صداقة تاريخية وشراكة إستراتيجية مع الجزائر
يعد المسجد الأعظم بالجزائر العاصمة، الطريق السيار شرق غرب، المركز الدولي للمؤتمرات عبد اللطيف رحال، محطة السكك الحديدية الجديدة، أوبرا الجزائر، مشاريع أخرى أنجزت من مؤسسات صينية و30 ألف عامل صيني يساهمون في تطوير الجزائر اقتصاديا واجتماعيا، في نظر الجزائريين بطاقة زيارة للصين.
لكن وكما يقول لي الأصدقاء الجزائريون في غالب الأحيان، «فإن الجزائر العاصمة ليس كل الوطن»، فإن الانجازات التي سردناها، لا تمثل الصين في أبعد مداها وكبرها. لا تعبر عن الصين البلد الكبير، بحضارة عريقة تمتد إلى 5 آلاف سنة، إقليم يتربع على 9.6 مليون كلم 2، وكثافة سكانية تقدر بـ 1.3 مليار نسمة.
يعد أول أكتوبر عام 1949 يوما عظيما في تاريخ الأمة الصينية وهو يصادف اعلان تأسيس جمهورية الصين الشعبية، مما يبشر بأن الأمة الصينية أنهت تاريخها الذي امتد أكثر من 100 سنة، وحققت الاستقلال والتحرر بشكل كامل.
أول أكتوبر، يمثل العيد الوطني لجمهورية الصين الشعبية، حيث مرت، أمس، الذكرى 70 لتأسيس هذا البلد سنة 1949. انه يوم استثنائي يحمل الكثير من الدلالات، وبصفتي سفيرا للصين بالجزائر، أقدم حصيلة انجازات الصين والصداقة الصينية الجزائرية حاملة كل الأمل والمكاسب.
منذ 70 سنة من إعلان جمهورية الصين الشعبية، وضعت الامة الصينية،حدا لعهد سابق بائد، مستبدلة إياه باستقلال وطني تام وتطلعات كبرى للبناء والتطور اعتمادا على الذات في كل شيء. فقد شرع الصينيون ابتداء من هذا التاريخ، في مسيرة طويلة تستجيب لأهداف مستقبلية، متخذين من عظمة حضارة عمرها 5 آلاف سنة، اضافة لجهود في سبيل بلوغ الغايات بأسرع سرعة واقصر مدة زمنية وأقل تكلفة، تجسدت خلال 70 سنة من المسيرة مثلما تترجمها الأرقام. فقد باتت الصين خلال هذه الحقبة، القوة الاقتصادية الاولى في العالم وهي تضع نصب الاعين بلوغ الريادة في هذا المجال.
شهدت الصين التغيرات الكبيرة والإنجازات المرموقة خلال 70 سنة الماضية منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، واستقبلت الأمة الصينية طفرة تاريخية عظيمة من النهوض ثم الاغتناء ووصولا الى تعزيز القوة، وهي تتقدم في طريق نحو هدفها الطموح لتحقيق النهضة العظيمة.
تتقدم في طريق بناء دولة قوّية الاقتصاد
على مدار 70 عامًا الماضية، شهد الاقتصاد الصيني تغيرات تاريخية، تطور من واقعه الفقير في بداية تأسيس البلاد حتى أصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مما يخلق معجزة في تاريخ التنمية الاقتصادية العالمية.
ارتفع إجمالي الناتج الاقتصادي الصيني من 30 مليار دولار أمريكي في فترة بداية تأسيس البلاد إلى حوالي 13.7 تريليون دولار أمريكي في العام الماضي، وإنه يمثل حوالي 16 % من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي ويحتل المرتبة الثانية في العالم.
يحتل احتياطي النقد الأجنبي الصيني المرتبة الأولى في العالم لمدة 13 عامًا متتاليًا وتجاوز 3 تريليونات دولار أمريكي في عام 2018؛
أصبحت الصين أكبر دولة في مجال التصنيع وتتصدر العالم في انتاج أكثر من 200 نوع من المنتجات الصناعية.
بلغ إجمالي الواردات والصادرات الصيني 4.6 تريليون دولار أمريكي في العام الماضي ويحتل المرتبة الأولى في العالم لمدة عامين متتاليين.
جذبت الصين الاستثمارات الأجنبية غير المالية بقيمة 135 مليار دولار أمريكي وأصبحت ثاني أكبر دولة يدخلها رأس المال الأجنبي في العامين المتتاليين.
منذ انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، ساهمت بأكثر من 30 % في النمو الاقتصادي العالمي لسنوات عديدة متتالية، وقد لعبت وكما ستلعب دورا مهما في تعزيز النمو الاقتصادي العالمي كصمام الأمان ومحرك قوي.
