تقف «الشعب» اليوم، مع الدكتور رابح زاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة مولود معمري بتيزي وزو، عند تزايد الخطر الأمني في الساحل الإفريقي من خلال ارتفاع وتيرة الهجمات الدموية وأعداد الضحايا.
الدكتور زاوي، عاد إلى عوامل تنامي المدّ الإرهابي بهذه المنطقة الساخنة، وأرجعها بالأساس إلى السياسات الغربية الساعية إلى الإبقاء على حالة اللاإستقرار بها. كما خلص إلى أنّ المجموعات الدموية لا تكترث بما تعانيه شعوب ودول المنطقة مع وباء كورونا، بل على العكس تماما، فهي- كما قال – تستغل انشغال العالم والحكومات الوطنية بمواجهة الفيروس لتكثّف هجماتها وتمدّد مساحتها.
- «الشعب» فيما العالم منشغل بمحاربة وباء كورونا، تواصل الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا هجماتها الدموية مخلفة العديد من الضحايا، ما تعليقكم على هذا الوضع؟
د. رابح زاوي: أعتقد أن ما يحدث في منطقة الساحل نتيجة للسياسات الغربية الساعية إلى الإبقاء على حالة اللااستقرار في المنطقة، من منطق أن ذلك يخدم مصالحها ويعزّز تواجدها العسكري فيها، فرنسا هي أكبر المعنيين بالوضع الكارثي وغير المستقر في المنطقة من خلال تدخلها العسكري وعجزها عن تحقيق ما كانت تعلن عنه منذ بداية عملياتها العسكرية فيها، فلا السلام عاد لمالي وغيرها من الدول، ولا الإستقرار عاد إلى ليبيا، ولا الهجمات الإرهابية المستهدفة للعسكريين الغربيين في المنطقة توقفت، إذن نحن أمام معضلة أمنية خطيرة، تعيد المنطقة دائما إلى المربع الأول كلما حققت تقدما في عمليات السلام فيها.
كما تضمّنت الإحصائيات الواردة في تقرير قدمه لمجلس الأمن الدولي المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، أن عدد ضحايا هجمات الجماعات الارهابية بدول الساحل الإفريقي تجاوز 14 آلف قتيل منذ عام 2016، وأن عدد القتلى بكل من مالي والنيجر وبوركينافاسو تضاعف خمس مرات منذ نفس السنة.
- لماذا لا تبالي مجموعات الدمويين بما يعانيه العالم مع الجائحة وتستغلّ الوضع لتكثيف هجماتها؟
بالعكس تماما، هي فرصة لا تعوّض بالنسبة لها وجب استغلالها، العالم والحكومات الوطنية كلها منشغلة بمواجهة هذا الفيروس وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وبالتالي هو وقت مناسب للقيام بعمليات عسكرية وهجمات ضد القوات العسكرية، وتحقيق مكاسب هي في أمسّ الحاجة إليها بعد الضغط والحصار الذي تعرضت له طوال الفترة السابقة، كما لا يجب أن ننسى أن الأنشطة غير المشروعة - مثل تجارة الأسلحة والمخدرات والتهريب وسرقة الماشية، والاستغلال غير القانوني للمعادن، والصيد غير المشروع للحيوانات- تمثل شريان بقاء الجماعات الإرهابية في مناطق الصحراء الشاسعة، ولا سيما على جانبي الحدود، وبالتالي هي مجبرة على الإستمرار فيها وإلا تكون النتيجة نقص مواردها المالية وعجزها عن القيام بأنشطتها وكذا تجنيد عناصر جديدة.
كما يمكن القول أن مسألة استمرار العمليات الإرهابية لا تتعلق بفلسفة خاصة لأن الموت هي عقيدة تلك التنظيمات، كما أن تلك الهجمات هي هجمات استعراضية تهدف إلى تذكير الدول أنها موجودة ومستمرة على الرغم من انتشار الوباء.
- بين مطرقة كورونا وسندان الإرهاب، كيف تتعامل دول غرب أفريقيا والساحل مع الخطرين وماذا عن إمكاناتها المادية للمواجهة؟
أعتقد أن دول المنطقة تعاني الأمرين، من جهة هناك انتشار للفيروس في المنطقة، وهناك ارتفاع في عدد الإصابات يوما بعد يوم، وكلنا نعرف المستوى الصحي في تلك الدول، من ضعف للبنية التحتية وارتفاع في عدد السكان، دون أن ننسى عدم امتلاك تلك الدول لوسائل طبية تسمح لها بالكشف المبكر عن الإصابات، وهو ما يعني حتمية انتشار الوباء وسقوط ضحايا، ومن جهة أخرى خطر الجماعات الإرهابية التي بكل تأكيد ستكون من بين الأطراف المتضررة من الوضع الحالي، أغلب الحدود البرية مغلقة بين الدول، وإمدادات الغذاء وحركة التجارة البينية متوقفة، وهو ما يعني نقص الغذاء يوما بعد يوم، والأكيد أن هذا سيكون فرصة لا تعوض لتلك التنظيمات الإرهابية للاستثمار في الأزمة والفقر الذي يعانيه السكان.
الحل ربما يمر عبر تعزيز التعاون بين تلك الدول، من خلال المساعدات الطبية، وكذا دعوة الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية لتحمل مسؤولياتها كاملة اتجاه سكان هذه المنطقة، كما يمكن أن يشكل الإتحاد الإفريقي رافدا مهما في مواجهة الخطر الصحي والإرهابي معا، من خلال مقاربته الهادفة إلى أفرقة الحلول ودعم مسارات الاستقرار في المنطقة.
- المنطقة كانت بالأساس متروكة لمصيرها في مواجهة الإرهابيين واليوم الوضع أسوأ فالعالم مشغول بإنقاذ حياته، ما يعني أن المجال مفتوح أكثر أمام الدمويين للعبث بأمن دول الساحل وغرب أفريقيا، ما تعليقكم؟
مثلما أشرت سابقا، التنظيمات الإرهابية لا يهمها انتشار الفيروس من عدمه، لأن همها الوحيد هو إثبات وجودها وتعزيز انتشارها في المنطقة والحفاظ على مواردها المالية وعائداتها من تجارة السلاح والمخدرات، فلسفتها هي الموت لا غير، والأكيد أن انتشار الفيروس لن يثنيها إطلاقا عن استمرار عملياتها الإرهابية.
- ألا يمكن للإرهابيين أن يستغلوا فيروس كورونا لجعله وسيلة قتالية حيث ينشرونه في صفوف الناس؟
أعتقد أن هذا يعني الموت المحتّم للطرفين، وذلك لن يغير في المعادلة من شيء، أكبر هدية يقدمها هذا الفيروس لتلك التنظيمات هو انحسار دور الحكومات وتغير أولوياتها، من الأمن العسكري التقليدي إلى الأمن الصحي، وإعطاء أهمية متزايدة للصحة، وبالتالي هناك مساحات كبيرة سوف تستغلها تلك التنظيمات للقيام بمزيد من الهجمات.
- كيف يمكن لدول المنطقة أن تواجه الخطر الإرهابي في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها؟
أعتقد أن الحل يمر عبر تعزيز الشراكة الإفريقية– الإفريقية والتمسك بالاتحاد الإفريقي كإطار عمل مشترك، دون أن ننسى تقوية تلك الروابط عبر الإيمان بالمصلحة المشتركة التي تجمعنا كأفارقة، مصلحتنا في قوتنا ووحدتنا وليس في الاستنجاد بالقوى الغربية التي لا يهمها سوى تعزيز وجودها وحماية مصالحها.