ورقة المهاجرين لم تعد تخيف أوروبا بعد أن سجل إجماع غير مسبوق للتصدي لها على مشارف هذه القارة بكل عزم وحزم وأكثر من أي وقت مضى وأولى مؤشرات هذا الموقف الثابت الدرع اليوناني الواقي لهذا الغزو القادم من غرب تركيا باتجاه كاستيناس وبلغاريا.
الأصوات المتعالية في السابق، والتي كانت ترفع لواء حقوق الإنسان سكتت وتلتزم الصمت المطبق حتى أنها محل تساؤل عند الأوساط المهتمة بهذا الملف وعن مصير هذا الشعار الذي يستعمل في دوائر ضيقة التي تراعي مصالح محدودة في مثل هذه الظروف الشائكة.
وتغييب هذا «السند السياسي» في العلاقات الدولية الراهنة، الذي فرضه الغرب عقب سقوط جدار برلين وانهيار المعكسر الشرقي ومحاولة العمل بالقطبية الأحادية، إلى جانب مكمّل آخر ألا وهو حماية الأقليات سمح لقادة أوروبا أن يتحدثوا من موقع الثقة الكاملة، دون إحراج من أحد خاصة التأثير الصادر عن الجمعيات والمجتمع المدني الحامل لعباءة جماعات الضغط في توجهه الإنساني.
ولمس المتتبعون هذا التوجه الجديد في المقاربة الأوروبية تجاه المهاجرين القادمين من تركيا (سوريون، أفغان، باكستانيون، ومن جنسيات مختلفة) في ما صرح به لودريان وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي بأن أبواب القارة مغلقة في وجه النازحين إليها كما دعمت المستشارة الألمانية ميركل هذا الحسم المطلق بأنها ستقدم الإعانة اللازمة لليونان وبلغاريا.. وهذا في حد ذاته رسالة واضحة المعالم إلى كل من يدفع بهؤلاء إلى أوروبا.
وهكذا فإن معركة الوجود عبر الحدود بدأت أطوارها الأولى في اليونان لمحاولة اقتحام السياج والأسلاك الشائكة، والتعليمات المقدمة إلى قوات حفظ الأمن ومكافحة الشغب اليونانية صارمة، لا تكتفي باعتراض المتواجدين خلف الحاجز بالوسائل المعروفة كالقنابل المسيلة للدموع، وخراطيم المياه وإنما كان هناك إطلاق للنار، هز المسؤولين في استطنبول الذين سارعوا إلى التقليل من الحادث، وهذا بمنع عبور المهاجرين عبر بحر إيجة.. وتأجيل مواعيد سياسية مع نظرائهم اليونانيين لحل هذا الإشكال ثنائيا.. والتحكم في مداه حتى لا يتحول إلى مأساة إنسانية أخرى وإلى غاية يومنا ما تزال تلك الصورة المؤثرة للطفل «أيلان» جثة هامدة ملقاة على شاطئ البحر لفظته الأمواج العاتية.
التخوف الأوروبي إنساني بالدرجة الأولى في حين أن تركيا تريد لمسعاها أن يلفه الطابع السياسي كل ما خسره أو بالأحرى ضيعه أردوغان من مواقف أوروبية حيال ما يقوم به سواء في إدلب أو طرابلس من رفض قاطع لسياسته الخارجية القائمة على الوجود العسكري في مناطق حيوية خارج حدوده، أراد تعويضه باستفزازات للأوروبيين وهذا بإطلاق عليهم موجات بشرية من المهاجرين عبر بوابة اليونان، قد لن يسمح لهم بالدخول لكن استطاع أن يصنع الحدث ويثير القلاقل للآخر ويحرك مواجع القادة الأوروبيين الذين أعادوا ترتيب خيارتهم وفق حدة الملف الفارض لنفسه.. عين على بلدانهم وأخرى على المهاجرين.
وهذا الرهان التركي على كسب أو مراجعة أوروبا لمواقفها إزاء ما يجري في إدلب وطرابلس، لن يكون مستقبلا كون النقاش الأوروبي - الأوروبي تغير رأسا على عقب وأصبح قائما على الإجماع والتضامن فيما بين دول الأعضاء يحمل في دلالات محتواه الضمني الإستمرار في عدم السماح لتركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وهذا الوتر تعرف عليه الأتراك في كل تحركاتهم.
هذا الوضع الإنساني الجاري على الحدود مع اليونان يحمله أردوغان إلى مقر الاتحاد الأوروبي لإدراجه في خضم انشغالاته البارزة منها إعادة النظر ومراجعة الاتفاق المبرم سنة ٢٠١٦ المتعلق بكيفية إدارة ملف المهاجرين على قواعد جديدة بعد مرور عليه ٤ سنوات لاحظ فيه الأتراك أن الأوروبيين أخلوا بالتزاماتهم المبدئية التي تعهدوا بها خاصة المساعدة المالية البعيدة كل البعد عما ما كان يزمله هؤلاء بخصوص الانصاف في توزيعها، من حيث الحصص المطلوبة من الدوائر التركية.
ويسجل مؤخرا تصريحات أو أكثر من هذا حملات إعلامية من الساسة الأوروبيين ضد تركيا، اتسمت في غالب الأحيان بالحدة، مصدرها فرنسا وبدجة أقل ألمانيا، مشددين على رفض ما أسموه بالإبتزاز التركي حيال أوروبا علما أن مسؤولي الاتحاد يدركون جيدا بأن تركيا تدير أزمة إنسانية خلفتها الحسابات الأوروبية وعوامل أخرى في ليبيا وسوريا والنزاعات لدى الأقليات المسلمة هنا وهناك تقدر بأكثر من ٣ ملايين لاجئ .. فمن يتنازل للآخر.