لبنان اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول متعلق بالمخرجات السياسية والاقتصادية الصادرة عن السلطة «الرئاسة والحكومة» والثاني المنبعث من الحراك الشعبي الحامل لمطالب تصاعدية غير مستقرة أو ثابتة عند سقف معين بل في كل مرة تأخذ منحنيات شتى غير متحكم فيها نظرا لتداخلها أحيانا وتعقدها أحيانا أخرى.
بالرغم من هذه التفاعلية الثنائية الظاهرة علنا واقترابها من دائرة القبضة الحديدية بين الطرفين تارة وتراجعها تارة أخرى، فإن الخطاب الحزبي وجد نفسه محاصرا لم يستطع التغلغل إلى هذا الوسط، كونه لم يرق إلى التطلعات الشعبية، في مقاصده الكبرى، الرامية إلى تقديم الإقتراحات العملية القادرة على الخروج من هذا المأزق.
لم نسجل في هذا الإطار ذلك التوجه القائم على حماية الدولة الوطنية اللبنانية الضاربة بأطنابها في أعماق التاريخ النضالي والمقاومتي الرافض للهيمنة والطغيان والاحتلال المدوّنة بأحرف من ذهب لعناوين الانتصار في هذا البلد الغالي بعبقرية أبنائه الأشداء على الدخلاء والغرباء.
هذا الخطاب الوطني الجامع والموحد اختفى للأسف وذهب ضحية كثرة اللغط من هنا وهناك، وأولى مؤشرات ذلك سرعة حزب القوات لمطالبة وزرائه بالخروج من الحكومة فورا وعدم الانتظار أكثر لكن لم يحدث أي شيء بعد مفاوضات شاقة مع جعجع كي لا ينسحب ومن جهته اقترح «جنبلاط» الذهاب الجماعي من الجهاز التنفيذي، أي بدءا من سعد إلى أعضاء الحزب الاشتراكي ..في خضم هذه الضغوط لدفع الحريري على الرحيل.. خالف حزب الله هذه القاعدة من خلال إعلانه الوقوف إلى جانب الحكومة الحالية، مما أثار فعلا هزّة قوية في وسط المتتبعين.
أمام تزايد الحضور بالساحات العمومية مدّ السيد ميشال عون يده للجميع مبديا استعداده للحوار، لكن للأسف هذه المبادرة ذهبت أدراج الرياح ولم تلق الاستجابة المرجوة من قبل المتظاهرين الذين للأسف تصلبوا في مواقفهم الرافضة لأي اتصال بالسلطة بالرغم من المحاولات الجنينية الأولى القائمة على محاولة إقامة جسر التواصل مع الحراك لمعرفة حقيقة إنشغالاته بعيدا عن أي وصايات أخرى لا تظهر تحرك الوضع دون أن يشعر الآخر بذلك.
وكثرة الموجات البشرية في كامل أنحاء لبنان طمست فعلا المساعي الموجهة لإيجاد الحلول المطلوبة بدليل أن الإجراءات العاجلة التي أعلنها سعد بخصوص الشروع في إرساء مبادئ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة أمام الوعاء الضريبي مرت على الجميع مرور الكرام، وكأنها لا حدث بدليل أنها لم تفعّل على أرض الواقع وبقيت مجرد حبر على ورق نظرا لسرعة الأحداث في البلد، وتغير الأولويات في زمن قياسي خارجة عن نطاق السياسيين ويتجلى ذلك في طبيعة ما يجري في الميدان، خاصة إقدام البعض على إغلاق الطرقات مانعين مرور شاحنات الطحين والبنزين وغيرها هل هذا معقول؟ .. من الصعوبة بما كان الاجابة عن هذا السؤال لكن هذا السلوك غير الحضاري له تـأثير مباشر على العباد والبلاد قد يتحول إلى «تصحير» للوضع الراهن جراء تجويع الناس وحرمانهم من المواد الغذائية الواسعة الاستهلاك والأساسيات الأولية والضرورية الواجب أن توفرها الدولة للمواطن مهما عظم الخطر، على أن تكون حاضرة تؤدي ما يعرف بالخدمة العمومية لجميع الناس، خاصة خلال الأوضاع الاستثنائية والحالات المرتبطة بالتطورات غير المتوقعة.
ولا يمكن وصف ما يحدث بالانسداد كل ما في الأمر أن الإجماع العفوي حاصل حول مغادرة الفعاليات السياسية والحزبية لسدة الحكم متهمين إياهم بشتى الاتهامات العديدة وهذا المطلب مرفوض ضمنيا من لدن قصر بعبدا والسراي على أساس تفادي الفراغ المؤسساتي الذي قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه.
هذا الخط الثابت الحالي يتبع على قاعدة أن جميع المؤسسات الحالية منتخبة ولا يمكن بين عشية وضحاها حلها هكذا وموعد تجديدها ما زال فعلا بعيدا، لذلك فإن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان إلى متى هذه القبضة الحديدية بين السلطة والحراك.. بالتأكيد فإن الأيام القادمة تحمل الحلول المعدّة لاحقا.. وفي هذا السياق أشار حسن نصر الله صراحة إلى ذلك عندما دعا الشباب إلى اغتنام فرصة الحوار، والخوض في هذا المسعى الحضاري، وتبعا لذلك طالب بممثلين لهذا الحراك حتى تعرف هوية هؤلاء المتواجدين في الشارع منعا لأي اختراقات غير محمودة تستهدف القوى الحية في البلد والفرصة مواتية في مثل هذه الظروف في لبنان وهذا فعلا لا يقلق قيادة حزب الله في الوقت الراهن، أي معرفة دقيقة للجهات التي تشرف سرا على هذا الحراك وفي أجندتها الوصول إلى حزب الله كان آخرها طائرة «درون» ولا ندري ما يعد في هذه «الحركة» للبنان انتقاما من استقراره.