فرنسا تتخبّط في مالي وتستنجد بالحلفاء
يقف الدكتور حسام سلمان، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3 في حواره مع «الشعب»، عند التردّي الأمني الذي تشهده منطقة الساحل الأفريقي وتزايد اعتداءات المجموعات الإرهابية التي تستهدف المدنيين كما العسكريين والقوات الدولية والفرنسية على وجه الخصوص التي تعرضت مؤخرا لأسوأ ضربة وأكثرها إيلاما منذ أربعة عقود.
الدكتور سلمان يعتقد بأن التنظيمات الدموية بالمنطقة ازدادت قوّة بعد أن تعزّزت صفوفها بدمويين قادمين من مناطق التوتر بالشرق الأوسط عبر البوابة الليبية التي أصبحت مفتوحة على كلّ المخاطر، كاشفا عن دور قوى كبرى تغذي هذه التنظيمات لتديم الأزمة في الساحل بما يخدم مصالحها حتى باتت قدرات الإرهابيين أكبر من قدرات جيوش المنطقة.
وأمام هذه الانتكاسة الأمنية، يقول الدكتور سلمان أنه لابدّ من استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب لا تقتصر فقط على الخيار العسكري.
« الشعب» تعرض الجيش الفرنسي الأسبوع الماضي لأسوأ ضربة منذ أربعة عقود، حيث قُتل 13 من عساكره في اصطدام مروحيتين بمالي، ما هي قراءتكم لهذا الحادث وانعكاساته على التواجد الفرنسي بمنطقة الساحل الإفريقي؟
الدكتور حسام سلمان: في البداية أشير إلى تزايد تردّي الأوضاع الأمنية في مالي واتساع دائرة نشاط الجماعات الإرهابية بالساحل الافريقي، إذ تعرف في الفترة الأخيرة تصعيدا خطيرا في الهجمات الإرهابية التي تستهدف الثكنات العسكرية والقوات الدولية في المنطقة، فقد تكبّد الجيش المالي خسائر كبيرة بشرية ومادية، حيث عرف شهر نوفمبر هجوما استهدف دورية عسكرية في «تابانكورت» بمنطقة غاو شمال مالي، خلّف مقتل أكثر من 30 عسكريا، بعد أسبوع فقط من عملية أخرى خلّفت مقتل 53 عسكريا، ويمثل هذا مؤشرا خطيرا على تمكن التنظيمات الإرهابية من إعادة بناء قدراتها، ليأتي حادث تصادم طائرتين مروحيتين فرنسيتين خلال مهمة ضد الجماعات الإرهابية التي تنشط في الساحل الافريقي، والذي خلف مقتل 13 عسكريا، ليرفع من تكلفة التدخل العسكري الفرنسي في مالي منذ 2013، إذ تعد هذه الخسائر الأكبر، وقد نفت قيادة الأركان الفرنسية أن يكون الحادث على صلة بتنظيم داعش الإرهابي، في الوقت الذي أكد فيه هذا الأخير بأنه كان السبب في وقوعه، وكشفت ذلك تقارير أمريكية، إلا أن هذا لا يقلل من شأن الحادث، بوصفه ضربة قوية، تكشف عن تعقيدات الوضع في مالي، ولعلّ دعوة فرنسا القوى الدولية لدعمها، يكشف عن عجزها في المنطقة، ورغم أن السلطات الفرنسية كشفت عن استمرار قواتها في مالي، (تنشر فرنسا أكثر من 4500 عسكري في دول الساحل الخمس: بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد)، إلا أنه بات من الضروري إعادة النظر في الاستراتيجية الأمنية المتبعة في المنطقة.
جيوش الساحل عاجزة عن التصدي للتنظيمات الإرهابية
- هذا الحادث دقّ ناقوس الخطر لينبّه العالم إلى تنامي النشاط الإرهابي بهذه المنطقة، فما أسباب تزايد العمليات الإرهابية بالساحل، ولماذا الفشل العسكري في مواجهة التنظيمات الدموية؟
كشف هذا الحادث على تصاعد خطير في المدّ الإرهابي بمنطقة الساحل الافريقي، وبالفعل هناك مؤشرات عن تمدّد للتنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل، أين تمّ نقل الارهابيين من عدة تنظيمات دموية في سوريا والعراق إلى المنطقة، بعدة طرق وفي بعض الأحيان بشكل مكشوف يُعبر عن دور قوى كبرى ودعمها للإرهاب، ولعلّ أحد أبرز أسباب تزايد الهجمات الأخيرة هو الأسلحة النوعية التي اكتسبتها هذه التنظيمات الإرهابية، بالنظر للعمليات الهجومية، والتي تعمل من خلالها على الاستثمار فيها إعلاميا من أجل كسب المزيد من المجنّدين، ثم إن التدخل الخارجي وخاصة الفرنسي في مالي هو مبرّر لاستمرار الهجمات الإرهابية، وبهذا فقد كان عاملا سلبيا على المنطقة ككل، ولم يساهم في القضاء على الظاهرة الإرهابية وتحجيمها، وعن أسباب الفشل العسكري في مواجهة الإرهاب، يمكن الإشارة إلى أن المنطقة عبارة عن بؤرة معقدة جيولوجيا وعرقيا، بما يجعل من الحل العسكري غير فعّال لوحده، بالنظر لقدرة هذه التنظيمات على توظيف حرب العصابات، كما أنها تركز على الانتشار التنظيمي وليس السيطرة المكانية، إذ تتوزّع المجموعات الإرهابية في أكثر من منطقة دون السيطرة، فضلا عن نقص التمويل والتدريب لجيوش دول المنطقة، الأمر الذي فاقم من العجز عن التصدي لهذه التنظيمات الإرهابية، كما أن هناك أطرافا تغذي التنظيمات الإرهابية لتديم الأزمة في المنطقة، بما يخدم مصالحها.
