كانت السياسة الخارجية للجزائر حاضرة في برامج المترشحين الستّة للإنتخابات الرئاسية القادمة على اعتبارها إمتداد للسياسة الداخلية ومكمّل لها.
لكن، الملاحظ أن المساحة المخصصة لهذا المحور الهام تباينت من مترشح إلى آخر بالنّظر إلى الأولويات التي ركّز عليها كل واحد. وفي المقابل تقاطعت برامج الجميع حول مبادئ ثابتة تشكّل أسس السياسة الخارجية الجزائرية منذ عقود.
بوتفليقة ...
عين على السّلم وأخرى على الشراكة
أولى برنامج المترشح عبد العزيز بوتفليقة الذي يؤسّس “لعقد جديد” أهميّة كبيرة لمحور السياسة الخارجية والدبلوماسيّة الذي حظي بحيّز كبير مقارنة بباقي المتنافسين، ممّا يعكس خبرة الرجل في هذا المجال وإدراكه العميق لبعده الإستراتيجي المكمّل والدّاعم للسياسة الداخلية.
برنامج المترشح الحرّ، يدرج النشاط الدولي للجزائر ضمن امتداد المسعى الذي انتهج في السنوات الأخيرة في مجال السّلم والأمن والشراكات الإستراتيجية، ويُطابقه مع ميثاق ومبادئ الأمم المتحدة وكذا مبادئ عدم الإنحياز والمنظّمات التي تعدّ الجزائر طرفا فيها.
ويركّز البرنامج على ثوابت أساسية وهي تعزيز التعاون مع بلدان السّاحل والمساهمة في توثيق الأمن والإستقرار بها مع التمسّك بمبدأ عدم التدخّل في شؤون الغير وحسن الجوار والتضامن.
ـ دعم الشعب الصّحراوي في تقرير مصيره، والفلسطيني في استعادة السيادة على دولته وعاصمتها القدس الشريف.
ـ التمسّك ببعث مسار بناء الصّرح المغاربي والمساهمة في بعث العمل العربي المشترك، والسهر من أجل تقدّم الأجندة الإفريقية في مجال السلم والأمن وتحسين الحكامة والإندماج الجهوي والقاري.
ويشدّد برنامج بوتفليقة على بذل الجهد لفائدة السلم والإستقرار والتعاون في حوض المتوسط، وتكثيف التعاون مع الإتحاد الأوروبي، وإقامة علاقات ودية وتعاون مع باقي دول المعمورة، ومواصلة الإسهام في مكافحة الإرهاب والإتّجار بالمخدرات وغيرها من أشكال الجريمة المنظمة.
بن فليس:
مراجعة خريطة التوزيع القنصلي وانتشار الجهاز الدبلوماسي
يقترح برنامج السيد علي بن فليس في مجال السياسة الخارجية التكفل بالجالية الوطنية بالخارج وتدعيم الخطوات المتخذة في إطار ترقية العلاقات الدولية وتطويرها وإنشاء مجلس أعلى للجالية الجزائرية بالخارج وفتح فروع للبنوك العمومية بالخارج، وكذا مراجعة خريطة التوزيع القنصلي وإعادة النظر في انتشار جهازنا الديبلوماسي على ضوء التطورات الكبرى التي تعرفها الساحة الدولية من جهة ومواطن تواجد جاليتنا الوطنية بالخارج من جهة أخرى.
ويقترح البرنامج أيضا، إحداث بعثات اقتصادية وتجارية متخصصة لدى أهم البلدان والمجموعات الإقتصادية الجهوية التي تتعامل مع بلادنا الجزائر، مع تعزيز الهياكل المكلّفة بترقية الثقافة والسياحة الوطنية لدى بعض الهيئات الدبلوماسية وتحفيز وتشجيع الجالية الوطنية على التنظيم وفق الأنماط الأكثر ديمقراطية، كما يتعيّن إقامة ديناميكية بين النسيج الجمعوي لجاليتنا في الخارج والكفاءات المقيمة به والمجتمع الجزائري، وسيتم إنشاء دار الجزائر ومدارس جزائرية في المناطق التي تتواجد بها جاليتنا بكثافة حسب برنامج المترشح الحر علي بن فليس.
فرؤيته ترتكز على الموازنة بين دوائر الإرتباط المختلفة وإحياء الدور الإقليمي للجزائر على مختلف الأصعدة العربية والإسلامية والمغاربية والإفريقية والعالمية بما يحقّق للجزائر عمقا استراتيجيا أكبر ويتيح لها مجالا أوسع للعلاقات بمختلف مستوياتها ويضمن لها الوجود بصورة فاعلة على الساحة الدولية.
