تبحث « الشعب» من خلال حوارها مع السيد فؤاد جدوأستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد خيضر ببسكرة،على أجوية لمجموعة من الأسئلة الملحّة التي تشغل بال الرّأي العام العالمي خاصة مع ما نعيشه من أوضاع شاذّة بسبب تفشي وباء كورونا الذي أخلط أوراق وحسابات المجموعة الدولية برمّتها .
ولعلّ أهم سؤال يتمحور حوله الحوار، هوالبحث عن الأسباب الحقيقية للحملة التي يشنّها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصين والتي بلغت درجة اتّهامها بصنع الفيروس الذي يفتك بأرواح الناس حتى دون تقديم أيّة أدلة،أوعلى الاقل عدم تبليغها عن درجة خطورته في الوقت المناسب.
وقد أرجع الاستاذ جدوتحامل ترامب على الصين لرغبته الجامحة في كبح تقدّمها على الساحة الدولية وسعيه لتحقيق تنازلات منها خاصة وهي بصدد اعتلاء قمّة الهرم العالمي، كما أدرج الاتهامات في إطار الحملة الانتخابية التي يسعى ترامب للفوز بولاية ثانية فيها .
- «الشعب»: حملة اتهامات شرسة يوجهها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للصين محملا إياها مسؤولية تفشي وباء كورونا حيث يقول بأن الفيروس القاتل خرج من مخابرها وبأنها لم تبلّغ العالم بحجم الخطر في الوقت المناسب، ما تعليقكم على هذه الحملة ولماذا يصرّ ترامب على إدانة الصين دون أن يقدم أي دليل؟
الأستاذ فؤاد جدو: سلسلة الاتهامات التي يوجهها الرئيس الأمريكي ترامب للصين تدفعنا إلى وضع جملة من المبررات والتي يمكن أن نختصرها في النقاط التالية:
أولا محاولته ربط ما يعيشه العالم من جائحة كورونا بالانتخابات الرئاسية الأمريكية على المستوى الداخلي والمقصود هنا تسويق نفسه للمواطن الأمريكي على أنه المسؤول الأول على أمن المواطن الأمريكي والولايات المتحدة الأمريكية والعالم اتجاه المخاطر الدولية والتي تقف وراءها الصين حسبه، وبالتالي هي فرصة مهمة لكسب الرهان حتى إن لم يكن هناك دليل لأن الأمر يتطلب وقت لإثباته.
ثانيا قدرة الصين على تجاوز أثار جائحة كورونا من حيث تقليل عدد الوفيات والإصابات، وأيضا قدرتها على تصدير الأجهزة والمعدات الطبية التي يحتاجها العالم لمواجهة هذا الفيروس بل وحتى تقديم مساعدات وهبات للعديد من الدول من بينها إيطاليا وإسبانيا وبالتالي إعادة تموقع الصين في العالم من خلال الدبلوماسية الصحية واستخدام القوة الناعمة لدعم مكانتها على المشهد الصيني، هذا يدفع بالرئيس الأمريكي إلى توجيه اتهامات للصين للتضييق والتشويش على تحركاتها على الصعيد العالمي.
ثالثا حسب رأيي يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يتبع سياسته التي اعتاد عليها وهي الزبونية في العلاقات الدولية وهذا من خلال تحقيق مكاسب وتنازلات من طرف الصين مقابل أن يصمت الرئيس الأمريكي ويتوقف على توجيه الاتهامات لها سواء عبر مكاسب تجارية في الأسواق الصينية، أوعبر صفقات غير معلنة لتقسيم الحصص التجارية لما بعد جائحة كورونا.
