرقلون حتى تعيين مبعوث أممي جديد ، ويتوقّع أن تتحرك الدبلوماسية الجزائرية في الفترة القادمة بشكل أكثر نشاطاً من أجل تحريك عجلة العملية السياسية المتعثرة .
- «الشعب» ما هي قراءكم للمشهد الليبي على ضوء ما يشهده من تصعيد وهل نحن فعلا أمام تكرار النموذج السوري ؟
الدكتور طارق رداف : لاتبدو مشاهد النزاع في ليبيا مطابقة كلياً للحالة السورية، لكن ذلك لا يجعل منها أفضل حالاً ، فالوضع في ليبيا ورغم اختلاف طبيعة اللاعبين، وتركيز الصراع بين فريقين اثنين عكس الحالة السورية، إلا أنه يُمكن ملاحظة عدد من أوجه التقاطع بين الحالتين الليبية والسورية. يظهر هذا التقاطع في الطبيعة الصفرية للنزاع، حيث يرفض كل من حفتر وحكومة الوفاق، بأقل من الحسم الكلي للمواجهة العسكرية لصالحه، وهو ما يؤجل احتمالات التسوية، كما أنه يُفرغ أية جهود دولية من محتواها. وقد نتج عن ذلك فتور حماس أية أطراف خارجية تسعى لإيجاد حل دائم للصراع بين المعسكرين، وبالتالي فقد تم إطلاق أيدي الأطراف الداخلية وحلفائهم الخارجيين لتصعيد المواجهة إلى مستويات خطيرة. كما تتقاطع الحالتين الليبية والسورية في عدم امتلاك الأطراف الداخليين لزمام المبادرة، والتي جعلت من القوى الخارجية هي المتحكم الرئيسي فيما يحدث في الداخل الليبي.
- قوات الوفاق استعادت زمام المبادرة ميدانيا وألحقت هزائم متتالية بقوات حفتر ،فما الذي ستحدثه انتصارات عملية «بركان الغضب» من فارق في الأزمة الليبية؟
رغم أهمية الانتصارات العسكرية التي حققتها رسمياً قوات حكومة الوفاق، إلا أن ذلك لا يجب أن يدفعنا إلى تجاهل جزئية أساسية، وهي أن هذه الانتصارات قد سبقتها انتصارات أخرى حققتها قوات خليفة حفتر، والتي هددت مواقع حكومة الوفاق حتى في طرابلس. وأقصد من هذا أن الانتصارات في ليبيا تبدو ظرفية وليست حاسمة، حيث يتبادل طرفا الصراع المباشرين مواقع النصر والهزيمة بشكل دوري، قد يرتبط هذا برد فعل الحلفاء الخارجيين. كما أن الانتصارات التي حققتها قوات حكومة الوفاق، لم يكن ممكنا تحقيقها دون المشاركة المباشرة للقوات التركية، التي تولت تحقيق المكاسب الميدانية أهمها الاستيلاء على قاعدة الوطية. والإشارة إلى الدور المحوري للقوات التركية في هذا الصدد، لا يُقصد به التقليل من قيمة النصر العسكري للوفاق، بل على الأصح كإشارة إلى ردة فعل المعسكر المضاد، بتعبير أدق الدول العربية الإقليمية الداعمة لحفتر ، والتي قد تعمل على محو آثار الهزيمة التي لحقت بحليفها، وبالتالي استغلال تركيا لهذا الحدث في مواقع أخرى من الحرب الباردة التي تدور بينها وبين الدول سابقة الذكر. كما أن عمليات «بركان الغضب» قد تناقص زخمها بعد الاستيلاء على قاعدة الوطية ومناطق أخرى في أطراف مدينة طرابلس، هذه العوامل تجعلني لا أشاطر الذين توقعوا هزيمة سريعة لحفتر في الأيام القادمة، وعلى العكس من ذلك أظن أن الصراع سيستمر، وقد نشهد في المرحلة القادمة هجوما معاكساً لقوات حفتر، يهدف إلى استرجاع المناطق التي انسحبت منها، أو على الأقل البرهنة على أن الهزيمة التي لحقت بها لا تعني حسم الصراع في ليبيا.
- يبدو جليا أن فرقاء ليبيا يخوضون حربا بالوكالة عن أطراف خارجية كثيرة تتصارع على الكعكة الليبية، ما تعليقكم؟
لقد سبق لي الحديث على صفحات جريدتكم، وقد كررت مراراً أن الحرب في ليبيا، انتقلت من كونها مواجهة عسكرية بين أطراف داخلية، إلى حرب بالوكالة ينوب فيها الليبيون (أي حفتر وحكومة الوفاق)، عن أطراف خارجية، تتولى إطالة أمد الصراع دون المخاطرة بمواجهة عسكرية مباشرة فيما بينها.
- في ظل صخب السلاح يتراجع صوت السلام وتتضاءل فرص إعادة إطلاق العملية السياسية، فهل سيكتفي العالم بالتفرج على الوضع الليبي وهو ينزلق إلى حرب شاملة؟
لا يُعتبر هذا الوضع جديداً على ليبيا، فمنذ سقوط نظام العقيد القذافي، والعالم يقف متفرجاً على الإصرار الليبي نحو مزيد من الصراع وعدم الاستقرار، ولا يظهر أن هذا الوضع سيتغير كثيراً. حيث لا يمتلك المجتمع الدولي قدرة على الضغط على أطراف الصراع الحقيقيين، رغم اقتناع الجميع بأن القوى الخارجية هي المحرك الرئيس للأحداث. وفي هذا الخضم ستسعى بعض الأطراف لتعظيم مكاسبها من استمرار الصراع، سواءً بضمان استمرار مبيعاتها للأسلحة، أو استغلال الوضع الليبي من أجل تحقيق مكاسب سياسية داخلية، في حين لن تتجاوز مكاسب الليبيين سوى ضم مدن جديدة، مع استمرار الدمار وزيادة ومخاطر التقسيم.