إلى جانب الإنفتاح على جميع الدول بما يعبّر عن ضمير الشعب الجزائري والبحث عن الشركاء الذين يحقّقون مصالح الجزائريين وهي ضرورة يفرضها واقع العلاقات الدولية والإلتزام بثوابت العلاقات الخارجية، المتمثلة في السياسة الحامية للحقوق المصونة للجزائريين والمعبرة عن تطلعات الشعب الجزائري الحافظة لكرامته بعيدا عن التبعية للقوى الدولية أو التهاون في المصالح الجزائرية.
فالسياسة الخارجية الفعّالة تعد أحد أهم عناصر بناء الدولة وتعزيز دورها الإقليمي والدولي والقاري والمغاربي فسياسة بن فليس الخارجية حسب برنامجه الرئاسي، داعمة للقضايا العادلة في العالم وعلى رأسها القضية الفلسطينية والقضية الصحراوية وحقّ شعبيهما في تقرير مصيرهما وإقامة دولتهما المستقلتين وتحرير أراضيهما من المحتل الغاشم وفقا لمبادئ الأمم المتحدة والمواثيق الدولية، إلى جانب الدفع بالتكامل الإقتصادي بين مختلف الدول العربية إضافة إلى تطوير العلاقات الثنائية وتشجيع الإستثمارات.
حنون: مناهضة كل تدخل خارجي وتقوية الجبهة الداخلية
أعطت لويزة حنون اهتماما كبيرا للسياسة الخارجية كونها عضوا مؤسسا للوفاق الدولي للعمال والشعوب منذ جانفي ١٩٩١، ولذلك تضمّن برنامجها الرئاسي عدة قضايا، حيث وجهت نداء للشعب الجزائري إلى تثبيت استقلالية القرار في الجانب الدبلوماسي نظرا للتداعيات الخطيرة التي تعرفها المنطقة والإبتزاز الممارس على بلدنا، فأكدت على الموقف التقليدي للدولة المتمثل في عدم المساس بالسيادات الوطنية ومناهضة كل تدخل عسكري خارجي مهما كانت المبررات والذرائع وبغض النظر عمن يفرزه ومن ينفذه.
وتضمّن البرنامج أيضا الدعم اللامشروط والمطلق لحق الشعب الفلسطيني في استرجاع الأرض، كل الأرض لبناء الدولة واقترحت على الشعب دسترة هذا الموقف بصريح العبارة والتزمت أمينة حزب العمال بفتح نقاش حول الإنتماء الإفريقي ومسؤولية الجزائر فيما يخص إنقاذ القارة بتكثيف الجهود لوقف نهب ثرواتها واستنزافها عبر المديونية الخارجية والدفاع عن السيادات الوطنية لترسيخ مسؤولية الجزائر في دستور الجمهورية الثانية في هذا المجال، ويتوجّب أيضا سنّ تشريعات جديدة فيما يخصّ هجرة الأفارقة ومواطني البلدان العربية الغارقة في الفوضى نحو الجزائر تجسيدا لتقاليد الثورة الجزائرية المجيدة وعرفانا للجميل، فيما يخصّ الدعم الذي تلقته من البلدان الشقيقة.
واقترحت إرجاع مكانة الجزائر الريادية وذلك بتقوية جبهتها الداخلية عبر تجفيف كل منابع الضيق الإجتماعي واليأس وعبر إرساء الديمقراطية الحقّة مما يحصّن الأمة.
