تسير المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية بخطى متعثرة وهذا منذ شهر جويلية الماضي، نظراً للتباعد المسجل في وجهات النظر بخصوص نقاط عديدة وردت فيما يسمى باتفاق - الإطار الذي طرحه وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، وحدد له ٣٠ أفريل القادم كآخر أجل لاستكمال الاتصالات الثنائية.
ويبدي الطرف الفلسطيني تخوفا من تداعيات المواقف المتطرفة لنتنياهو الذي يرفض رفضا قاطعا أي تنازل عن أفكاره المتصلبة لكل ماهو حق فلسطيني، متمسكا فقط بخيط “الاعتراف بيهودية دولة إسرائىل” وبناء المستوطنات، أي كل ما له علاقة وطيدة بترسيم الاحتلال أكثر من أي وقت.
هذه “الشروط المسبقة” لا يقبل بها الفلسطينيون مهما كان الأمر، وهي غير مدرجة في تصور كيري وإنما أكذوبة من الأكاذيب التاريخية لإسرائيل، كما اعتادت على ذلك. وفي هذا السياق، نفى قياديون في حركة “فتح” نفياً كاملا ما ورد على لسان السيد نبيل عمرو بأن هناك أفكارا فلسطينية تتبلور حول ذلك الاعتراف، وهذا عن طريق ياسر عبد ربه، واصفا مثل هذا التوجه بالخطر الداهم على القضية الفلسطينية لا يترك أي هامش آخر خلال مفاوضات السلام. وبالتوازي مع ذلك، فإن الإعلام الإسرائيلي رفقة السياسيين، يستغلون في الوقت الراهن أي كلام صادر عن الفلسطينيين، كان آخرها تشويه تصريحات رئيس السلطة أبو مازن أمام مجموعة من الطلبة الإسرائيليين في رام الله بخصوص اللاجئين الفلسطينيين في الشتات.. على أنه “لا يريد إغراق إسرائيل بهم”.. الكثير من هؤلاء اعتقدوا أنه تراجُع في مواقف رئيىس السلطة الفلسطينية.. وهذا في الوقت الذي تثار ضجة مفتعلة حول محمود عباس بأنه ليس شريك سلام بالنسبة لإسرائيل.
ففي كل مرة يلوحون بأسماء يرونها قريبة منهم، كمحمد دحلان، الذي يعتقدون بأنه المؤهل للسير في مخططاتهم الرامية إلى تدعيم احتلالهم للأراضي الفلسطينية وطرد شعبها وتشريده.
هذه الارهاصات المكشوفة تبين حقا بأن هناك مقدمات خطيرة جدا لقادة إسرائيل في إعداد الجو المناسب لفرض تلك الآراء الجهنمية خلال الأشهر القادمة التي تلي المهلة المقررة بآخر شهر أفريل.. ويكون الجميع نفسيا على استعداد لإثارة هذه المسألة والدفاع عنها كشرط من شروط إنجاح المفاوضات المرتقبة.
هذا المناخ السياسي العام يطبل له اليوم في إسرائيل بشكل يومي، لعل وعسى أن تختصر القضية الفلسطينية في الاعتراف بيهودية الدولة الاسرائيلية فقط. أما باقي المطالب الجوهرية فالسلام عليها… وهذا ما يفسح المجال واسعا للتفوق الإسرائيلي السياسي بعد كل الفشل الذي مُني به منذ اتفاقيات أوسلو في الاستحواذ على المبادرة في صناعة المفاوضات.
وعلينا اليوم إدراك السياق العام الذي تأتي فيه هذه المفاوضات، ومعنى ذلك أن هناك المفاوض الفلسطيني فقط، خلافا لما كان عليه في السابق من حضور قوي للجانب المصري والسوري والأردني واللبناني.. هذه البلدان تعتبر مرجعية في مساندة القيادة الفلسطينية في العديد من المسائل الحساسة، خاصة بالنسبة للأردن البلد الوحيد القادر على الوقوف اليوم إلى جانب هذا الشعب، نظرا لاطلاعه الكبير على الملف ورفضه التجاوزات الإسرائيلية، كما يتمتع بعامل الاستقرار مما يسمح له حقا بأن يرافق الفلسطينيين في هذه المرحلة الشائكة والضغط الأمريكي ـ الإسرائيلي لتمرير أفكار هدامة وآراء خبيثة لتغيير المشهد الجيو - استراتيجي في الشرق الأوسط في غياب البلدان العربية سالفة الذكر، القادرة على صنع الفارق في المفاوضات مع إسرائيل، فنحن اليوم أمام اللاتوازن في هذه المنطقة.