الوضع الأمني تحوّل إلى بيئة حاضنة للإرهاب
يعتقد السيد ياسين سعيدي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة طاهري محمد ببشار في حوار مع «الشعب»، أن الحلول السلمية للوضع في ليبيا باتت صعبة للغاية بسبب تعقيدات الأزمة وتدخلات القوى الغربية على الخط بشكل يجعل المرور إلى مسار الحوار مستقبلا أمرا ليس بالسهل ويستدعي إعادة رسم خارطة التوازنات فيه.
«الشعب»: بات الجميع مدركا بأن ليبيا انزلقت إلى الحرب، وصخب السلاح لم يعد يترك مجالا لسماع دعوات السلام والحوار، ما تعليقكم؟
ياسين سعيدي: ما يحدث اليوم في ليبيا هو ارتداد متوقع لسببين رئيسيين: أولهما أن طبيعة مسار التغيير الذي عرفته ليبيا منذ سقوط القذافي حمل طابعا عنيفا وفتح باب الفوضى وانهيار كامل للدولة، والأمر الثاني يتعلق بفشل مسار الحوار السياسي وإطالته دون المرور إلى إنتاج وضع مغاير يرتكز على الاتجاه نحو بناء دستوري ومؤسساتي يساعد في بناء الدولة الليبية وبالتالي فهذا الإدراك أصبح أمرا حتميا، لذا الكثير من الدول التي كانت تدعم إلى عهد قريب حكومة السراج، دفعتها رؤيتها في عدم قدرة هذه الحكومة على فرض هيمنتها وتمددها عبر الشرق والجنوب، إلى مراجعة مواقفها بما قد يرسم المشهد الليبي من جديد، حتى بعد العودة المحتملة إلى الحوار، وبالتالي فإذا سلمنا بأن حل الأزمة الليبية لا بد أن يمر عبر الحوار، فإن السعي إلى إعادة رسم خارطة التوازنات في مسار الحوار مستقبلا هي التي تبرر ما يقع الآن في ليبيا.
القوى الغربية تنتج الأزمات
وترعاها للحفاظ على مصالحها
مفوض السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي إسماعيل شرقي اعترف بوجود تدخل خارجي لا مثيل له في ليبيا، وقال بأن الليبيين يخوضون حربا بالوكالة لصالح جهات أجنبية، ما القصد من هذا الكلام؟
هذا السؤال يتمم ما ورد في سياق السؤال الذي سبق، فالمقصود المباشر هوفرنسا وغيرها من الدول التي باتت تجاهر في دعمها للجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، حيث أن الذي وقع في ليبيا هوبمثابة تحالف بين قوى الاحتراب الداخلي ومصالح الدول الغربية، بشكل جعل من الجماعات والميليشيات تتجه إلى حشد الدعم الخارجي، وهذا الدعم أصبح اليوم واضحا وفي الميدان من خلال التمويل اللوجستي والعسكري وتحصيل التغطية الدولية، ناهيك عن اللقاءات والتصريحات المختلفة التي تحاول الانتصار لأحد الأطراف أوتبرير تصرفه، وهذا ليس بجديد على الكثير من الدول الغربية التي أصبحت تساهم في إنتاج الأزمات ورعايتها وتتراجع عن مواقفها في دعم الشرعية لا سيما إذا تعلق الأمر بفضاء جيوسياسي مهم، فالدول الغربية ما يهمها هوأن تستمر مصالحها في ظل الأزمة أوأن تحسم المعركة لحلفائها ولعل تتبع مسار الأزمة الليبية منذ عهد المجلس الانتقالي في مارس 2011 بقيادة مصطفى عبد الجليل إلى اليوم يكشف عن التموقع المتردد والمتباين لهذه القوى من ظرف لآخر وبشكل واضح.
مبعوث الأمين العام الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، دق هوالآخر ناقوس الخطر، وقال أن ما يجري في ليبيا من مواجهات ستخترق الحدود لتعرض أمن جيرانها المباشرين وأمن منطقة المتوسط للخطر، ودعا لتحرك قوي وسريع، ما هي تداعيات الوضع الليبي على الجوار والإقليم؟
هذا التصريح ليس جديد فليبيا أصبحت بيئة منتجة وحاضنة لمصادر التهديد الممتد منذ بداية الأزمة، فالإرهاب والهجرة غير الشرعية وتجارة المخدرات والأسلحة وانتقال الجماعات، تدفق بشكل واضح عبر الفضاء الإقليمي الذي يملك بدوره بيئة مهيأة لانتشار التهديد جنوبا من خلال نشاط الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة وتنقل المهاجرين واللاجئين، وكذا انتشار الخلايا الإرهابية والهجرة غير شرعية شمالا باتجاه الإقليم المتوسطي ما يجعل الأزمة الليبية محل استقطاب دائم لتفاعلات أمنية في المنطقة ويدعو لاستشعار الخطر الدائم.