@ هل سنشهد قريبا تعيين مبعوث أممي إلى ليبيا أم هناك من يتعمد عرقلة تعيين هذا المبعوث لأسباب محدّدة؟
@@ يتطلب تعيين مبعوث أممي خاص جديد إلى ليبيا، لحد أدنى من التوافق بين الفاعلين الأساسيين حول الشخصية المرشحة، وهو ما لم يتوفر حول الأسماء التي تم طرحها منذ استقالة السيد غسان سلامة، وأقرب الأمثلة على هذا الوضع ما تم تناقله عن سحب السيد رمطان لعمامرة لموافقته على توليه المنصب، بعد اعتراضات أمريكية. غير أن التحفظات التي تم وضعها على الأسماء المرشحة، لم تُعلن أسبابها بشكل رسمي أو غير رسمي، وهو ما يفتح المجال للتخمين بوجود مساعي لاستمرار هذا الفراغ، بما يتماشى مع مصالح معينة، أو رغبة في فرض أمر واقع ميداني، تختزل الخيارات المتاحة أمام طرف ما على حساب الآخر، وقد يتقاطع هذا التخمين مع تصعيد الأعمال العسكرية بين الطرفين خلال المفترة السابقة. مع ذلك فقد تم الإعلان بشكل غير رسمي، عن ترشيح وزيرة خارجية غانا السابقة، وان هذا الترشيح لا يواجه أية اعتراضات على مستوى أعضاء مجلس الأمن. وهو ما يدفع إلى الاعتقاد أن رفض مرشحين بعينهم وعلى رأسهم السيد لعمامرة، لا يرتبط بالكفاءة بقدر ما يرتبط بمواقف الدول التي ينتمي إليها هؤلاء، رغم أن المبعوث الخاص يتخذ صفة الموظف الدولي، وبالتالي فهو لا يمثل مواقف دولته بل يمثل فقط الأمين العام للأمم المتحدة.
- هل من مبادرة جديدة للجزائر لتحريك عجلة الحل السلمي في ليبيا؟
يتميز الموقف الجزائري في نظري باستمرار التردد في السياسة الخارجية تجاه المعضلة الليبية، على الأقل فيما يتعلق بالمواقف المعلنة للجزائر. فقد أعلن وزير الخارجية السيد صبري بوقادوم، عن استعداد الجزائر لاحتضان حوار بين الأطراف الليبية، وهو ما يفترض وجود استعداد من تلك الأطراف للدخول في حوار، غير أن هذا الافتراض تنفيه في الوقت الحالي تصاعد وتيرة الأعمال القتالية، وتمسك أطراف النزاع بفرض شروط مسبقة يستحيل معها عقد مثل هذا الحوار. ولابد من الإشارة إلى أن الجزائر لم تحاول نقل مساعيها إلى خارج ليبيا، بمعنى أن الدعوة الجزائرية للحوار عادة ما تقتصر على حكومة الوفاق وخليفة حفتر، في حين أنها تدرك جيداً أن المحرك الرئيسي للأحداث، لا يوجد داخل ليبيا بل خارجها. أتوقع أن تتحرك الدبلوماسية الجزائرية في الفترة القادمة، بشكل أكثر نشاطاً من أجل دفع الأطراف نحو الحوار، غير أني لست متفائلا بإمكانية تحقيقها لنتيجة إيجابية في ظل استمرار الوضع الراهن للنزاع.
- ألا تسجلون معي تقاعسا في دور الاتحاد الإفريقي اتجاه الأزمة الليبية؟
لا يملك الاتحاد الإفريقي فرصاً أكبر من غيره، لتحريك الأحداث في ليبيا، والدفع بها نحو أية تسوية ممكنة، وبالتالي أظن أنه من الأحسن تعويض وصف «التقاعس» بتوصيف اعتبره أكثر واقعية وهو «العجز». فموقف الاتحاد من الصراع في ليبيا سنة 2011، جعل تدخله غير مرغوب فيه من طرف الليبيين، بسبب رفض تدويل النزاع الليبي، أو حتى اعتبار الليبيين أن هذا الموقف بمثابة التأييد للنظام السابق. كما أن هذا الموقف أفقده زمام المبادرة لصالح أطراف أخرى، سواء أكانت هذه الأطراف عربية، أو حتى دول أوروبية كفرنسا مثلاً. لهذا فقد بقيت محاولات الاتحاد بدون أثر، حتى مع برمجة النزاع الليبي ضمن أجندة اجتماعاته على مستوى القمة آخرها اجتماع فيفري 2020، أو حتى أعمال مجلس الأمن والسلم الإفريقي في إطار مفوضية الاتحاد الإفريقي.
- ما تصوركم لتطورات الأزمة الليبية في قادم الأيام؟
لا أستطيع توقع أكثر من استمرار الطرفين، في محاولات الحسم العسكري للصراع، في ظل غياب رؤية واضحة ومشتركة لدى من يُحاولون إيجاد التسوية، واستمرار الأطراف الخارجية في اعتبار أنه لا منطقة للتوافق بين مواقفها في ليبيا. فالساحة الليبية عرفت خلال الفترة الأخيرة توسعاً في اللاعبين، وبالتالي زيادة حجم المصالح المتعارضة، وفي المقابل تضاؤل فرص التوفيق فيما بينها، وهو الوضع المستمر منذ 2011. على هذا الأساس فإن غياب أية قوة أو جهة دولية، يُمكنها تعديل مواقف الأطراف الداخليين والخارجيين، يعني غياب أي حافز لوقف القتال والجلوس إلى طاولة المفاوضات.