ويمكن للجمهورية الثانية المحصنّة للأمة أن ترجع تقاليد نجم شمال إفريقيا في منطقة المغرب العربي وتفتح أفقا لكل شعوبها لتتخطى المحن وتعيش في أمان وسلام وتآخي فتواجه التحديات التي تمليها التطوّرات في العالم. وهذا الإهتمام بالسياسة الخارجية في برنامج الويزة حنون نابع من نضالها الطويل، حيث شاركت منذ التسعينات كممثلة لحزب العمال في ندوات مناهضة للخوصصة وأخرى من أجل الدفاع عن المنظمات النقابية واحترام معايير العمل، كما أنّها عضو في لجنة النساء العاملات ولجنة إفريقيا للوفاق وطرف مشارك في كل المبادرات والحملات التي بادر بها التحالف النقابي الأمريكي المناهض للحرب والكونفدرالية الدولية للنقابات العربية والوفاق الدولي للعمال ضد الاحتلال، وهي عضو شرفي في اللجنة الدولية ضد القمع. فالسياسة الخارجية في برنامج مرشحة حزب العمال تقوم على الإحترام المتبادل بين الدول والشعوب وعدم الاحتكار والإستغلال والمعاملة بالمثل مدعمة لقضايا الشعوب التواقة للحرية والسيادة وصون كرامة جاليتنا بالخارج داعمة للقطاع العام ضد الخوصصة ودعم للطبقة الشغيلة في ربوع المعمورة ضد الديكتاتوريات والتعذيب، فهي مناضلة من أجل السلم وتكريس مبادئ الديمقراطية ودفاعها المستميت عن الحريات وحقوق الإنسان في ظل إقامة الجمهورية الثانية.
رباعين.. تعزيز مكانة الجزائر
رغم أن المترشح علي فوزي ربّاعين، رئيس “عهد ٥٤” ركّز برنامجه الإنتخابي على إجراء إصلاحات إقتصادية لتحقيق التنمية، إلاّ أنه أولى أهمية للسياسة الخارجية التي يرى بأنّها تقوم على مبدأ الحق في تقرير المصير بالصحراء الغربية ودعم القضية الفلسطينية وتعزيز مكانة الجزائر جهويّا وإفريقيامن خلال إعادة تحديد دور السّفارات والقنصليات، وأشار برنامج رباعين أيضا إلى أن العلاقات مع الدّول والمنظّمات الدولية يجب أن تكون على أساس احترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها.
وفي هذا الإطار، أولى حزب “عهد ٥٤” أهمّية
لضرورة بناء العلاقات على مبدأ احترام القيم العالمية وتعهّد بالعمل على تقارب الشعوب عن طريق الوسائل السّلمية، رافضا كلّ أشكال العنف والتّمييز.
تواتي...
المصلحة الإستراتيجية أوّلا
لم يتعرّض برنامج المترشح موسى تواتي، رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، بالتّفصيل إلى مبادئ واستراتيجية سياسته الخارجية، واكتفى بسرد المحاور الرئيسية التي جاءت متقاطعة مع المبادئ التي ظلّت ولا زالت الجزائر متمسّكة بها.
وشدّد برنامج تواتي الذي جاء تحت شعار “الجزائر لكل الجزائريين” على ثلاثة محاور أساسية هي:
ـ مراعاة المصلحة الإستراتيجية للجزائر.
ـ التعاون الدولي أساسه الإحترام المتبادل.
ـ مساندة القضايا العادلة في العالم.
بلعيد ... إصلاح المنظومة الدبلوماسية
ركّز أصغر المترشحين سنّا لاستحقاق الـ ١٧ أفريل السيّد عبد الغزيز بلعيد، على إعادة هيكلة وإصلاح المنظومة الدبلوماسية لتحسين صورة الجزائر ووضعها في مكانها المناسب لدى الشعوب ودول العالم وترقية العمل الدبلوماسي إلى فضاء للبحث والعمل يمكّن من جلب الاستثمار الأجنبي وترقية الشراكة. وتضمّن محور السياسة الخارجية في برنامج ممثل “جبهة المستقبل” الذي جاء تحت عنوان إجراء إصلاحات جذرية في المنظومة السياسية والإقتصادية والإجتماعية، عرض وبيع المنتوج والكفاءات الوطنية لدى الأسواق العربية والإفريقية، باعتبارها مجالات مفتوحة للمنافسة ومرافقة المؤسسات والكفاءات الوطنية للتّموقع في مختلف الهيآت الدولية العالمية، الإقليمية والجهوية وكذا المنظمات الدولية غيرالحكومية.
كما حدّد برنامج عبد العزيز بلعيد ثلاث نقاط أساسية توضّح ملامح برنامجه بخصوص السياسة الخارجية وهي:
١ ـ إلتزام الجزائر بالدّفاع عن القضايا العادلة، خصوصا حقّ الشّعوب المضطهدة والمستعمرة في الحرية والإستقلال.
٢ ـ العمل على تحقيق مغرب عربي متكامل إقتصاديا يتنقّل فيه المواطن والسّلع بكل حرّية.
٣ ـ تدعيم بعث مكانة وموقع الجزائر في الهيآت والمنظّمات الدولية، الجهوية والإقليمية.