يتساءل المتابعون للشأن الصحراوي عن كل هذا الصمت المطبق والتعطيل السياسي المسجل من قبل المجموعة الدولية تجاه عدم تعيين المبعوث الأممي الجديد عقب رمي المنشفة من قبل كوهلر جراء الضغط الرهيب الذي مورس عليه من قبل المغرب وحلفائه على مستوى مجلس الأمن والذين يرفضون تغيير المسار السياسي لهذه القضية العادلة باتجاه تقرير المصير وهو الوضع النهائي الذي يناضل من أجله جميع الأحرار والشرفاء في هذا العالم.
هذه المعاينة السياسية جديرة بالاشارة اليها في الوقت الراهن وهي أمر واقع لامفر منه اذا ماوقفنا على القرارات الحاسمة والفاصلة التي كنا ننتظر أن تصدر عن الأمم المتحدة وبخاصة مجلس الأمن في تكليف شخصية بمواصفات ديبلوماسية مقبولة لتحريك هذا الملف المجمد عمدا والى اشعار آخر ربحا للوقت من طرف كل أولئك الذين يبحثون عن شخص على المقاس مثلما حدث مع البعض في السابق خاصة الذين وقعوا في الشباك جراء العروض المغرية التي تعرضوا لها من أجل التخلي عن أداء مهمتهم بالشكل المطلوب. نقول هذا الكلام من باب أنه من غير المقبول ان تسكت المجموعة الدولية عن المؤامرة المحبكة والمنسوجة خيوطها حاليا من أجل ترك المسألة بدون متابعة ورعاية أممية معرضة لمنطق أحادي الجانب في الحديث عن اقليم محتل في الوقت الذي تدّوى فيه أصوات الصحراويين من الأعماق مطالبة بكسر هذا الجمود واذابته عاجلا ودون أي إطالة بتحميل كل الأطراف المعنية مسؤولية ما يقع.
القيادة الصحراوية الحكيمة برئاسة ابراهيم غالي تعي كل الوعي خلفيات هذه «اللعبة» لذلك تدرك جيدا ماتقول وهكذا أعلنت رفضها الدخول في أي عملية سياسة تقودها الأمم المتحدة لاتقوم على أساس ضمان حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. قد يبدو هذا الموقف غريبا للبعض وخارج عن أدبيات خطاب الصحراويين المتميز دائما بالإتزان والدقة في تناول مثل هذه التفاصيل الشائكة لكن مانراه هوعين الصواب وبعد النظر لرسالة واضحة المعالم الى كل أولئك الذين يعتقدون بأن مواقف الصحراويين لاتتجاوز سقفا معينا في مخاطبة الآخر ستكون أكثر حدة وراديكالية لاحقا اذا ماتمادى الآخرون في تنكرهم للحقائق وبقراءة متأنية لما أقره المكتب الدائم للأمانة الوطنية الصحراوية فان هناك استثناء يتمثل في وجوب توفر شرط تقرير مصير الشعب الصحراوي، في أي مسعى سياسي من الآن فصاعدا وأي مبادرة في الأفق لا تستند لهذا الطلب الملح فان مآلها الفشل الذريع ولا يعتد بها ومردودة على أصحابها ولا يتحمل الصحراويون تداعياتها.
ومن حق الصحراويين أن يبدوا مواقفهم السياسية الواضحة تجاهما يطبخ هنا وهناك خاصة تجاه من يعقتد بأن هناك بدائل أخرى على غرار تقرير المصير وكم من مرة جددوا رفضهم المطلق للطروحات المغربية القائمة على خزعبلات «الحكم الذاتي» و« الجهوية » المقدمة وغيرها من الصيغ التي أرادها المحتل ان يفرضها بالقوة منذ مسيرة العار في منتصف السبعينات غير أنه لم ينجح في ذلك.
