لا توحي المؤشّرات السياسية في الملف الفلسطني ـ الإسرائيلي بأنّ هناك نوايا جادّة للخروج من الشرنقة التي تحيط بكل هذه الهالة حول التسوية المرتقبة التي هي محل تجاذبات بين الأطراف المعنية بالحل في آجال محدّدة.
وفي هذا الشأن، فإنّ ما يسمّى بالمفاوضات الثنائية التي انطلقت يوم ٢٩ جويلية ٢٠١٣، تحت الرعاية الأمريكية والمقرّرة في غضون ٩ أشهر، تسير
بوتيرة بطيئة جدّا، كل واحد ينتظر تنازلا من الآخر، تارة يطرح فيها الاعتراف بيهودية الدولة العبرية وتارة أخرى توقيف المستوطنات وغيرها.
هذه المواقف المتصلّبة الصّادرة عن عباس ونتنياهو، حيّرت كيري الذي في كل مرة يسمع كلاما جديدا، هذا لم يمنع من تنقل نتنياهو وعباس إلى الولايات المتحدة للتحادث مع أوباما بخصوص آخر مستجدّات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك استعراض الفرص التي تسمح بدفع عملية السّلام نحو آفاق واعدة، وبالرغم من كل هذه المحاولات فإنّ الأمور ما تزال تراوح مكانها، ولا يوجد أي مؤشّر يؤكّد على أنّ هناك تغيرا محتملا قد يؤدّي إلى محطات أخرى.
القيادة الفلسطينية تدرك إدراكا كاملا بأنّ إسرائيل ليست شريكا مؤهّلا لصناعة السلام، وتعامل مسؤولي هذه الكيان وفق قاعدة “السن بالسن” ونقصد بذلك الأبعاد السياسية للصّراع.
لا تترك المبادرة الإسرائيلية تعلو فوق القرار الفلسطيني، وقد اهتزّت الأرض من تحت أرجلهم عندما أمضى عباس وثيقة الإنضمام إلى ١٥ منظمة ومعاهدة واتفاقية دولية، وإن تمادت إسرائيل عبثها هذا، فإنّ هناك إرادة قوية في التوقيع على ٦٣ وثيقة أخرى تندرج في نفس الإطار، وهذا كله ردّا على الضغوط الرهيبة التي تمارسها إسرائيل على الفلسطينيين بخاصة ما تعلق بإطلاق سراح الدفعة الـ ٤ من الأسرى. وقد سلّم وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي رسميا الوثائق إلى ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وممثل الإتحاد السويسري وممثل المملكة الهولندية، كل هذا من أجل إبراز تمسّك الشعب الفلسطيني بالشّرعية الدولية التي أقرّت له هذا الحق، ووضع إسرائيل أمام الأمر الواقع على أنّها لا تريد السّلام، ولا تعترف بهذه الشّرعية.
اليوم في إسرائيل هناك هستيريا في أوساط الطبقة السياسية بخصوص هذه الخطوة الفلسطينية، ويطالب المتطرّفون بالرد على ذلك، كاقتراح وقف تحويل أموال الضرائب للسّلطة الفلسطينية احتجاجا على ما أسموه بـ “الخطوات الأحادية الجانب”. ويجد هؤلاء لذّة
لامتناهية في اهتمام القيادة الفلسطينية بأنّها وراء كل هذه البلاوي والتعطيل، متناسين بأنّه منذ ٢٩ جويلية تاريخ انطلاق المفاوضات لم يسجّل أي عمل جدّي من قبل إسرائيل من أجل الدفع بالملف نحو إيجاد حد أدنى من التفاهم حول نقاط معينة، هذا لم يكن أبدا، بل بالعكس إسرائيل أغلقت كل الأبواب وضربت بالنداءات والدعوات المطالبة منها بتوقيف المستوطنات عرض الحائط، وكل تصريح إيجابي يصدر عن الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يرفض رفضا قاطعا من هؤلاء.
والإنسداد السياسي تتحمّله إسرائيل في الوقت الرّاهن، كونها تريد أن تطبّق مبدأ الوصاية على القيادة الفلسطينية، وهذا عندما تشير ضمنيا إلى أملها في أن يستشيرها عباس في كل القرارات التي يرغب في اتخاذها، خاصة ما تعلق بالشؤون الخارجية والعلاقات الدولية، وهذا ما يرفضه الفلسطنيون لأنّهم عانوا ما عانوا من سعي البعض لمصادرة قرارهم سواء منه النضالي أو السياسي ممّا كلفهم ذلك متاعب جمّة منذ أن كان عرفات على رأس منظمة التحرير الفلسطينية.
وليس أمام إسرائيل سوى خيار الإمتثال لقرارات الشرعية الدولية التي تطالبها بإعطاء حقوق الشعب الفلسطيني، والكفّ عن بناء المزيد من المستوطنات وكذلك الإستيلاء على الأرض، وسحب الإنتساب مثل هذه الممارسات اليومية تتناقض تماما مع مبدأ السلام.