- ترامب وصف ما تعيشه بلاده اليوم بأسوأ مما تعرضت له في بيرل هاربر ومانهاتن، لماذا برأيكم كانت الخسائر التي تعرضت بها أمريكا بهذا الحجم الرهيب،ألا تعكس هذه الخسائر خللا ما في سياسة ترامب؟
ذكرته يعتبر صحيحا إلى حد بعيد وقد سبق وأن قلت بأن الرئيس الأمريكي يراهن على الاتهامات التي يوجهها للصين بهدف استمالة الناخب الأمريكي من خلال إظهار نفسه على أنه الرجل القادر على حماية أمن البلاد والمدافع عن مصلحة الفرد الأمريكي، لكن لابد من الإشارة إلى جزئية رئيسية ألا وهي غياب رؤية استشرافية للرئيس الأمريكي لتجاوز الأزمة الاقتصادية الراهنة والتي جاءت على إثر جائحة كورونا، خاصة مع مؤشرات ركود الاقتصاد العالمي واقتراب عدد البطالين في الولايات المتحدة الأمريكية من 20 مليون شخص وهذا رقم كبير يبين حالة الاقتصاد الأمريكي، وأيضا تراجع أسعار النفط على الصعيد العالمي وبالتالي الرهان الذي يعتمد عليه الرئيس الأمريكي هومواجهة الصين في ظل غياب الآليات الفعلية للخروج بالوضع الاقتصادي الأمريكي الراهن.
@ ألا تعتقدون بأن السخط الذي يبديه ترامب اتجاه الصين راجع أيضا إلى أنه يرى بأن كورونا ماض في نسف حظوظه لولاية ثانية، حيث ضرب الوباء الاقتصاد وهوالرهان الذي يعلّق عليه ترامب كل آماله للبقاء في البيت الأبيض إلى غاية 2024؟
@@ أعتقد أن الرئيس الأمريكي وحتى من سينافس الرئيس الحالي لا يملكون حلولا للخروج من الوضع الراهن لأن الأمر لا يرتبط بالاقتصاد الأمريكي أوحلول تقوم على الطرف الأمريكي فقط بل هومرتبط بزوال هذا الفيروس وعودة حركية الاقتصاد عالميا واستعادة الحياة الطبيعية في كل دول العالم،وهذا الأمر لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تحققه ولا تملك فيه أي قدرة على التغيير مادام لم يتم الوصول إلى علاج أولقاح لهذا الفيروس، وهذا ما يجعل الرئيس الأمريكي وأي مترشح يركز على بناء علاقات مع الصين وفق منطق جديد وهذا ما يراهن عليه الرئيس الأمريكي.
- برأيكم ما هي حظوظ ترامب في ولاية ثانية؟
أعتقد أن الرئيس لترامب حظوظ كبيرة في الفوز بعهدة ثانية خاصة أن المواطن الأمريكي أصبح يركز على ثنائية الصحة والعمل وهولا يريد أن يجازف مع رئيس جديد بل سيبقى مع ترامب لأنه يتوقع قراراته ويعلم سياساته خاصة أنه يفكر بمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مختلف عمن سبقوه لحكم أمريكا، السبب الثاني أعتقد أن ترامب استطاع أن يؤمن وأن يعزز أمن إسرائيل بشكل غير مسبوق في تاريخ هذا الكيان وبالتالي نجد أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية لن يجد أحسن منه في الوقت الراهن خاصة مع مشروع «صفقة القرن» لتمريرها وهذا ما سيعزز حسب رأيي فوزه بعهدة ثانية.
- قراءات كثيرة أشارت إلى أن ريادة أمريكا للعالم قد تصبح من الماضي لترتقي الصين إلى القمة أوعلى الأقل تعيد الثنائية القطبية، ما قولكم؟
جائحة كورونا ستعيد هندسة بنية العلاقات الدولية وفق متغيرات جديدة قد تتغير فيها معطيات العولمة والقوة الواحدة والمتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقاسم القوة بين الصين وأمريكا وجعل الصين عدولأمريكا بدل «الإرهاب الإسلامي» كما يسمى وهذا سيجعل هناك تفاهمات ثنائية لرسم معالم العالم الجديد وسيشهد العالم أيضا تصاعدا لقوى جديدة خاصة مع مشروع «طريق الحرير الجديد» الذي تراهن عليه الصين لبناء اقتصادها وفق دبلوماسية سلمية وبالتالي سيصبح العالم قائم على ثنائية من حيث صناعة القرار العالمي وهما الصين والولايات المتحدة الأمريكية ومتعدد القوى اقتصاديا مع العودة إلى منطق الدولة القومية بدل أطروحات العولمة والقرية الصغيرة والتي قد نشهد بداية تغيرها مع دول الاتحاد الأوروبي وإعادة رسم طبيعة التفاعلات الدولية التي قد تتأرجح بين فكر الدولة الوطنية والتعاون بين الدول لمواجهة الأزمات من خلال إعادة النظر في وظائف المنظمات الدولية كمنظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة.