القرارات الدولية لازالت تعتبر القضية الصحراوية قضية تصفية استعمار
في حوارها مع السيد فؤاد جدو أستاذ العلوم السياسية بجامعة بسكرة، توقفت «الشعب» عند تطورات القضية الصحراوية، خاصة مصادقة مجلس الوزراء المغربي برئاسة الملك محمد السادس على اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي والتي تنصّ صراحة على أن المغرب يضمّ المياه الإقليمية للصحراء الغربية وبأن الإقليم الصحراوي ليس جزءا منه ولا سيادة له عليه.
كما تطرّق الحوار الى حظوظ استئناف العملية السلمية بعد استقالة المبعوث الأممي هورست كوهلر، ووسائل الدفاع المتاحة أمام الصحراويين لاستعادة حقّهم المسلوب.».
« الشعب»: قبل أيام صادق مجلس الوزراء المغربي تحت رئاسة الملك محمد السادس على اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي والتي تنصّ صراحة على أن المغرب يضمّ المياه الإقليمية للصحراء الغربية بمعنى إقراره بأن الإقليم الصحراوي ليس جزءا منه ولا سيادة له عليه، ما تعليقكم؟
الأستاذ فؤاد جدو: بالنسبة لمصادقة المغرب على اتفاقية الصيد مع الاتحاد الأوروبي، هو في الحقيقة ليس أول مرة بل هي استراتيجية مغربية جديدة في العشر سنوات الأخيرة تعمل من خلالها الرباط على منطق التعامل مع الواقع وتجاهل الواقع في نفس الوقت، فهي قبل هذا طلبت الانضمام للاتحاد الإفريقي رغم انسحابها منه عندما كان تحت اسم منظمة الوحدة الإفريقية بعد الاعتراف بجمهورية الصحراء الغربية، والآن عادت وقدّمت طلب الانضمام ووافقت على ميثاق الاتحاد الإفريقي والذي يضمّ ويعترف بجمهورية الصحراء الغربية وهو أمر يقوم على التعامل مع الواقع وتجاهل الوقائع.
المغرب وفي أمسّ الحاجة لدعم اقتصاده الوطني وهذه الإتفاقية تسمح له باستغلال عائدات الصيد في المياه الإقليمية للصحراء الغربية، فهذا هو التحول بالنسبة لسياسة المغرب مع الملف الصحراوي.
يتجلى واضحا من خلال المصادقة على اتفاقية الصيد البحري أن المغرب مستعد لأن يفعل أي شيء لنهب ثروات الإقليم الصحراوي، حتى أنّه تخلى على تأكيداته الكاذبة أصلا حول سيادته على الصحراء العربية، ما قولكم؟
المغرب الآن يعتمد كما قلت على استراتيجية التعامل مع المعطيات، خاصة أنه يسعى لتدعيم اقتصاده في ظلّ الاحتجاجات التي تعرفها شوارعه من حين إلى آخر، خاصة في الريف، وهو يريد أن يركز على استخدام القوة الناعمة في دعم اقتصاده وسياسته من خلال ترويج السياحة ودعم الاستثمار واستغلال العلاقات الخاصة لدعم القرارات الدولية خاصة مع فرنسا الحليف التقليدي، وبالتالي فهو لم يعد يركز على المفردات كالسيادة وغيرها بقدر ما يقوم بفرض منطق المصلحة والهروب للأمام حتى مع الإتحاد الإفريقي الذي يعترف بجمهورية الصحراء الغربية، فهو لا يعارضه ما دام أنه يخترق افريقيا اقتصاديا عبر النقل والخدمات والبنوك فهذه هي مقاربة المغرب الجديدة.
تشجيع الاستثمار الأجنبي بالمناطق المحرّرة
كيف يمكن للصحراويين أن يستغلون اعتراف المغرب بأن الصحراء الغربية ليست جزءا من أراضيه في الدفاع عن قضيتهم وتحريكها على المستوى الدولي؟
الآن على الشعب الصحراوي أن يتعامل مع قضيته من منطلق تجسيد المصير وليس تقرير المصير، وأن يتبنى استراتيجية دبلوماسيته تقوم على تفعيل القرارات الدولية لصالحه، وهذا من خلال تقديم أدلة على مستوى المحاكم الدولية والإقليمية كأوروبا والمنظمات الدولية، خاصة على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وشمال أوروبا، وكذا تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية أي أن تبادر الأجهزة الرسمية في الجمهورية الصحراوية إلى تفعيل الاتفاقية مع القوى الاقتصادية الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والصين ودعوتهم للاستثمار في المناطق المحررة، وإعطاء امتيازات وإنشاء شركات صحراوية اقتصادية وأيضا تفعيل الدبلوماسية القانونية من خلال رفع قضايا لإبطال كل الإتفاقيات التي يبرمها المغرب مع الدول والمتعلقة بخيرات الشعب الصحراوي وأيضا بتفعيل الدبلوماسية الإعلامية والإلكترونية للترويج للقضية الصحراوية.
الشركات الأوروبية مصرة على مشاركة الاحتلال المغربي نهب الثروات الصحراوية برغم الأحكام القضائية التي صدرت عن العدالة، فمن أين تستمد هذه الشركات ومعها الاحتلال المغربي إرادتهما في سرقة ثروات الغير دون أن يحاسبهما أحد؟
الشركات الأوروبية ليست كلها تعمل على نهب خيرات الشعب الصحراوي من خلال اتفاقيات مع الإتحاد الأوروبي، وكثيرا ما أبطلت المحاكم الأوروبية هذه الاتفاقيات، وتعتبر فرنسا المحرك الأول لملف الصيد البحري مع المغرب بالإضافة الى إسبانيا، وفي المقابل نجد أن دول أوروبا الشمالية كالسويد ترفض المشاركة في هذه الإتفاقية، لكن دور اللوبي المغربي في أوروبا وخاصة فرنسا والامتيازات التي يقدمها المغرب لبعض النواب في المجلس الأوروبي وكذا بعض القادة السياسيين في فرنسا من خلال تقديم خدمات ومزايا كثيرة تسمح بتغيير التوجهات الخاصة بأصحاب القرار في هذه الدول لدعم القرارات التي تصبّ في المصلحة المغربية، وهذا إلى جانب مضمون الاتفاقية الخاصة بالصيد البحري والتي تضمّ امتيازات للعديد من الشركات الأوروبية التي تتعامل بمنطق برغماتي وفقط.
المغرب يراوغ لنهب ثروات الصحراويين وقبل ذلك كان سببا في استقالة المبعوث الأممي هورست كوهلر وبالتالي نسف جهود العملية السلمية التي انطلقت من ستوكهولم في الشتاء الماضي، كيف يستطيع المغرب توجيه كل هذه الضربات للقضية الصحراوية ومن يدعمه لخرق الشرعية الدولية؟
بالنسبة لاستقالة المبعوث الأممي للصحراء الغربية كانت متوقّعة وأي مبعوث سيأتي للمنطقة في ظلّ تعنت المغرب، لن يقدّم أي جديد لأن المسألة تحوّلت وتحورت، فلو عدنا لاتفاقية وقف إطلاق النار بين الحكومة المغربية في عهد الملك حسن الثاني وجبهة البوليساريو، فهي تؤكد على مبدأ تقرير المصير، لكن مع تولى الملك محمد السادس غير وألغى الاتفاقية الخاصة بوقف إطلاق النار ووضعها في إطار واحد هو الحكم الذاتي، وهو التفاف على اتفاقية مع دولة ووفق الاتفاقيات الدولية ولا توجد أي دولة تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية حتى حليفته فرنسا، ولكن من منطلق التحوّلات السياسية التي جاءت في ظلّ النظام الدولي الجديد، تلاعب المغرب بالقرارات الدولية التي لا تزال تؤكد على عدم سيادة المغرب وأن القضية الصحراوية قضية تصفية استعمار، وبالتالي الإشكالية يطرحها المغرب لأنه هو من غيّر محدد العلاقة القائمة على مبدأ تقرير المصير والاستفتاء، وهذا بدعم فرنسي وتحوّل في الموقف الإسباني ، حيث بعد 2004، قام المغرب بالضغط على الحكومات الاسبانية من خلال ملفي الهجرة غير الشرعية والمخدرات وبعدها الإرهاب وهنا أصبحت إسبانيا تقف في الكثير من المرات إلى جانب الطرح المغربي، ولكن لا تعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهنا نصل لمحصلة طبيعية وهي فشل أي مهمة لأي مبعوث أممي للصحراء الغربية.
ألا تعتقدون بأن الوقت حان على الأمم المتحدة لتتوقف عن أخذ موقف المتفرج وأن تنخرط بجد في حلّ القضية الصحراوية دون تأخير أو مماطلة؟
بالنسبة للأمم المتحدة لا يمكنها أن تفعل أكثر مما تقوم به نظرا للدور الفرنسي على مستوى مجلس الأمن، حيث تقوم في كل مرة بالوقوف ضد قرارات المجلس، خاصة إذا تعلق الأمر بمسألة مراقبة حقوق الإنسان في الأراضي الصحراوية، كما نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن تقف في موقف متوازن مع دول منطقة المغرب العربي فيما يخص الملف الصحراوي، وبالتالي الأمم المتحدة تبقي على معالجة القضية الصحراوية وفق مبدأ تقرير المصير وتصفية الاستعمار، وهذا يعتبر في حدّ ذاته مكسبا للقضية الصحراوية، ورغم مبادراتها للدفع بإعادة المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو، ولكن كل مرة يرفض المغرب أو يتحجّج لإبقاء سياسة الأمر الواقع.
تفعيل سلاح الإعلام للدفاع عن حقّ تقرير المصير
ما الذي يجب على الصحراويين فعله لمواجهة الغطرسة المغربية واستعادة حقّهم في تقرير المصير؟
لا يمكن لأي طرف أن يملي على الشعب الصحراوي ما يجب أن يفعله، وهو يدرك جيدا ما الخطوات التي يجب عليه القيام بها.
الشعب الصحراوي مستعد للقتال وحمل السلاح لإعادة حقوقه، ولكن أعتقد أن تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية والإلكترونية والقانونية كفيل بأن يسهم في تحقيق تقدّم على مستوى الملف الصحراوي، خاصة وأن الإعلام الإلكتروني يسمح بنشر كل ما هو موجود ولا بد من استغلال الكفاءات الصحراوية في الخارج للعب دور فعّال في دعم القضية الصحراوية وتطوير الاقتصاد الصحراوي، نحن في وقت المصالح فيه هي المحرك الأساسي للعلاقات الدولية، فلا يوجد صديق دائم بل مصلحة دائمة.
كلمة أخيرة
أعتقد جازما بأن ما ضاع حقّ وراءه مطالب، والشعب الصحراوي لا بد أن يستمر في نضاله بالطرق السلمية وباستغلال كل الوسائل المشروعة على الصعيد الدولي والداخلي، أكيد أن كل الشعوب التي كافحت لنيل استقلالها تحقّق لها ذلك. وإن شاء الله سيحقّق الشعب الصحراوي حلمه ويستقل بأرضه ويكتمل أيضا المغرب العربي الكبير في بيئة تقوم على التعاون وحسن الجوار والسلم.——