في طريق بناء دولة قوّية علميا وتكنولوجيا
على مدار 70 عامًا الماضية، واصلت الصين تعزيز قدرتها في مجال العلوم التكنولوجية والبحث المبتكر وتربية فرق الكفاءة للبحث والابتكار، مما جعلها تتصدر العالم في مجال العلوم التكنولوجية والبحث المبتكر.
في السنوات الأخيرة، احتلت الصين المرتبة الأولى في العالم في مجال حجم التعليم العالي وعدد المتخرجين السنوي من الجامعات والمعاهد، وقد أصبحت ثاني أكبر دولة للاستثمار في أعمال البحث والابتكار مما جعلها تتصدر العالم في عدد الباحثين وعدد طلبات براءة الاختراع.
بالاضافة إلى ذلك، حققت الصين إنجازات مهمة في مجال التكنولوجيا الحديثة ومن ضمنها مركبات فضائية مأهولة ومشروع استكشاف القمر واستكشاف أعماق البحار والعلوم الكمية والكمبيوتر فائق السرعة والملاحة عبر الأقمار الصناعية، وازدهرت في تطوير االتكنولوجيا المعلوماتية الحديثة مثل البيانات الضخمة والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي.
تتقدم في طريق بناء دولة قوّية في تحسين معيشة شعبها
على مدار 70 عامًا الماضية، تحسنت معيشة الشعب الصيني يوما بعد يوم، ويتمتع أكثر من 400 مليون مواطن صيني بالدخل على مستوى متوسط، مما يشكل أكبر مجموعة من أصحاب الدخل المتوسط في العالم.
على مدار 40 عامًا الماضية منذ تنفيذ الحكومة الصينية سياسة الإصلاح والانفتاح، تخلص أكثر من 700 مليون فقير صيني من الفقر وساهمت الصين بأكثر من 70% في التخلص من الفقر على مستوى العالم مما خلق أعظم معجزة للتخلص من الفقر في تاريخ البشرية.
في عام 2018، بلغ معدل التخرج للطلاب الصينيين الذين تمتعوا بالتعليم الإلزامي لمدة تسع سنوات 94.2 % .
انضم أكثر من 1.3 مليار مواطن صيني إلى نظام التأمين الطبي الوطني بما يتم تغطية التأمين الطبي الوطني أغلبية المواطنين بشكل أساسي، وارتفع متوسط العمر المتوقع في الصين من 35 عاما في فترة بداية تأسيس البلاد إلى 77 عاما سنة 2018.
في العام المقبل، ستنجز الصين بناء مجتمع رغيد الحياة على نحو شامل، وتصبح تطلعات الشعب الصيني إلى حياة جميلة واقعا تدريجيا.
الصين تتقدم في طريق بناء دولة قوّية دبلوماسيا
على مدار 70 عامًا الماضية، التزمت الصين بسياسة خارجية سلمية ومستقلة واستراتيجية الانفتاح القائمة على المنفعة المتبادلة، واحترمت الحضارات والثقافات المختلفة، وتعايشت مع الدول الأخرى تعايشا سلميا، وقامت بالتعاون مع المجتمع الدولي قائمة على مبدأ الكسب المشترك. وهي ستظل بانية للسلام العالمي ومساهمة في التنمية العالمية وحامية للنظام الدولي.
في عام 2013، طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ مبادرة «الحزام والطريق» ومفهوم بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية. وقد أصبحت مبادرة « الحزام والطريق» منتج عام دولي مقبول بالعالم وحصلت على ردود إيجابية من أكثر من 160 دولة ومنظمة دولية وبما فيها الجزائر.
أما بالنسبة إلى مفهوم بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، قد تحولت من مبادرة مطروحة من الجانب الصيني إلى توافق في المجتمع الدولي، وقد تم كتابة هذا المفهوم في قرارات ووثائق المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجموعة العشرين، بما يقدم الخطة الصينية لدفع قضية السلام والتنمية البشرية.
ستظل الصين متمسكة بطريق التنمية السلمية، وتنفيذ مفهوم التعاون القائم على المنفعة المتبادلة، ودعم النظام الدولي القائم والتجارة الحرة ومعارضة الهيمنة التجارية. وستظل الصين تتمسك بالتعددية ومعارضة الأحادية، والالتزام بالتعاون قائمة على المنفعة المتبادلة ومعارضة فكرة الغالب والمغلوب. وستظل الصين مشاركة بنشاط في إصلاح وبناء نظام الحوكمة العالمي من أجل دفع بناء العالم يسوده السلام الدائم والأمن والازدهار المشترك والانفتاح والتسامح والنزاهة والجمال.
