حجم أنشطة الجماعات الإرهابية بالمنطقة يقارب 4 مليار دولار سنويا
اعتبر ياسين سعيدي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهاري محمد ببشار في حواره مع « الشعب» ، أن منطقة الساحل تحوّلت الى بؤرة اضطراب دولي بفعل انتقال المجموعات الارهابية من مناطق التوتر بالشرق الأوسط لتستقر فيها، مستغلة الطبيعة البنيوية المأزومة لدولها التي تكبدت خسائر فادحة ووجدت نفسها عاجزة عن المواجهة فدعت المجموعة الدولية للمساعدة.
لكن هذه الدعوة التي جاءت بعد فشل المحاولات الإقليمية والفرنسية في حسم المعركة ضد الارهابيين ، يعتبرها الأستاذ ياسين سعيدي غير ذات جدوى، حيث يقول إنه لا يعرف حالات تدخل دولي حسمت المعركة للبلدان محل التدخل، وبدل ذلك أكد أن ما تحتاجه دول الساحل، هو الدعم اللوجستي والتعاون الأمني والاستخباراتي، وكذا تدريب القوات وتوفير المال حتى تتمكن هذه القوات من مجابهة التطور الحاصل على مستوى أداء التنظيمات الدموية، لأن التدخل الخارجي الميداني – كما أضاف- لن يكون إلا تكريسا وإعادة تحوير للسلوك الفرنسي في معالجة الظاهرة الارهابية.
«الشعب»: لاشك أن مستوى القلق مرتفع نتيجة الانحدار الأمني الذي تشهده منطقة الساحل، ما قراءتكم للوضع هناك على ضوء التصعيد الإرهابي؟
الأستاذ ياسين سعيدي: للأسف الشديد، منطقة الساحل أصبحت بؤرة حقيقية لتنامي حركيات الاضطراب الدولي، والحاصل الآن هو أن هذه المنطقة أصبحت تتعرض لاستقطاب دولي كبير ناجم عن طبيعة التحوّلات السياسية والأمنية في منطقتي الشرق الأوسط، وأذكر بالتحديد سوريا والعراق ومنطقة شمال إفريقيا وأقصد هنا الوضع في ليبيا، لذا فإن مستوى القلق اليوم يرتبط بانتقال الظاهرة الارهابية عبر هذه الفضاءات الجيوسياسية لتستقر وتتوسع ضمن بيئة مضطربة ممثلة في منطقة الساحل، وذلك عبر الطبيعة البنيوية المأزومة لهذه الدول سواء من الناحية السياسية أو التنموية، بالتالي فإن التصعيد في سلوكات الجماعات الإرهابية في المنطقة لم يعد يقتصر على هجمات استعراضية محدودة، إنما امتد دورها إلى محاولات التوطين والبقاء ، ففي بعض المناطق مثل شمال مالي والنيجر، نجد أن بعض الجماعات الدموية قد فرضت نفسها كمقدم للخدمات الاجتماعية والمساعدات الاقتصادية، في ظل هشاشة الدولة المركزية لمواجهة هذه الجماعات التي أصبحت تمتلك القدرات المالية والقوة لجذب الأفراد إليها خاصةً الشباب، حيث قدرت قيمة حجم الأنشطة غير المشروعة بنحو 3.8 مليار دولار سنوياً في منطقة الساحل، وتتمثل أبرزها في الإتجار بالبشر كما يمكن أن يحصل الفرد على حوالي 950 دولار مقابل الإدلاء بمعلومات وأيضاً حوالي 1800 دولار مقابل القيام بتفجير لغم وغيرها، وبالتالي فإن البيئة الأمنية في منطقة الساحل أصبحت هاجسا لهذه الدول نفسها التي لم تعد قادرة على مواجهة هذا الزخم المرتبط بسلوك هذه الجماعات في المنطقة.
- «مجموعة ساحل 5» دقت ناقوس الخطر واستنجدت بالمجموعة الدولية لمحاربة التنظيمات الإرهابية، فهل سيأتي الرد لنشهد تحالفا دوليا لمحاربة الإرهاب في الساحل مثلما وقع في مناطق أخرى؟
الهجوم الإرهابي الأخير الذي تبناه تنظيم الدولة الإسلامية الارهابي بغرب إفريقيا على قاعدة ايناميس بالنيجر قرب الحدود المالية والذي خلف مقتل 71 عسكريا، دليل كاف على أن الوضع يزداد سوءا ويعبّر عن عجز حقيقي في مكافحة الظاهرة، خاصة وأن المنطقة أصبحت تستقطب دمويّي الجماعات الإرهابية من مختلف مناطق العالم، بعد النكوص الذي عرفته هذه التنظيمات في هذه المناطق، وبالتالي فإن حصول هذه الجماعات على هذا الدعم اللوجستي والميداني من خلال نوعية الأسلحة والأموال المخصصة لنشاطها، يطرح تساؤلا حول فرضية التواطؤ أو التباطؤ، ولعل الموقف الأمريكي السنة الماضية برفض دعوة ممان صديقو، أمين القوات العسكرية للدول الخمس التي وجهها الى مجلس الأمن الدولي لتعزيز الدعم لقواته من الناحية اللوجستية والمادية، يعزّز هذا الطرح، لذا فإن دعوة هذه الدول المجموعة الدولية جاء بعد فشل المحاولات الإقليمية والفرنسية لحسم المعركة ضد هذه الجماعات الدموية، بل إنه خلال أربع سنوات الأخيرة تزايد نشاط هذه الجماعات بشكل كبير، ما جعل من هذه الدول توجّه نداء جادا للمجموعة الدولية ضمنيا لسحب هذا الملف من يد فرنسا واعطائه بعدا آخر قد يفيد بحسبهم في مواجهة الوضع الإرهابي المتنامي في المنطقة.
