تحايـل القرن تصفيــة للقضيـة الفلسطينيــة

إنتقـام تاريخــي للتضحيــات.. ورمــــوز المقاومــــــة

جمال أوكيلي

 لا نستغرب أبدا مما «أبدع» فيه الرئيس الأمريكي في إخراجه لمهزلة «صفقة القرن» في طبعة مرعبة حقا اختصرت كل ذلك الانحياز الأعمى للكيان الصهيوني وألغت بصفة جذرية كل بصيص أمل الذي كان دائما يعيدنا إلى جرأة كلنتون وتردّد أوباما، أما من قبل وبعد هؤلاء فشعارهم تصفية القضية الفلسطينية ومحو آثارها وشطبها نهائيا ونحن اليوم نسير على هذا المنطق.
ضربة القرن القاضية هذه مبنية على مغالطات  مفضوحة لا تغتفر لمن أعدّ هذه الطبخة المسمومة تلاحظ لأول وهلة من التسمية المركبة من مصطلحين «الصفقة « و»القرن» الأول «خدعة» والثاني لا بديل عنها زمنيا حاملة في طياتها البداية والنهاية، ولا مشروع آخر ما بعدها هكذا تصورها من صاغ محتواها معتقدا بأن كل شيء انتهى في الشرق الأوسط ونعني بذلك اختفاء «المقاومة الشعبية» وانهيار الإرادة الجماهرية الصامدة في وجه المؤامرات القاتلة والظالمة.
ومن خفايا هذه «البدعة» التي يتطلب الأمر الانتباه لها هي أنها تترجم حالة من روح الانتقام لتضحيات الشعب الفلسطيني من الشهداء الأبرار إلى رموز المقاومة، بدءا بعز الدين القسام، الحسيني، ياسر عرفات، خليل الوزير، ابو اياد، جورج حبش، نايف حواتمه، ومروان البرغوثي وكل من قاوم الدولة العبرية بداخل فلسطين المحتلة وخارجها وفي لبنان عند الاجتياح، والذين اغتالهم الموساد حقدا على تعلقهم بأرضهم في باريس وغيرها من العواصم الأوروبية منهم سعد صايل وغسان كنفاني.
هكذا جاءت هذه الخطة عفوا المؤامرة لمحاولة نسيان المسار النضالي لهذا الشعب المكافح وإحالته على هامش التاريخ وكأن شيئا لم يكن، لإحلال محله شتات من الموافدين على هذه الأرض الطيبة وهكذا يتجرأ ترامب على منحهم الشرعية التي لم يروها منذ أن تلقوا كل ذلك الدعم اللامشروط من قبل الإدارة الأمريكية منذ إعلان قيام هذا الجسم الغريب في آواخر الأربعينات.
لا يتعلق الأمر هنا بجزئيات سياسية بقدر ما يستدعي السياق قراءة متأنية لأبعاد هذه «الصفقة» متعدّدة الأطراف في نسيج خيوطها بدقة متناهية «غير متوجهة للفلسطنين» بتاتا وإنما ما يريده ترامب هو الحصول على تزكية من قبل الرئيس محمود عباس لا أكثر ولا أقل وإدخاله بيت الطاعة بالتواطؤ مع نتنياهو لا لشيء سوى أن الرئيس الأمريكي أرجع العدّاد إلى نقطة الصفر وحاصر الجميع في نطاق ضيق ومربع مغلق وقد وصفها المعنيون بـ»الفرصة الأخيرة» علما أن في السياسة لا يوجد هذا الوصف المطلق، غير أنه ما يفهم من ذلك أن هناك خيارات أخرى أكثر راديكالية، إن رفض الفلسطينيون هذا العرض.
وخطأ «القرن» الذي ارتكبه ترامب وكل من يسير على دربه هو أنهم تجاهلوا المرجعيات الدولية في تسوية القضية الفلسطينية والتي واكبت هذا الصراع وبالأخص قراري ٢٤٢ ـ ٣٣٨، ناهيك عن اللوائح الأممية الأخرى، وفي جوانب حيوية تخص العضوية الفلسطينية الكاملة في المؤسسات التابعة للأمم المتحدة وغيرها.
لا يمكن التعامل مع مبادرة لا تستند إلى أي إطار دولي مجرد تفاهمات سياسية بين الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة الإسرائيلية لإنهاء النزاع القادم بالتراضي ثم يذهب كل واحد إلى أشغاله، ما هكذا يضع السلام، بنظرة أحادية الجانب يكون في خدمة إسرائيل فقط.
مرة أخرى يدخل سياسيو البيت الأبيض منطقة الشرق الأوسط في دوامة من التعقيد يصعب الخروج منها نظرا لإفتقاد «الصفقة» إلى الأركان المطلوب توفرها، حتى تأخذ مجراها فالقيادة الفلسطينية الحالية، ترفض رفضا قاطعا ما عرض عليها، إذ سارعت إلى فك الارتباط الخاص بالتنسيق الأمني مع إسرائيل كما أغلقت باب التواصل مع الأمريكيين، إلى غاية تراجع هؤلاء على هذه الجريمة ضد الشعب الفلسطيني.
وعليه، فإن التاريخ ما فتئ يكشف أن الولايات المتحدة ليست شريكا محايدا مؤهلا، لحل القضية الفلسطينية، بل أن شغلها الشاغل هو كيفية ضمان أمن إسرائيل، أما الباقي فهم إرهابيون هذا الطرح خاطئ من الأساس ولا يعتد به إطلاقا في محاولة معالجة هذا الملف الشائك لأن المسألة لا تتعلق بالأرض فقط وإنما هذا الشعب القابع تحت احتلال بشع سواء في الداخل أو الخارج لا ترامب ولا نتنياهو يريد سماع بأن هناك شعبا فلسطينيا.
كل ما انجزته المجموعة الدولية دّجنه ترامب في تحايل «القرن» واختزله في وثيقة سرقة حقوق الشعب الفلسطيني.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024