إبعاد مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون من البيت الأبيض من طرف ترامب، لم يؤسس لتوجه جديد في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ما عدا إشارات ضعيفة المعالم تجاه ايران، استقبلها مسؤولو هذا البلد بالرفض القاطع.. وعدم مسايرتها في حينها انطلاقا من قناعتهم العميقة، بأن محتواها لم ينضج بعد. مجرد بالون اختبار يراد منه قياس مستوى المواقف المناوئة للإدارة الأمريكية.
هكذا فقد وصف ترامب، بولتون بأوصاف أقل ما يقال عنها بأنها لا تليق وفي غير مقامها مستعملا مصطلح «الكارثة»، وهذا كفيل بأن يفهم ضمنيا بأن الرجل لم يعد شريكا في وضع سيناريوهات مواجهة الآخر، وما عليه إلا مغادرة تلك القلعة عاجلا دون الالتفات إلى الوراء بعد أن دخل في مناوشات وملاسنات حادة مع الفريق العامل مع ترامب لتمرير خططه المبنية على عنصر القوة لتأديب الشعوب الصامدة في وجه الغطرسة والتجويع.
تداعيات هذا القرار لم يتحمس له المطلعين والموافقين للذهنية الأمريكية اعتقادا منهم بأن التغيير لن يكون غدا، بل يعدوهما والأكثر من هذا سرابا إن صدقه البعض وساروا على دربه، إلى غاية يومنا هذا لم يطرأ أي تغيير في رؤية الإدارة الأمريكية لما كانت تطلق عليهم بمحور الشر والدول المارقة، ايران، سوريا، مع اسقاط كوريا الشمالية من القائمة. أضاف في الوقت الحالي حزب الله، أي تكسير خيار المقاومة.
وتنحية بولتون مجرد حفظ لماء الوجه فقط تحت ضغط المستشارين الآخرين تاركا الجمل بما حمل، ليفسح المجال لتوجه آخر لم تتبلور معالمه بعد، وهوبصدد التشكيل، أوقل محتشم.
لا يريد الإفصاح صراحة عن مراميه وظهر ذلك في أولى بوادره على لسان وزير الخارجية بوسيوالذي تحدث قائلا: «نريد سلاما مع إيران» هذا الكلام جاء في سياق غير موات بتانا إذا ما استحضرنا تصريحات الرئيس الإيراني بالأمم المتحدة الرافض لأي تقارب مع الأمريكيين في ظل العقوبات الاقتصادية ضد هذا البلد والتي بلغت أقصاها لم تضرب أي بلد فيما سبق.
في مقابل ذلك، فإن أصوات أخرى لها تأثير قوي في البيت الأبيض ما تزال تشدد على العقوبات ويرفع لواء ذلك وزير الخزينة، في كل مرة يصعد من لهجته تجاه ايران يقرنها مباشرة بحزب الله ففي خضم هذا التوزيع للأدوار لا يرجى أي مؤشرات ملموسة توحي بأن التسوية ستكون في الآجال القريبة، وذهاب بولتون لم تتبعه أي مساعي حميدة تبشر بالخير، كما توقعها المتتبعون للشأن الأمريكي.
هكذا فإن ما يحزّ في نفسية ترامب أنه لم يحقق الأهداف المرسومة تجاه إجبار ايران على الاستلام طواعية لشروطه، بالتخلي عن الصناعة الحربية بالرغم من كل ما تم تجنيده من وسائل فتاكة لالحاق الأذى بذلك البلد، وضرب حصار محكم على شعبه لدفعه على التمرد والتوازن.
والإيرانيون من جهتهم تجاوزوا مرحلة الصدمة القوية والقاهرة وهم بصدد تسيير مخلفات هذا «العدوان» وما فعلا ضربهم في الصميم هو تأثرهم البالغ بحرمانهم من الاستفادة من النظام المالي في معاملاتهم وبتبادلاتهم التجارية السريعة، بالرغم من وجود الآلية الأوروبية كقناة مفتوحة لصالح ايران.
في هذا الظرف الحساس لا يتوقع انفراج الوضع في الآفاق القادمة، بناء على الأمر الواقع الذي يفرضه الأمريكيون، ويرفضه الايرانيون وفي هذا الاطار فإن الرئيس روحاني أسمع الوفد الأمريكي ما يكفيه من كلام عن العقوبات الاقتصادية المطبقة جورا وظلما عليه لمنعه من اكتساب ناصية العلم إلى حد أنه نعت ما يتعرض له شعبه بـ «الإبادة» وبالرغم من ذلك فإن الأمريكيين يجدون لذة لا مثيل لها في تعذيب الشعوب وتكون رسالة روحاني قد وصلت بالتمام إلى البيت الأبيض قصد إعادة النظر فيما اقترفوه من خنق علني لم تقره أي قوانين.
توقع الكثير لقاء مباشرا بين ترامب وروحاني لكن حادثة «أرامكو» شوّشت على هذا الموعد بعد اتهام هذا البلد بتدبير الهجوم، وكم من مرة أبدى الإيرانيون رفضهم لأي اجتماع ثنائي ما دامت العقوبات ماكثة على صدور قيادتهم وشعبهم، وفي المقابل يتعمد ترامب بعدم رفعها خوفا من انتعاش محور المقاومة، ونقصد هنا حزب الله الذي يتعرض لحصار غير مسبوق، لقطع عنه كل تمويل، ولم يكتف الأمريكيون بذلك، بل يتنقلون إلى غاية بيروت لمطالبة الدولة المركزية بعزل حزب الله حتى في بلده، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل كان آخرها «الرد المدروس» على القوات الاسرائيلية في جنوب لبنان، وفهم الجميع أن القيادة اللبنانية تؤمن ايمانا قاطعا بمعادلة «الجيش، المقاومة، والشعب»، وهكذا لم يغادر «الصقور البيت الأبيض