قوى أجنبية تستغل الإرهاب للسيطرة على المنطقة وثرواتها
- الضربة التي تلقتها القوات الفرنسية، تزامنت وحالة السخط الكبير تجاه التواجد العسكري الفرنسي في المنطقة، حيث خرج متظاهرون في مالي أكثر من مرة مطالبين بإنهاء هذا التواجد، ولم يتردّدوا في اتهام باريس بالتساهل مع الإرهابيين بل وحتى التواطؤ معهم، لماذا هذا السخط تجاه فرنسا؟
صحيح، فقد تزايدت المشاعر المعادية للتواجد الفرنسي في مالي ومنطقة الساحل، في تحوّل عكسي بعدما كانت هذه الشعوب ترحب بالدور الفرنسي في المنطقة، ومرد ذلك هو مرتبط بتكاليف الاعتداءات الإرهابية الأخيرة التي دفعت فيها القوات المحلية الثمن الأثقل، إذ تكبّد الجيش المالي خسائر كبيرة، بالنظر الى تواتر العمليات الإرهابية، والعمليات الانتقامية التي تستهدف القوات النظامية والسكان المدنيين في القرى النائية، وهو ما ولّد حالة من الخوف بسبب تراجع الأمن في مالي وفشل الحكومة المالية والقوات الأجنبية في توفير الحماية والاستقرار، كما كشفت بعض العمليات عن توريط للجيش المالي دون دعم جوي من فرنسا، الأمر الذي أدى لسقوط عدة قتلى في صفوف الجيش المالي، واتهام فرنسا بالتواطؤ مع التنظيمات الإرهابية، فسكان مالي أصبحوا ينظرون إلى أن القوات الأجنبية هي من تشعل النيران في المنطقة، لتضمن بقاءها فيها بوصفها رجال الإطفاء، فهذه القوى الأجنبية تستعمل الإرهاب للسيطرة على المنطقة وثرواتها، كما أن طول مدة مهمة القوات الفرنسية في المنطقة وعجزها هو أيضا فاقم في حالة الرفض والغضب، وتجدر الإشارة إلى أن حالة السخط من تواجد القوات الأجنبية ستشكل دافعا وعنصر دعم يساعد التنظيمات الإرهابية على استقطاب المناوئين لوجود تلك القوات الدولية، مما يعزّز من خيار التعايش مع التنظيمات الإرهابية لدى السكان المحليين.
ماكرون بين انتكاسة مالي وأزمة السترات الصفراء
- ماكرون تأثّر كثيرا بحادث المروحيتين، ودعا إلى تحالف الجميع لمحاربة الإرهاب في الساحل، فهل سنرى تحركا دوليا لمحاربة الإرهاب في هذه المنطقة؟
بدا على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تخبط واستياء وشعور بالانتكاسة في مالي، خاصة أن هذا الحادث يضيف للرئيس الفرنسي مشاكل أخرى داخليا إضافة لما تعرفه فرنسا مع أزمة احتجاجات السترات الصفراء، وهو ما يحدّ من طموحاته الانتخابية، أما عن دعوته للدعم الدولي في محاربة الإرهاب، فهي سياسة لطالما درجت عليها فرنسا كلما تعرضت لهجمات إرهابية، بيد أن واقع الأرض يكشف عن فشل استراتيجي فرنسي في المنطقة، ولا أعتقد أن الوضع في مالي سيذهب إلى تحرّك دولي بشكل واسع، على الرغم من أن المنطقة تعرف نشاط عدة فرق عسكرية واستخباراتية من عدة دول، ويبدوا أن ما يبحث عنه الرئيس الفرنسي هو موارد مالية لتعزيز قواته أكثر في منطقة الساحل.