والمغزى العميق لمفهوم تقرير مصير الشعب الصحراوي هو الاستقلال واسترجاع السيادة الوطنية السليبة ليس وليد ظروف معينة بل قناعة راسخة لدى كل المناضلين الأحرار والشهداء الأبرار الذين سقطوا في ساحة الوغى دفاعا عن الوطن المفدى منهم مصطفى الوالي ورفقاء دربه الذين حملوا السلاح منذ الساعات الأولى لاندلاع الكفاح المسلح.
ويضاف الى كل هذا النضالات الطويلة والمشهود لها المرحوم محدم عبد العزيز، أحمد بوخاري وامحمد خداد ، والمحفوظ علي بايبا الذين أفنوا حياتهم في خدمة القضية الصحراوية وشعارهم في ذلك « نكران الذات» أحبطوا كل المناورات والمؤامرات المحاكة ضد الصحراويين في المحافل الدولية وواجهوا كل المخططات الدنيئة، كما صمدوا في وجه الحملات المغرضة التي استهدفت القضية وهذا كله من أجل تقرير مصير الشعب الصحراوي المبدأ الثابت الذي لاتحيد عنه طلائع هذا الشعب المغوار.
خلفية هذا الخيار الثوري نابعة من مبدأ الندية عند اندلاع النزاع المسلح افرز مقاومة شديدة ضد المحتل، الى درجة مطالبة هذا الأخير بوقف القتال جراء ماتكبده من خسائر مادية وبشرية فادحة واستسلام جنوده بالآلاف في كل معركة حامية الوطيس يلقون سلاحهم نقمة في نظام المخزن آنذاك.. لايطلقون رصاصة واحدة مفضلين تسليم انفسهم على الموت في حرب لا ناقة ولاجمل لهم فيها.
هذا النضال على الجبهات أفضى بالتوقيع على اتفاقية وقف اطلاق النار في 1991 التزم فيها المغرب مقابل ذلك باجراء الاستفتاء في كامل الاقليم الصحراوي.
ماذا حدث يا ترى؟ المغاربة نكثوا العهد وتخلوا عن تعهداتهم الأولى عندما فشلوا في تمرير عملية الاحصاء المزيفة التي أضافوا في قوائمها أشخاصا شاركوا في المسيرة الخضراء عفوا السوداء ليسوا صحراويين شطبهم شيوخ القبائل وما أرادوه هو رفع عدد المسجلين الى 120 ألف شخص في الوقت أن ماتم احصاؤه 74 ألف شخص فقط واتضح لهم بأن في هذه الحالة يستحيل الذهاب الى ماأسموه آنذاك بـ« الاستفتاء التأكيدي اي أن النتيجة مضمونة.
ومنذ تلك الفترة والقضية الصحراوية تتعرض لشتى ممارسات التعطيل حتى لايتحقق ذلك المبدأ التحرري وما صدر عن الأمم المتحدة من لوائح في هذا الشأن لم يطبق منها أي شيء وفورا يؤول المغرب مضمونها على أن جاءت لصالحه يرفض الاذعان لها وأمام هذا التعنت فمن حق الصحراويين رفض المشاركة في أي مسعى لايتضمن حقهم في تقرير المصير غير القابل للتصرف .
وهذه هي اللغة التي يفهمها كل من يتواطأ ضد هذا الشعب ولايلتزم حتى بأجديات احترام جدول الأعمال خلال الاجتماع الأخير الذي تحاشى الحديث عن تناول القضية الصحراوية وبالأخص مسألة تعيين المبعوث الأممي.
وماقرره الصحراويون ليس « لصناعة الحدث» وانما سيبلغ الى الأمم المتحدة وخاصة عند تعيين المبعوث الجديد على أن قواعد اللعبة ستتغير من الآن فصاعدا وفق منطلقات مخالفة لسابقتها فيكفي ما أبداه الصحراويون من إحترام كامل حيال المنتظم الدولي كان آخرها خلال أحداث ممر « الكركرات» غير ان الطرف الآخر لا يحاسب على تصرفاته بل يشجع على مواصلة سلوكاته غير المتوافقة مع تدعو اليه الأمم المتحدة في لوائحها التاريخية حول تقرير مصير الشعوب التي ترزح تحت نير الاستعمار منها اللائحة رقم 14 / 15 .