الأحداث المسلّحة بشمال سوريا لم يتسن لمتتبعي فصول أطوارها من العودة إلى الحديث وبشكل مرعب عن «داعش» على أن عناصر هذا التنظيم الإرهابي الذي هم في السجون فروا إلى وجهات أخرى جراء تعرض أماكن اعتقالهم إلى القصف المكثف ولم يلقوا حتفهم، بل استطاعوا أن ينجوا بأعجوبة، هكذا تتوارد الروايات الخبرية على مسامع الرأي العام.
ما إن تداولت هذه المعطيات بسرعة البرق سارعت قيادات الأركان في الدول الغربية إلى الإعلان عن حالة الاستنفار القصوى وهذا بعقد اجتماعات عاجلة للمجالس العليا للأمن، لبحث ما مدى صحة ما يقال هنا وهناك، ووضع الآليات اللازمة خاصة منها العسكرية لمواجهة هذا الخطر الداهم. والذين تعالت أصواتهم من أعماق تلك المناطق، يدركون جيّدا أن تلك البلدان لا تتحرك إلا في حالة واحدة، ألا وهي ذكر مصطلح داعش هنا تثور ثائرة كل من كان يرى بأن ما يحدث بعيد عن تعرض أمنه القومي إلى التهديد إذا فالأمر لا يهمه ويعني بالدرجة الأولى من هم متواجدون هناك.
غير أن القناعة العميقة لدى الكثير من أولئك يعتقدون جازمين بأن داعش ما زال عبارة عن خلايا نائمة يتحين الفرص السانحة كي يظهر مخالبه ويكشر عن أنيابه، لذلك فإن الشغل الشاغل هو كيفية عدم السماح لهذه العصابات، وعناصرها من إلحاق الأذى ببلدانها عن طريق أتباعها المنتشرين في أكثر من عاصمة أوروبية.
من جهة أخرى، فإن الإستراتيجية المراد اتباعها هي محاربة داعش على أراضي تواجده وإلحاق به الهزيمة هناك حتى لا يتمدد إلى مناطق أخرى أو يحاول لملمة نفسه كما كان الحال في الموصل وفي نقاط أخرى من سوريا ولبنان، وبدرجة أقل في جهات حاول أن تستقر فيها .. لكنه تقوقع بمجرد سقوط الخلافة في شمال العراق.
لم تنتظر هذه الدول تطورات أخرى بمجرد أن بلغها الخبر، شعرت فعلا بأن هناك تغيرا في الوضع طرأ فجأة والمنطق يستدعي التصدي له فورا خاصة إذا تعلق الأمر بمحاولة بعث داعش ومداعبة البلدان الغربية كي تراجع مواقفها إزاء المستجدات في شمال سوريا.. وتقف عندما يقال بأن الهدف هو ضرب معاقل الإرهاب.
قادة هذه البلدان لا يهمهم ما يجري هناك وإنما الضجة المفتعلة هي من أجل إثارة قضية «داعش» لا أكثر ولا أقل وهذا بالمطالبة بالمزيد من المعلومات الاستخباراتية حول حقيقة ما يجري ومن يقف حقا وراء هذا الهروب ؟ وهل هذا صحيح أو مجرد بالون اختبار لقياس مدى التفاعل السريع مع الأوضاع الراهنة، ومحاصرة الخطر في المهد وعدم تركه يزداد اتساعا.
وعليه، فإن تنظيم داعش تلقى ضربات قاتلة في العديد من المواقع التي كانت بحوزته إضطر على إثرها إلى الهروب إلى فضاءات أخرى، لحماية نفسه من الملاحقات اليومية، والمطارادات المتواصلة لإضعاف قدراته على المواجهة، وهذا ما أصابه في الصميم في الوقت الراهن، وهكذا ليس من الصدف أن يصرح وزير خارجية روسيا «بأن الحرب في سوريا انتهت»، وهي إشارة واضحة إلى أننا لا ننتظر مواجهات مسلحة أخرى من الآن فصاعدا خاصة بالنسبة لتلك التنظيمات التي كانت منخرطة في لعبة اقليمية تهدف إلى تغيير جذري في منظومة التوازنات حتى تنفرد إسرائيل بالقرار على مستوى تلك المنطقة.
وهكذا فإن السؤال الذي يتطلب الإجابة عنه في خضم التخويف بعودة داعش، أين تلك الجحافل من عناصره المدججة بالأسلحة الفتاكة ؟.
هناك من ألقي عليه القبض ويوجد في المعتقلات، لكن ما هي وجهات الآخرين الذين انتهت مهمتم المكلفين بها؟ لا شك أن مستعمليهم يدركون جيدا الأماكن التي عليهم الذهاب إليها التي لن تكون إلا باتجاه منطقة الساحل للاستقرار هناك انطلاقا من وجود ظروف مواتية منها القدرة على التغلغل إلى ليبيا وتبعا لذلك السير باتجاه مناطق شاسعة في النيجر ومالي وحتى موريتانيا وما جاورها بوركينا فاسو.
لذلك، فإنه لا يعقل التصديق بأن كل هؤلاء يوجدون في حدود البلدان التي كانت مسرحا مفتوحا لمعارك طاحنة وإنما تم توزيعهم هنا وهناك ومن الصعوبة نقلهم إلى شرق آسيا أو شيء من هذا القبيل، نظرا لعدة إكراهات منها بُعد المسافة وأقرب مسار يتخذونه ذلك الذي يقودهم إلى النقاط الآمنة ريثما يعيدون تنظيم أنفسهم لإدماجهم في سيناريوهات أخرى تعد وتطبخ في مخابر من أشعلوا المنطقة.
حتى وإن كان السياق غير موات بالنسبة لهؤلاء إلا أن الحسابات ما تزال سارية المفعول في القراءات الظرفية الحالية ..حول كيفية العودة إلى ساحة الأحداث بلباس آخر غير داعش وهذا ما يتوقع في حالة عسكرية مستبقلا هنا وهناك.