أستاذ العلوم السياسية بجامعة سطيف، قرن محمد إسلام لـ «الشعب»:

فتح قنصليات بالأراضي الصحراوية المحتلة انتهاك للشرعية الدولية

أجرت الحوار: فضيلة دفوس

أكد الباحث وأستاذ العلوم السياسية، بجامعة سطيف، قرن محمد، في هذا الحوار الذي خصّ به جريدة «الشعب»، أن قيام دول إفريقية بفتح قنصليات لها في المدن الصحراوية المحتلة انتهاك صارخ للقانون الدولي والشرعية الدولية، لافتا إلى أن الدول التي أقدمت على الخطوة تسعى للتسويق لسيادة المغرب على الإقليم المحتل.

قائمة الدول الإفريقية التي قررت فتح بعثات دبلوماسية في مدينة العيون الصحراوية المحتلة في تزايد، ما قراءتكم لهذه الظاهرة، ما أسبابها وما القصد منها؟
قراءتي لارتفاع فتح بعثات دبلوماسية إفريقية في مدينتي العيون والدخلة في الصحراء الغربية المحتلة والذي بدأته جمهورية جزر القمر في أول تمثيل دبلوماسي أجنبي في المنطقة، ثم تلتها كل من غامبيا وكوت ديفوار وغينيا والغابون مؤخرا، على أنه نتيجة عمل دبلوماسي كبير قامت به المملكة المغربية في القارة الإفريقية مستغلة ضعف هذه الدول ومشاكلهم الداخلية، والقصد منه هو تقويض عملية تسوية قضية الصحراء الغربية التي تتم تحت رعاية الأمم المتحدة، وتضرب جهود كل المبعوثين الأممين في المنطقة.
مفارقة عجيبة نقف عليها، وهي أن الدول التي قررت فتح قنصليات لها بالعيون، ليس لها مواطنون بهذه المدينة المحتلة، ما قولكم؟
صحيح جدا هذه الدول الإفريقية لا تملك مبرّرات فتح هذه القنصليات والبعثات الدبلوماسية، فلا هي عندها رعايا ولا تملك أي مصالح اقتصادية أو حتى إيدلوجية، كما لا تشهد مناطق الداخلة والعيون استثمارات كبيرة أو شركات دولية قد تكون دافعا لوجود هذه البعثات، وإنما أصنف ذلك ضمن الدعاية والتسويق الخارجي لأغراض سياسية متعلقة بدعم سيادة المغرب على الأراضي الصحراوية.
فتح قنصليات بالعيون يعارض القرارات الأممية التي تعتبر الأراضي الصحراوية محتلة وتنطبق عليها لوائح تقرير المصير والاستقلال، فلماذا تلتزم الأمم المتحدة الصّمت أمام هذا الخرق الفاضح لقراراتها؟
فتح القنصليات بالعيون والدخلة أكيد هو انتهاك صارخ لمعايير القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وهو يدخل في تقويض عمليات تسوية قضية الصحراء الغربية التي تقوم برعايتها الأمم المتحدة، ولكن صعب فهم صمت هذه المنظمة الدولية على فتح هذه البعثات والقنصليات في الصحراء الغربية المحتلة والتي تؤكد لوائحها أن «المغرب قوة احتلال يجب إنهاؤه في المنطقة»، ولكن يمكن من خلال بعثة المينورسو المخوّلة بتنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية، والتي تم تمديد ولايتها لأكتوبر 2020 كمؤشر عن تقاعس الأمم المتحدة في عمليات الوساطة والتسوية السلمية للقضية الصحراوية، وأظن أن هناك تحولا لصالح المغرب داخل هذه المنظمة وراءه الولايات المتحدة الأمريكية.
الاتحاد الإفريقي هو الآخر لا يحرّك ساكنا لنصرة الجمهورية الصحراوية التي تعتبر عضوا مؤسسا له، فما قراءتكم لهذا الموقف؟
