لا يستبعد حزب الله الفرضية السياسية التي مفادها أن «كيانه» مستهدف إن آجلا أو عاجلا من قبل أجزاء من الحراك اللبناني، وهذا ما يستشف ويلمس من إطلالات نصر الله في كل مرة، يشعر فيه أن الضغط في الشارع يزداد حدة في دلالات الرسائل الموجهة علنا وعلى المباشر ليصحح ويوضح المواقف ويعدّل المسار الشعبي في توجهاته تارة عشوائية وتارة أخرى صائبة في التصريحات والشعارات المعلن عنها والمرفوعة في تلك الفضاءات.
نسجل هنا أن حزب الله يتابع عن كثب وبدقة ما يجري في الساحات حتى لا تتجاوزه الأحداث ويحمّل ما لا طاقة له به، في ظرف كهذا المتميز بالاستثناء كمحاولة تجريده من المبادرة الداخلية وعزله وحتى تهميشه ومنعه من صناعة آفاق هذا البلد وهذا ما يترجم سعي البعض لتشكيل جهاز تنفيذي يطلقة عليه صفة «الاختصاصيين «أو «التقنوقراطيين» وهذا يعني ضمنيا أنه لا وجود للسياسيين وهذا ما يرفضه عون الراغب في صيغة المناصفة أي خير الأمور أوسطها. وهذا الخيار الأكثر واقعية في سياق كهذا.
ويعتقد البعض أن «الفلتان النفسي» الذي يشهده لبنان وبلوغه سقف غير متحكم فيه، من ناحية التحلي بالانضباط في الانتماء الحزبي أو غيره فرصة تاريخية لا تعوض في التشويش على بوصلة قادة حزب الله في معرفة اتجاهات الحراك من ناحية طبيعة المطالب المتكررة، التي تريد إبعاد يد هذا التنظيم في إدارة ما يجري وفق أجندة مضبوطة لا تلحق أبدا الضرر المادي والمعنوي بالحزب، وهذا ما يسعى هذا الأخير العمل عليه منذ اندلاع هذه الحركة الجماهيرية باستعمال خطاب التهدئة واستمالة الآخر، في إطار الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية التي لم تأت من العدم بل هي نتاج تضحيات الرجال الذين قاوموا اسرائيل منذ الحرب الأهلية، الاجتياح والمواجهة المباشرة مع الكيان الصهيوني إلى غاية طرده شر طردة من أراضي الجنوب وتلقيه ضربات موجعة في سنة 2006.
هذه الانتصارات الوطنية الباهرة والتاريخية أقلقت الكثير وفهم قياديو حزب الله أن هذا سيكلفهم ثمنا باهضا وسيدفعون فاتورة ما أنجزوه وإن كان في السابق بأقل درجة لكن تظهر اليوم تداعياته بقوة خلال هذا الحراك إلى درجة إلى إبداء تخوفات مما يطبخ في الخفاء.
لبنان مفتوح اليوم على كل المبادارات الخيّرة والمساعي الحميدة قصد ايجاد التسوية المأمولة المتوّجهة نحو تطبيع الوضع سياسيا، والخروج من هذه الضائقة وفق ما تقتضيه التفاهمات المطلوبة في مثل هذه السياقات الحساسة، ولا يتحفظ نصر الله عما يصدر عن الفرقاء في لبنان، بقدر ما تساوره الشكوك الكبيرة إزاء ما يأتي به الأجانب أو بالأحرى إملاءات الخارج قصد محاولة تكسير هذا التنظيم واختراقه في خضم هذا التداخل الحراكي، أو فتح جبهة أخرى لمحاصرته بالتنسيق مع أطراف ثانية.
وهكذا فإن القيادة السياسية في هذا الحزب وقفت صامدة في وجه كل المحاولات الأمريكية قبل الحراك، الرامية إلى تأديب مسؤوليه وممارسة عليهم المزيد من الضغط لإجبارهم على تنازلات معينة، بعد طرد داعش من الحدود اللبنانية والتصدي للمجموعات المسلحة في سوريا والعمل سويا مع إيران خاصة عسكريا هذا كله أقلق إدارة ترامب التي كانت تبحث عن الرد، ولم تجد سوى معاقبة أو بالأحرى فرض عقوبات على مسؤولي الحزب أو تصنيفهم في خانة الإرهابيين.
إمتدادا لهذا التوجه فإن الإستراتيجية القادمة تنبني على إدارة الفضاء السياسي في لبنان من قبل الدوائر الخارجية وخاصة الولايات المتحدة من أجل اعتراض عودة حزب الله إلى الحكومة وأولى مؤشرات ذلك هو استقبال 3 لبنانيات والاستماع إلى شهاداتهن أمام اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا والإرهاب الدولي، بالكونغرس الأمريكي.. ويتعلق الأمر بحنين غدار باحثة، كارلا حمود باحثة، مونا يعقوبيان محللة.. بالإضافة إلى ماورد على لسان جيفري فلتمان السفير الأمريكي السابق.
هؤلاء أرادوا التأثير القوي على الإدارة الأمريكية من أجل حمل مسؤوليها على ممارسة الضغط على الرئيس عون من أجل إبعاد حزب الله من القرار اللبناني وترك فكرة حكومة الكفاءات قائمة حتى لا تضم السياسيين، كما كان الحال في السابق .. زيادة على فك الارتباط بين الثلاثي: حركة أمل، التيار الوطني الحر وحزب الله، وهذا فعلا ما يراود كل أولئك الذين وجدوا في الحراك المنعطف الحاسم لتغيير المشهد الحالي.. غير أن القيادة اللبنانية الحالية ترفض هذا المنطق المبني على الحلول السهلة والجاهزة التي لا تراعي واقع البلد على المدى البعيد.. وتكتفي بما هو أمام أنفها فقط وهذا في حد ذاته انتحار ومغامرة إن تم إلغاء مكونات هذا البلد.