بعد سقوطه فـي الموصـل واستقـراره فـي إدلب

تحذيـرات دوليــة مـن عودة “داعــش”

جمال أوكيلي

بؤر التوّتر المفتوحة اليوم على مستوى العلاقات الدولية، أفرزت اتجاها أحادي الجانب في الخطاب الراهن المستعمل في نطاق ضيّق، كأنه يراد به التستر على قضايا شائكة لا يمكن السكوت عنها أبدا، منها بالأخص العودة الهادئة وبدون ضجيج لـ «طلائع» داعش ليس بالمفهوم التقليدي الذي كان سائدا من قبل، أي التنظيم الصادر عن البغدادي، بل ظهور فصائل مسلّحة أخرى، هذا ما يفسر مقتل ٨٠ جنديا سوريا في أدلب، الأسبوع الماضي، مما يطرح فعلا تساؤلات مشروعة عن خلفيات هذا «الفعل» في الوقت الذي كان الجميع يهلّل لاختفاء هؤلاء بعد طردهم من الموصل.

هذا القلق المتزايد لدى المسؤولين السياسيين والعسكريين في الظرف الراهن، إنما يترجم التخوّف من غرق المنطقة في الفوضى غير المتحكم فيها جراء الانفلات الأمني على الحدود، ظهر جليا خلال الفترة الأخيرة عندما سجل تصعيد خطير في نقاط معينة تبين فيما بعد بأن تفريخ داعش هو الذي يقف وراء زعزعة استقرار تلك الجهة.
وتتعالى الأصوات من هنا وهناك مطالبة بالمزيد من الحذر واليقظة فيما يجري، كان آخرها تصريح لقائد عسكري أمريكي، أشار صراحة إلى هذه العودة والأذى الذي قد يلحقه هؤلاء إن لم يتم التصدي لهم بالسرعة المطلوبة وفي إطار نسق واضح، كما هو معمول به في «التحالف الدولي» وهذه الآلية ما تزال تبحث عن تلك الفعالية في الآداء كونها عجزت في القضاء نهائيا على امتدادات داعش بدليل أن البلدان المشاركة أو المنخرطة فيه تواصل إبداء إستيائها من النشاط المسلح لتلك التنظيمات في مناطق معينة.
هذا الخلط والغموض في الرؤية تعمّده البعض منذ الوهلة الأولى لطرد وسقوط الخلافة في الموصل، والسؤال الكبير الذي كان يبحث عن إجابة مقنعة وشافية.. أين يذهب عناصر داعش المهزومين ؟ وتبعا لذلك طرحت العديد من الفرضيات بخصوص «الوجهة المحتملة» منطقة الساحل، ليبيا، أو البقاء في النقاط الحدودية أو في أوركاهم إدلب وما جاورها لإعادة ترتيب قواه.
خلال طيلة الفترة التي تلقى فيها داعش الضربة القاضية في العراق لم يوّل أدنى اهتمام للبحث عن عمل إستراتيجي لمحاصرة تحركاته، كل ما في الأمر أن الأوروبيين دخلوا في نقاش بيزنطي حول إستعادة الأسرى من أصول أجنبية وعائلاتهم من أطفال وغيرهم وانتظار ما تقرّره المحاكم بخصوص عودة أبناء الإرهابيين ونسائهم هذا الخطأ الإستراتيجي كلف ثمنا باهضا عندما سجل غياب المتابعة من حيث مستقر هذه الجماعات المسلحة، لذلك لا نستغرب من الدعوات الصادرة عن قادة الدول خلال هذه المرحلة حول تنامي الأعمال الإجرامية على أكثر من صعيد وما يزعج حقا هؤلاء السياسيين والعسكريين هو عدم استقرار الوضع في الحدود السورية - التركية، مما يؤدي حتما إلى بوادر من التخوّفات المعقولة من انتشار الإرهابيين على نطاق واسع.
هذه التنبيهات الملّحة تنّم عن وقائع ملموسة لا تفسر على نظرة أحادية، تندرج في إطار عمل جيو-سياسي على حساب التبعات التي تلحق الضرر بالآخر، وهذا للأسف ما نقف عليه اليوم، وهذه الإزدواجية تختلف من طرف لآخر، وهذا فعلا ما يجعل المطلب المتعلق بتعريف مفهوم الإرهاب، إلى غاية يومنا لم يحصل أي إجماع على هذا الجانب من قبل المجموعة الدولية، وما يجري حاليا في جهات من سوريا وخاصة في الشمال الشرقي ينطبق على هذه المعاينة.
وعليه فإن استفاقة المجموعة الدولية لم يأت من فراغ بقدر ما هو إشارات حمراء من أجل التحلي بالفطنة وعدم السقوط في السهولة والاطمئنان المبالغ فيه، كون الخصم اليوم لا تراه يرفض المواجهة المباشرة أو احتلال مدن بأكملها، كما كان الحال في الموصل وحلب وغيرها، وإنما غيّر إستراتيجيته تغيرا جذريا، التراجع والتقوقع والمكوث في القواعد الخلفية وعدم مهادنة الآخر.
ليس من باب الصدف أن ترتفع كل تلك الأصوات مؤخرا لتنذر الجميع من المخاطر المحدقة بالشعوب الآمنة، على أن داعش في طبعته الجديدة على الأبواب لا يحمل تلك الراية السوداء، ولا يأتي في مواكب للسيارات وغيره، وإنما هناك أسلوب آخر في عمله، يختلف عن سابقيه، وهو الآن بصدد تقوية صفوفه وتنظيم أحواله للعودة.
ومؤشرات هذا «الحضور» المرتقب ما فتئ يزداد تأكيدا من طرف الأوساط السياسية والدوائر العسكرية، انطلاقا من التحرّكات المسجلة في بؤر التوتر الراهنة، لذلك يتساءل المتتبعون عن مصدر تلك «القوّة» التي بحوزة داعش في سياق كهذا المتميز بوضع الجميع تحت المجهر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024