هل ينبغي انتظار سنوات أخرى لضبط خارطة طريق اتحاد المغرب العربي؟

سعيد بن عياد

بغض النظر عن الخلفيات التاريخية المشروعة لبناء تكتل اتحاد المغرب العربي الذي يقطع ربع قرن من الوجود القانوني والمؤسساتي على ما يعتريه من جمود وشلل خارج بعض المكاسب المتواضعة، فان السؤال الذي يطرح بإلحاح على القادة قبل الشعوب، لماذا لم يتقدم بالوتيرة المطلوبة خاصة في ظل تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية وبالأخص تلك التي ضربت الاتحاد الأوروبي المثل النموذجي للتكتل الإقليمي والشريك الأول لبلدان المغرب العربي؟.
بالرجوع إلى المواقف السياسية والنوايا المعلنة من كافة أعضاء الاتحاد الذي يتوفر على أوراق قوية للنهوض، تتأكد القناعة المشتركة لمواصلة بناء المسار بكامل أسسه خاصة الاقتصادية والاجتماعية، في ظل اتجاه المنظومة الدولية إلى نمط هيكلي جديد يعتمد مقاربة التجمعات الإقليمية التي ترتكز على الخصوصيات والمقدرات الاقتصادية. وتطرح مجموعة ‘’بريكس’’ التي تضم الدول صاحبة المبادرة لكل من البرازيل، روسيا، إيران وجنوب إفريقيا، مثالا واقعيا على إمكانية تجسيد التطلعات المشتركة في مواجهة المحيط العالمي الشرس بقيادة الدول الصناعية الكبرى. ولكن هل ينبغي انتظار ربع قرن آخر للتوصل إلى ضبط خارطة طريق حقيقية لهذا الإطار الذي بقدر ما يواجه صعوبات وعراقيل من داخله، بقدر ما يتعرض أيضا، وهذا أمر خطير وهام ، لضغوطات وتأثيرات من محيطه الإقليمي الواسع الذي يمتد للفضاء المتوسطي والأوروبي، من اجل إبقاء المنطقة منكمشة على نفسها حتى تبقى مجرد سوق استهلاكية واسعة ومصدر للموارد الطاقوية التقليدية والمتجددة مستقبلا وبأسعار يدفعون لفرضها من جانب واحد على حساب الحقوق المشروعة للبلد المصدر.
ومنطقي الاعتقاد ان اعادة التقاط الخيط الذي يقود الى تجسيد حلم النسيج المغاربي بكافة الطموحات والتطلعات المتوازنة والقائمة على مصالح المشتركة والمتبادلة للدول والشعوب في اطار التعاون والتضامن والانفتاح في ظل التزام صريح وارادي بالمبادئ والقوانين الدولية. وهذا المسعى ممكن اليوم اكثر من اي وقت مضى بالنظر لارتفاع لائحة التحديات التي تواجه بلدان المنطقة الجيواستراتيجية والتي توجد في صدارة اجندة القوى العالمية التي تمسك بدواليب النظام العالمي وتضغط لفرض تصورها بما يضمن مصالحها لعهود طويلة.
بلا شك ان قضية الشعب الصحراوي ومسالة احتلال المغرب للصحراء الغربية منذ سنة 1975، بعد ان تسلمت بطريقة تخالف القانون والعرف الدوليين الاقليم من الاحتلال الاسباني بموجب اتفاقية مدريد، لا تزال تسمم المناخ في المحيط المغاربي، بالرغم من ان المسالة حطت في رحاب منظمة الامم المتحدة حيث تدور جولات لا تتوقف بين المغرب وجبهة البوليساريو على اساس حق تقرير المصير من خلال تنظيم استفتاء يحدد الحل الذي يرضى به الشعب الصحراوي. ومثل هذا المسار من شانه ان يكرس مناخ الاستقرار ويعزز عنصر الثقة الجماعية بما يمهد السبيل لاطلاق جسور التعاون وارساء اسس ودعائم البناء المغاربي لتنصرف بلدانه وشعوبه لمهام التنمية والاستثمار التشاركي الذي يستجيب للاهداف الكبرى المسطرة من القادة المغاربيين على اساس المعالم التي يضعها الخبراء. وبالطبع سيوفر مثل هذا التوجه فرصا لا يمكن تصورها لفائدة اطراف الاتحاد اذا ما اعتمد المقاربة التي سار عليها الاتحاد الاوروبي، ذلك ان خيار الفضاء الواسع والمفتوح ومراجعة بديله الذي يقوم على الانطواء والحذر المفرط والنزعة التوسعية، سيكون المفتاح العملي للمستقبل. وبلا شك ان ما يبحث عنه المغرب مثلا من وراء احتلاله للصخراء الغربية سيعثر عليه في الوسط المغاربي المفتوح، باعتبار ان الاتحاد المغاربي بالمفهوم الواسع والديمقراطي والعادل الذي يرتكز على معايير الحكامة والقانون والحرية، سيوفر البديل من خلال تكثيف الاستثمارات الكبرى المندمجة وتحرير حركة رؤوس الاموال وتنقل الاشخاص.
لكن مثل هذا الطموح سوف يواجه مقاومة من الاطراف المغاربية التي تعاني من عقدة التاريخ والتي لا تزال رهينة تصورات غريبة ولم تعد اصمد امام حقيقة الذاكرة، كما لن ترضى له القوى الاقليمية التي بنت قوتها بالاتحاد لتحولها الى راس حربة تخترق بها الاسواق الاستهلاكية كما هي الوضعية في المغرب العربي، حيث النمو الديمغرافي يتزايد ومعه الاحتياجات التي تتطور الى تحديات لن يرفعها سوى التفاف السلف حول خيار سطره الخلف من الاجيال الاولى التي عبدت الطريق المغاربي نحو الحرية التي لها مضمون واحد لا يمكن تشويهه. وفي لحظة تاريخية مثل ذكرى اعلان قيام اتحاد المغرب العربي قد تواكبها لحظة وعي تقود الى اعادة تصحيح الخيارات لما فيه خير الشعوب، علما ان العيب ليس في الخطأ مهما كان فادحا وانما في التصميم عليه دون جدوى ما ما عدا اضاعة مزيد من الفرص والوقت وهدر الموارد، فهل يدرك المخطئ فداحة التكلفة.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024