خرجت تونس من عنق الزجاجة لتترك ازمتها السياسية خلفها بعد ان عرف الفرقاء كيف يضعون قطار الديمقراطية السليمة على السكة الصحيحة بفضل ادراك حركة النهضة للمخاطر التي تحدق بمستقبل تونس كمجموعة متجانسة يتربص بها الارهاب، ومن ثمة اختارت التنازل من اجل ان تنجو السفينة بمن عليها من ابناء الشعب الواحد، وهو موقف يحسب لقادة حركة النهضة التونسية الذين اظهروا قدرة على فهم الواقع وتجاوز كل ما من شانه أن يسقط بلدهم في فخ الصراعات الحزبية الضيقة، فانتصروا لخيار التعايش مع التنوع والاختلاف في ظل الحريات الفردية والجماعية التي لا تؤثر إطلاقا على مكسب الانسجام وروح الانتماء.
كانت تونس الخضراء أول بلد انتفض شعبه في وجه الاستبداد والامر الواقع الداخلي المزيف، واول بلد - ممن اجتاحهم ما يعرف بالربيع العربي - يفلت من قبضة الفوضى التي يرافقها تسونامي الإرهاب كما الذي يعصف بعدد من البلدان والمجتمعات العربية التي انزلقت إلى أتون حرب مدمرة تاتي على الاخضر واليابس. ويوجد أكثر من مثال لمشهد الاقتتال الحزبي والفئوي إلى درجة تدمير الذات بل الواقع أشبه بانتحار جماعي يغذيه ‘’جن السلطة’’ و’’عفريت المعارضة’’.
وبالفعل تغلبت تونس على انانية السلطة التي يولدها التحزب المتطرف، وسقطت حسابات الاغلبية والاقلية امام المصلحة الوطنية الكبرى بابعادها الإقليمية، علما أن لتونس موقع جيواستراتيجي يثير اهتمام أقوياء العالم، كما يشغل بال الجوار من منطلق الحرص على المكاسب المشتركة التي تندرج في السياق التاريخي، والاحتياط من أي تدخل أجنبي في جوانب أزمة السلطة التي يبدو أنها ‘’أنهيت’’ بالموافقة على دستور جديد يمهد السبيل للانتقال الديمقراطي ويرسخ التداول طبقا للإرادة الشعبية ويمنع ‘’تغول الأغلبية’’ أو ‘’تمرد الأقلية’’ الحزبية.
وليس غريبا على الاطلاق ان يؤدي رئيس الحكومة في تونس ما بعد مرحلة الانسداد زيارته الأولى إلى الجزائر البلد الجار والشقيق، الذي لم يغمض له جفن طيلة الدوامة التي كادت ان تجرف أبناء الشعب التونسي المسالم والرصين إلى صراعات فتاكة، ولم تبخل الشقيقة الكبرى بالنصح والتشاور لادراك مرفأ النجاة والرسو بسفينة ما بعد البوعزيزي الى بر الأمان.
وفي هذا الإطار فان العلاقات بين البلدين تتطلع إلى مرحلة تعاون وشراكة أكثر ديناميكية، بالارتكاز على الأسس التاريخية الراسخة التي رواها الشعبان بامتزاج الدماء وتقاسم محن الاستعمار، وليس من أدل على ذلك من الذكرى الخالدة لضحايا ساقية سيدي يوسف التي تعرضت في 8 فيفري 1958، لعدوان حربي نفذه الجيش الاستعماري الفرنسي انتقاما من الأشقاء بتلك المدينة البسيطة لاحتضان تونس أرضا وشعبا الثورة التحريرية الجزائرية.
وفي ضوء هذا المناخ يمكن البناء لمستقبل العلاقات المغاربية وفقا لقيم ومبادئ الطبعة الأصلية التي تقوم على قواعد يتقاسمها الجميع من بينها احترام إرادة الشعوب ونبذ الإرهاب والجريمة المنظمة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير وقداسة الحدود الجغرافية والحرص على الأمن المشترك وإطلاق مسار التنمية المندمجة على أساس تقاسم الأعباء والمنافع لفائدة الشعوب المغاربية، التي ما أحوجها اليوم، أكثر من أي وقت مضى لإدراك مستويات متقدمة باتجاه التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مواجهة تنافس اقرب للصدام بين القوى العالمية التي تتربص بالأسواق التجارية ومصادر المواد الطبيعية الأولية، ولا تتوانى في إقحام مجتمعات المنطقة في صراعات جانبية لاستنزافها في كافة المجالات بما فيها الموارد البشرية الخلاقة للثروة.
تونس تخرج من عنق الزجاجة . .
سعيد بن عياد
شوهد:1336 مرة