- هل التدخل الدولي أمر محمود أم أن نتائجه ستكون كارثية؟
لا أعرف الكثير من حالات التدخل الدولي حسمت المعركة للبلدان محل التدخل، فأمريكا وحلفائها تورطوا في أفغانستان ولم تحقق أفغانستان شيئا، وفي العراق وغيرها كذلك، أعتقد أن ما تحتاجه دول الساحل اليوم هو دعم من نوع آخر، إنه الدعم الذي طلبه قائد قوات الساحل قبل سنة من مجلس الأمن، وهو متطابق مع الرؤية الجزائرية في دعم هذه الدول لمواجهة خطر الوضع الأمني الصعب وانعكاساته على المنطقة بشكل عام، فما تحتاجه البيئة الأمنية في منطقة الساحل، قد يتلخص في الدعم اللوجستي والتعاون الأمني والاستخباراتي، وكذا تدريب القوات وتوفير المال حتى تتمكن هذه القوات من مجابهة التطور الحاصل على مستوى أداء التنظيمات الارهابية، وبالتالي التوجه نحو القضاء على هذه الجماعات في المنطقة وإنهاء حالة الاضطراب المتزايد فيها، لأن التدخل الخارجي الميداني على ما أظن لن يكون إلا تكريسا وإعادة تحوير للسلوك الفرنسي في معالجة الظاهرة.
- الوجود العسكري الفرنسي في المنطقة يلقى الرفض المتنامي، فما مستقبله ؟
فرنسا جاءت إلى المنطقة بجهود غير كافية، ودعيني أقول لك بأن التواجد الفرنسي في المنطقة كان دافعه جيو تاريخي بالتحديد، لذا فسياسة ملء المكان -إن صحّ التعبير- ليست كافية وأعتقد أن قادة دول الساحل أدركوا بطريقة واضحة أن وجود قوات «بارخان « الفرنسية في المنطقة لا يدعم مكافحة التنظيمات الإرهابية بالشكل المطلوب، ولعل الجدل الذي أثير حول طريقة دعوة الرئيس الفرنسي الأخيرة لقادة الدول الخمسة للاجتماع في جنوب فرنسا دليل على امتعاض قادة هذه الدول من التعامل الفرنسي مع القضية الأمنية في الساحل، خصوصا وأن الهجوم الأخير في النيجر وقع على بعد مسافة قريبة جدا من مكان تمركز القوات الفرنسية، وبالتالي فإن دعوة قادة دول الساحل للمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته حول الوضع الأمني في المنطقة في أعقاب قمة النيجر الأخيرة، دليل على أن فرنسا لا تتعامل بالشكل الذي كان منتظرا منها لإحراز تقدم في مجال مكافحة الإرهاب، ولعل تهديد ماكرون بسحب قواته من المنطقة يعكس حالة من التوتر المتبادل في هذا السياق.
- بتصوّركم، كيف يمكن حل المعضلة الأمنية في منطقة الساحل؟
لازلت معتقدا أن التهديدات النسقية من ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة وغيرها بقدر ما هي تهديد لكيان الدولة في المنطقة، بقدر ما تتغذى كذلك من الطبيعة البنيوية المأزومة للدولة في الساحل وإفريقيا عموما، أعتقد أن التدخل الفرنسي في شمال مالي كان بطلب من الرئيس المالي السابق، وليس الأمر محل اتهام وإنما يعكس طبيعة عدم الاستقرار السياسي الذي عرفته هذه الدولة خلال تلك الفترة، أقول هذا الكلام، لأنني لازلت مؤمنا بأن تجاوز الأزمة الأمنية في مالي مرتبط بتجاوز حالة الترّهل السياسي والتنموي في المنطقة، فحالات الاستقطاب والانتشار للجماعات الإرهابية تعكس حالة غياب سلطة الدولة في عديد المناطق، لكن الأمر في الوقت ذاته يحتاج إلى دعم دولي حقيقي لتجاوز الأزمة البنيوية، وهو الاعتقاد الذي سوّقته الجزائر وتبنته من خلال دورها في مساعدة الماليين عن طريق ميثاق المصالحة بين الفرقاء الماليين في 2015 والذي كان يدعم أرضية التوافق السياسي والاجتماعي والأمني باعتبار هذه السياقات متداخلة ولا يمكن الفصل بينها، إذن حل المعضلة الأمنية في المنطقة لا بد أن يمر عبر مؤسسة الدولة أولا، والدعم الدولي للجهود المستمرة في سبيل حل هذه الأزمة، فالاشكال الكبير اليوم، هو أن نشاط الجماعات الإرهابية يتطور ويتصاعد، في حين أن سبل المكافحة والمعالجة لا يشجع على التوازي المطلوب والتقدم الندي نحو القضاء على مهددات البيئة الأمنية في المنطقة ككل.