إستراتيجية إيران ما بعد مقتل سليماني

إخراج أمريكا من المنطقة ...هل ممكن ؟

جمال أوكيلي

النزاع الأمريكي - الإيراني توقف عند حادثين بارزين لا ثالث لهما إغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني وقصف قاعدتي عين الأسد وحرير في الوقت الذي كان هناك اعتقاد راسخ لدى المتتبعين بأن حجم الرد الوارد في تصريحات القيادات الإيرانية المفجوعة لا يتوقعه أحد سواء الصادر عن المرشد خامنئي أو خليفة المرحوم اسماعيل قا آني أو في الضفة الأخرى نصر الله أو الحوثيين وكل من يسير على هذا الدرب المقاوماتي الرابط على أكثر من صعيد فماذا حدث يا ترى ؟.
الجميع كان تحت وقع الصدمة القوية عندما شعر بأن قائد مغوارا لقي حتفه بتلك الطريقة الغريبة فجرا يغتال من السماء دون عناء ولا مخططات مكلفة كما هو الحال بالنسبة لبن لادن والبغدادي بل أن المعلومة المسربة عن تنقلات هذا المسؤول العسكري كلفته حياته في لحظة من لحظات الغفلة وعدم إدراك حجم التلاشي الأمني في وقت ساعد كثيرا من كان يرصد حركاته ما بين سوريا والعراق ونقاط أخرى.
ما حدث هو أن الإيرانيين وجدوا صعوبة غير مسبوقة في التكيف مع الوضع الطارئ أولا بالسعي السريع للخروج من هذه الحالة النفسية المؤثرة والعميقة وثانيا التفكير في خيارات الرد وهكذا اتضح بأنهم حددوا 35 هدفا أوليا، ومباشرة جاء على لسان ترامب بأن البنتاغون وضع 52 هدفا تحت النار في حالة أي قرار إيراني في هذا الشأن من بينها مواقع أثرية وهذا فعلا ما تعرضت له متاحف بغداد ومدن سورية في السابق من تخريب.
وبالتوازي مع كل هذا كان هناك عمل دبلوماسي يجري على قدم وساق لتخفيض حدة التوتر وتفادي التصعيد الجنوبي بين البلدين عن طريق سويسرا البلد الذي يرعى المصالح الأمريكية في إيران بنقل الرسائل إلى القادة الإيرانيين تندرج في هذا الإطار الرامي إلى تجنب أوزار الحرب.
ويكون هذا الاتجاه هو الغالب بالنسبة لإيران وهذا لعدة اعتبارات منها عدم القدرة على إدارة حرب في ظل العقوبات القاسية المفروضة على هذا البلد، واندلاع سياق مفاجئ يستحيل مسايرته ما لم يحتكم فيه القادة إلى الحكمة وضبط النفس.
لذلك فإن الحرب لم تعد خداعا، بقدر ما هي تفاهم على الرد هذا ما سجله الرأي العام عندما توالت الصواريخ على القاعدة الجوية عين الأسد، وكثر اللغط على ما حدث إثر صدور تصريحات أن جل البلدان كانت على علم بالضربات لكن دون معرفة المكان والاحتمال الأكثر ورودا أن لا تخرج عن النطاق الإقليمي، كون التفكير في سناريوهات أخرى يستدعي وقتا طويلا ولا ندري ما الفائدة من مثل هذا التواصل مع الآخر في ظرف عصيب جدا، ذرف الجميع دموعهم من القائد الأعلى إلى المواطن البسيط حزنا على رجل غير مجرى المعادلة في العراق وسوريا من سيطرة للجماعات المسلحة إلى عودة الدولة المركزية، وانكفاء القوى الإقليمية بقيادة الولايات المتحدة فما هي الإستراتيجية الإيرانية عقب تصفية اللواء قاسم سليماني ؟
التوجه الجديد الذي طفح إلى السطح عقب أحداث السفارة في المنطقة الخضراء، وما تبع ذلك في الوسط السياسي والشعبي في بلاد الرافدين هو السعي لإخراج أمريكا من المنطقة وليس العراق فقط.
هذا المطلب السياسي الجديد الذي تحوّل إلى قناعة عميقة لدى الفعاليات العراقية عقب قصف مقرات الحشد الشعبي بالقائم، لن يقبل به ترامب أبدا، الذي لأول وهلة اشترط تعويضات مالية خيالية مقابل المغادرة التي قننها مجلس الشورى العراقي.
وبالتوازي مع ذلك فإن المسؤولين العراقيين دعو الأمريكيين إلى البحث عن آلية عملية تسمح بالتحضير لكيفية الذهاب من العراق إلا أن الأمركيين رفضوا ذلك رفضا قاطعا وكل ما قالوه اختصر في مكوثهم أكثر من أي وقت مضى عندما أشاروا صراحة إلى دعم التعاون الثنائي من الآن فصاعدا لتكون القاعدة أو المرجعية لأي مسعى مستقبلي أما غير هذا الحديث فلن يقبل به.
رسالة واضحة المعالم إلى الطرف الآخر ألا وهو إيران على أنهم لا يفكرون في ذلك أبدا حتى وإن كان ذلك بأساليب أخرى تعتمد على القوة عنفوانها كانت أكثر ضراوة خلال الاحتلال خلال حكم غاردنر وبريمر وإقدامهم على إسقاط العراق بحل الجيش ومؤسسات الدولة وإحلال محلهم ما هم قائم اليوم.
وقد يكون هذا مطلبا ظرفي تزامن مع التجاوزات الأمريكية على السيادة العراقية زيادة على أن الإيرانيين يبحثون عن مخرج سريع للحصار الإقتصادي المضروب عليهم، هذه أولوياتهم وليس طرد القوات الأمريكية من مواقعها المكتسبة منذ غزو العراق وما تزال صور الجنود الأمريكيين في الصومال عالقة في أذهان كبار الضباط في الجيش الأمريكي.
ولا يريدون تكرار المأساة أبدا في العراق، كما أن حضورهم في النقاط الإستراتيجية أصبح ضعيفا كسوريا ولبنان واليمن.
لذلك فمن الصعوبة بمكان الاعتقاد بأن الأمريكيين سيخرجون من المنطقة بتلك السهولة المرجوة حتى القرار الذي اتخذه النواب العراقيون ما زال محل أخذ ورد قد يتم التراجع عنه بطريقة ذكية هذا ما يعقد إبعاد الأمريكيين من المنطقة فكل الموالين لإيران من حركات ميدانية مرتبطة بواقع أمني في هذا الفضاء لا تستطيع التحرك على كل الجبهات ما عدا الجبهة المعنية بها.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024