التنظيمات الإرهابية تمدّدت عبر البوابة الليبية
- هل تعتقدون بأن التنظيمات الإرهابية في الساحل استقطبت دمويين تم دحرهم في سوريا والعراق؟
بلا شكّ، كما أشرت سابقا، هناك تمدّد للتنظيمات الإرهابية من الشرق الأوسط إلى الساحل، والأمر مرتبط بخدمة أجندات القوى الداعمة والممولة للإرهاب، بل هناك تقارير تشير إلى تنقل بعض أفراد التنظيمات الإرهابية نحو أوروبا للراحة ثم العودة للنشاط في مناطق أخرى كالساحل، ومن جهة أخرى لما ننظر إلى خريطة التنظيمات الإرهابية في المنطقة، نجد أن أبرزها هي تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» و»جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، وتنظيم «داعش»، وهو ما يعبّر عن تمدّد «داعش «من سوريا والعراق إلى الساحل الافريقي، خاصة مع قيام بعض التنظيمات الإرهابية بمبايعة هذا التنظيم الدموي الذي قد يؤدى مقتل زعيمه في سوريا «أبو بكر البغدادي»، إلى التحوّل نحو الساحل الإفريقي، عبر بوابة ليبيا بالنظر لاستمرار الأزمة السياسية والهشاشة الأمنية فيها.
الحل العسكري وحده غير مجد
- قوة «بارخان» الفرنسية و«مينوسما» الأممية و«مجموعة5 ساحل»، تعدّدت القوات لكنها ميدانيا فشلت في تحجيم الخطر الإرهابي الذي نراه على العكس يكبر ويتمدّد، لماذا؟
في تقديري إن «دولنة» منطقة الساحل هو أحد أبرز أسباب التردي الأمني، واتساع وتمدّد الظاهرة الإرهابية، إذ على الرغم من تعدّد العمليات العسكرية الدولية من عملية «سيرفال» إلى «برخان» الفرنسية، وبمشاركة جيوش إفريقية (قوات مجموعة 5 ساحل، التي تضم أكثر من 5 آلاف من جيوش دول الساحل الخمسة)، أو القوات الأممية التي يقدر تعدادها بحوالي 15 ألف دون حساب القوات النظامية، فإنها ميدانيا لم تحقق أهدافها، إذ لم تتمكن من القضاء على المجموعات الإرهابية، والدليل على ذلك الهجمات الارهابية المكثفة التي تنفذها في الأشهر الأخيرة عدة تنظيمات إرهابية، وعن أسباب هذا الفشل فيمكن الإشارة إلى الهشاشة الحدودية التي تتيح حركة سلسة للمجموعات الإرهابية، فضلا عن سوسيولوجيا التنظيمات الإرهابية في ارتباطها مع التركيبات القبلية والعرقية في المنطقة، حيث تتماهى هذه التنظيمات الإرهابية مع القبائل، بما يصعب من إمكانية تحييدها وتحديدها للقضاء عليها جذريا، ما يجعل من الحل العسكري غير فعال في ظل الطبيعة المركبة والمعقدة للتهديدات اللاتماثلية (الإرهاب).
- الإرهاب زاد من وتيرة عملياته في مالي، وتجلى واضحا أن هذا الواقع يعرقل تنفيذ اتفاق السلام وعودة الاستقرار، كيف تقيمون الوضع في الجارة الجنوبية؟
تعد مالي الأكثر - من بين دول الساحل - تعرضا للهجمات الإرهابية الأخيرة، وقد عبّر عن ذلك رئيسها، إبراهيم أبوبكر كيتا، في تعليقه على خطورة الوضع الأمني، قائلا: «نحن في حالة حرب»، في إشارة بليغة لحالة اللااستقرار في مالي، والعجز الذي يواجهه تنفيذ اتفاق السلام، وتبرز هنا مخاوف من قيام هذه التنظيمات الإرهابية المتطرفة باستغلال بعض الحركات السياسية المسلحة والقبائل في عملياتها، بما يفتح جبهة صراع جديدة، قد تحبط فرص بناء السلام، وتعزز من عوامل الصراع في مالي والمنطقة ككل.
الجيش الجزائري .. يقظة لدرء أي خطر خارجي
- مع هذا الخطر الجاثم على حدودها الجنوبية، تواجه الجزائر تحديا أمنيا كبيرا، كيف تتعامل معه؟
الجزائر أدركت منذ البداية بأن التدخل العسكري في مالي سوف تكون له تبعات كارثية على الأمن والاستقرار في كامل المنطقة، ولذلك تجد الجزائر نفسها في مواجهة هذه الأوضاع، محاطة بقوس استراتيجي خطير، بالنظر للتنظيمات الإرهابية الناشطة على حدودها، والقوى الأجنبية المتواجدة في المنطقة، ورغم أن الجزائر ظلّت متمسكة بخيار عدم المشاركة بقواتها خارج حدودها، إلا أنها تتحمل عبئا أمنيا كبيرا، ما يفرض عليها توسيع دائرة الاستخبارات ومراقبة الحدود، والتنسيق الأمني مع دول الجوار في الكشف عن حركة وتنقلات التنظيمات الإرهابية وخطّطهم، ومصادر تمويلهم، ويبقى الجيش الوطني الجزائري هو صمام أمن حدود الجزائر والضامن لاستقرارها.