بخصوص الإتحاد الإفريقي أُنبه أن المغرب لم يستطع تغيير الموقف العام لهذا الفضاء الإقليمي، وكان قد انسحب سابقا في 1984 احتجاجا على قبول المنظمة عضوية جبهة البوليساريو، ولكن بانضمام المغرب إلى الإتحاد الإفريقي في قمة أديس أبابا 2017 كان واضحا جدا أن قرار توجيه البوصلة نحو القارة الإفريقية هو إستراتيجي، وهو ما تؤكده الزيارات المكوكية للملك محمد السادس لدول إفريقيا، ولذلك أرى أن ما عجزت عليه على مستوى المنظمة الإفريقية بدأت تحققه على مستوى الدول فرادى لاسيما الضعيفة منها بكسب موقفها من القضية، كما استغلت غياب الدور الدبلوماسي الفعّال للجزائر في القارة والتي مواقفها ثابتة تجاه قضايا تصفية الاستعمار وتقرير مصير الشعوب، ومع ذلك فصمت الإتحاد الإفريقي غير مبرّر مع فتح هذه القنصليات، لأنه يعتبر انتهاكا واضحا للقانون التأسيسي للاتحاد ويصادم مبادئه لاسيما احترام الحدود المورثة عن الاستعمار.
كيف يتصرّف الصحراويون لمنع انتهاك أراضيهم بقنصليات غير شرعية، وهل هناك إجراءات قانونية يمكن إتباعها؟
نعم يمكن للشعب الصحراوي وممثليه أن يدافعوا عن أنفسهم وفق ما يكفله القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية ومجلس الأمن، وأن يفتحوا جبهات لمواجهة هذه الدول بمساهمتها في خرق القانون الدولي في أروقة الإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، كما يمكن مطالبة هذه الهيئات الدولية بالتزاماتها القانونية والأخلاقية وأن تتخذ الإجراءات اللازمة.
يستغل المغرب الصمت الدولي وتعطّل تعيين مبعوث أممي جديد لترسيخ احتلاله بكل الوسائل والطرق الخبيثة، متى تستيقظ الشرعية من سباتها لتنصف الصحراويين؟
لا ينتظر الشعب الصحراوي أن تستيقظ الشرعية الدولية من سباتها لتنصفهم، بل الأمر مرتبط بالشعب الصحراوي ورفضه للوضع القائم وجهوده الجبارة السياسية والدبلوماسية والإعلامية والعسكرية في أخذ حقوقه كاملة، والتعريف بقضيته وتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان وإحراج المجتمع الغربي الديمقراطي.
المؤكّد أن الاحتلال المغربي للصحراء الغربية ما كان ليستمر لولا التواطؤ الذي يتلقاه من فرنسا ومن الذين يشاركونه نهب ثروات الصحراويين، ما قولكم؟
طبعا فرنسا هي أكبر معرقل لتسوية قضية الصحراء الغربية من خلال اعتراضها على بعثة المينورسو وتنظيم استفتاء تقرير المصير وتصفية الاستعمار في القارة الإفريقية، وهذا مرتبط بتواطئها في نهب الموارد الطبيعية للصحراء الغربية وتربطها بفرنسا اتفاقيات اقتصادية تشمل الصحراء الغربية في انتهاك واضح للقانون الدولي وقرارات محكمة العدل الأوروبية التي قضت سابقا بعدم شرعية أي اتفاق بين الاتحاد الأوروبي والمغرب يشمل الأراضي الصحراوية دون استشارة الممثل الشرعي والوحيد جبهة البوليساريو.
هل يمكن أن نشهد اهتماما جديا بالقضية الصحراوية، أم أنها ستبقى في طيّ النسيان و اللامبالاة التي يستفيد، منها المغرب لترسيخ احتلاله؟
يراد للصحراء الغربية أن تبقى طيّ النسيان واللامبالاة ولكن يمكن أن تشهد اهتماما جدّيا بالقضية الصحراوية في أي وقت، لأن الشعب الصحراوي لا يمكن أن يقبل بهذا الوضع ولسنوات طويلة، وهو الذي اختار المسار السلمي والتفاوضي، لكن جبهة البوليساريو الممثل الشرعي لهذا الشعب هي حركة تحررية وخيار المقاومة والكفاح المسلح لها هو خيار استراتيجي قد ترجع إليه إذا اقتضى الأمر.
كلمة أخيرة
ما تقوم به المغرب في الصحراء الغربية لا يعطي لها حق السيادة على الصحراء المغربية، كما لا يمكن أن يكون عائقا في تقرير مصير الشعب الصحراوي، وإنما هو يساهم في إطالة عمر النزاع وعرقلة مسار التفاوض وتأخير تصفية الاستعمار في القارة الإفريقية للأسف الشديد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024