61 سنة من العلاقات الدبلوماسية بين الصين والجزائر
يصادف هذا العام الذكرى السنوية 70 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، كما هو العام 61 الذي تساير فيه الصين والجزائر يدا بيد. على مدار 61 عاما منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، تظل الدولتان كالأخوين الحميمين الصديقين العزيزين والشريكين الموثوقين؛ اليوم نقف في نقطة الانطلاق التاريخية الجديدة، ونحن واثقون بأن العلاقات بيننا لها آفاق واسعة وإمكانيات هائلة.
إن الجانب الصيني سيواصل الوقوف مع الجانب الجزائري، ويدعم التنمية الجزائرية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية وغيرها، ومستعد لتعزيز التناسق الاستراتيجي وبناء «الحزام والطريق» وتوسيع تعاون المنفعة المتبادلة في شتى المجالات مع الجانب الجزائري، مما سيعمق تنمية علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين وينفع مصلحة الشعبين.
تضرب علاقات الصداقة الخاصة بين الصين والجزائر بجذورها في أعماق التاريخ. في عام 1958، أقامت الصين العلاقة الدبلوماسية مع الحكومة المؤقتة الجزائرية، وأصبحت أول دولة غير عربية اعترفت بها.
في عام 1971، اتّخذت الدورة السادسة والعشرون للجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 2758 بأصوات الأغلبية الساحقة، مما استعاد المقعد الشرعي لجمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة، وساهمت الجزائر في هذا الشأن مساهمة مهمة لا ينساها شعب الصين أبدا.
في عام 2014، تمت إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والجزائر بحيث دخلت علاقات البلدين المرحلة الجديدة للتنمية على نحو شامل. منذ بداية العام الجاري، بفضل الجهود المشتركة المبذولة من الجانبين الصيني والجزائري، تواصل العلاقات الثنائية الحفاظ على زخم التنمية الجيدة تحت إرشاد علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
تتعزز الثقة السياسية المتبادلة بين البلدين بشكل مستمر
يواصل الجانبان الدعم والتأييد الثابت بعضه لبعض فيما يتعلق بالمصالح الجوهرية لدى الجانب الآخر، وتكثيف التنسيق والتعاون في الساحة الدولية وحماية المصالح المشتركة للدول النامية. ويستمر الجانبان التواصل والزيارات المتبادلة على مختلف المستويات ويعملان بشكل ناشط على دفع التنمية السليمة والمستمرة لعلاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والجزائر .
تواصل المؤسسات الصينية مشاركة بشكل ناشط في مسيرة البناء الاجتماعي والاقتصادي في الجزائر، قد تم انجاز أو تسليم عدة مشروعات البنية التحتية من المؤسسات الصينية، وبما فيها مسجد الجزائر الأعظم ومطار الجزائر الجديد.
الجدير بالذكر، تحقيق حجم التبادل التجاري بين الصين والجزائر تزايدا في ظل انكماش مستمر للاقتصاد العالمي. وبحسب احصائيات جمارك الجزائر، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 5.2 مليار دولار في النصف الأول للعام الجاري، وزاد حجم الاستيراد الصيني من الجزائر بنسبة %36.4 عماّ كان عليه في العام الماضي، وأصبحت الصين أسرع دولة في زيادة حجم الاستيراد من الجزائر من بين شركائها التجارة الرئيسية؛ أما بحسب احصائيات جمارك الصين، زاد هذا الرقم بنسبة %61.5 عمّا كان عليه في العام الماضي.
يتعزّز التعاون الإنساني والثقافي بشكل مستمر
يعد التعاون الطبي والصحي جزءا مهما في التعاون الودي بين البلدين. وفي ماي العام الجاري، وقّعت حكومتا الصين والجزائر البرتوكول الجديد عن إرسال الفريق الطبي الصيني إلى الجزائر، ويعمل 81 طبيبا من الفريق الطبي الصيني الجديد في 8 ولايات مختلفة بالجزائر حاليا.
كما يتعزز التعاون الصيني الجزائري في مجال التربية والتعليم خلال السنوات الأخيرة. يسافر مئات من الجامعيين الجزائريين إلى الصين للدراسة كل عام، كما يدرس عشرات الطلبة الصينيين في الجزائر. وعمل الجانبان على توسيع وتعميق التعاون في مجالات التكوين المهني والتدريب التكميلي للمدة القصيرة وغيرها، مما دفع التواصل والتبادل الإنساني والثقافي حتى يرسم الصفحات الجديدة للصداقة الصينية الجزائرية.