خطر الجماعات الإرهابية
امتد من ليبيا إلى 14 دولة
دول غربية كثيرة أكدت أن الجماعات الإرهابية أكبر المستفيدين من الانحدار الأمني في ليبيا، كيف ذلك؟
المعروف أن بيئة المستنقعات الأمنية هي أفضل الفضاءات لتموقع وازدياد نشاط الجماعات الإرهابية، فهشاشة الدولة وحدها أمر مخيف للغاية ومبرر كاف لنمو هذه الجماعات وتقويتها في ظل الفوضى وانتشار العنف فما بالك إذا تلازم مع تعقيدات الوضع الأمني من مخلفات انتشار السلاح الليبي سابقا، والتزود الحالي في معارك الحسم إضافة للوضع الإقليمي الصعب، كل هذا يثير قلقا بهذا الشأن ودعيني أقول لك بأن أحد التقارير كشف أن خطر الجماعات الإرهابية في ليبيا قد مسّ على مدار 8 سنوات 14 دولة وهورقم خطير، وبالتالي فإن المخاوف المتجددة قد تكون نابعة من القلق إزاء التدخل الخارجي الحالي الذي يعد في حد ذاته بمثابة مسوغ كاف لتنشيط وتكثيف خطر هذه الجماعات لأن الأزمات الأمنية السابقة كشفت عن ترابط واضح بين التدخل الخارجي وتواجد هذه الجماعات في مناطق التوتر الأمني، مما قد يؤدي إلى تقوية مبرر وجودها أوارتفاع نشاطها في عقيدة الإرهابيين أوتوظيفها ضمن مخططات قوى تسعى إلى خدمة أجندة معينة في المنطقة مثلما حدث في سوريا، ضف إلى ذلك الخطر الأكبر هوالتكوين الميليشياوي لجيش الحكومة والجيش الليبي الوطني بقيادة حفتر ما قد يفتح باب التحالفات عبر خطوط الإمداد والتحرك وحتى القتال الميداني وهوأمر حاصل وغير مدرك اليوم.
تقارير عديدة تشير إلى أن ليبيا وجنوبها خاصة أصبح نقطة استقطاب للإرهابيين (المقاتلين الأجانب) الذين تم دحرهم من العراق وسوريا، ما قولكم؟
الخطر الأكبر الذي قد تحمله هذه الجماعات، هوتلك الخبرة القتالية والانتقال من الإرهاب المحلي إلى العالمي في ظل الفضاء الليبي المساعد على تمركزها، وبالتالي إمكانية تحركها داخليا في مواجهة الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر شرقا أومع قوات الحكومة الليبية غربا بالإضافة إلى تمددها عبر الجوار الجنوبي لاسيما بعد إعلان البغدادي في ظهوره الأخير عن تأسيس فروع جديدة لداعش في مالي وبوركينافاسو، مما يؤكد رغبة التنظيم في التواجد والتموقع عبر غرب إفريقيا وبالتالي فإن قدرة هذه الجماعات على التجنيد والتوسع في ظل محاولة تمددها في الجنوب الليبي يبقى أولويات الخطر الإقليمي وقد يثير المخاوف من ارتفاع حدة المعارك الداخلية أوحتى إمكانية التدخل العسكري المباشر إذا ما رأت الدول الغربية مبررا مصلحيا يستدعي ذلك مثلما حدث في شمال مالي أوفي سوريا أواليمن لاسيما في ظل فشل قوات حفتر في دخول طرابلس تحت مبرر مكافحة الإرهاب.
الالتفاف الغربي حول حفتر ماضٍ في التوسّع
المتابعون للوضع الليبي يؤكدون بأن دولا دخلت على خط الأزمة قصد تأجيجها من خلال تزويد هذا الطرف والآخر بالسلاح، ما تعليقكم؟
بخصوص الدعم الخارجي، أظن أن الغرب أربكته تعقيدات الأزمة الليبية، وأدرك أن الوضع الداخلي الصعب قد ألقى بظلاله بشكل واضح على مسار الحوار السياسي بين أطراف الأزمة، لذلك أضحى الحل بالنسبة للغرب، هوأن تنتصر قوة داخلية، خاصة وأن التاريخ بيّن أن الحروب ذات الطبيعة الأهلية أوالميليشاوية تنتهي غالباً بانتصار طرف عسكري على أطراف أخرى، تمكنه من فرض أجندته على الجميع وبالتالي قيادة عهد جديد، ودعيني أقول لك أن الغرب بات يرى في حفتر تلك القوة القادرة على فرض سياسة الأمر الواقع لاسيما بعد انصهار عديد المليشيات في جيشه، ناهيك عن الانتصارات الميدانية التي حققها هذا الرجل رغم عدم تمكنه من دخول طرابلس، بالإضافة إلى سيطرته على مناطق حيوية تضم حقول النفط، لذا فإن الدعم الخارجي بالسلاح أوالمواقف، ينم عن فرضية قبول التسليم بإمكانية الحل العسكري في الدفع نحوتسوية الأزمة بدل إطالتها التي قد تؤدي إلى انهيار تام لفرص حلها وبالتالي استنساخ تجربة صومال جديد في المنطقة بحسبهم.
التحدي الذي يواجه
الجزائر جاثم عبر الحدود
ما هي التحديات الأمنية التي تواجهها الجزائر، وطبول الحرب تقرع في ليبيا والإرهاب يتمدد في المنطقة؟
التحدي الكبير الذي يواجه الجزائر، اليوم، جاثم عبر الحدود، فخطر السلاح والجماعات الإرهابية يشغلها أكثر من الإفرازات الأمنية الممتدة للأزمة الليبية في عمومها، والجزائر مدركة لحجم التحديات المتأتية من الوضع الإقليمي المترّهل ككل، والتحصين التدريجي بداية من 2011 وبعد أزمة تقنتورين جعلها ترفع من اليقظة الأمنية إلى أقصى درجاتها. إن تطورات الوضع الأمني غير محمود العواقب لاسيما بعد التحول في مواقف الدول الغربية إلى إمكانية الحسم العسكري والدعم الكبير في العتاد، يجعل جهود الجزائر عسكريا ترتكز على حماية حدودها والحد من الاختراق الأمني للمنطقة، أما سياسيا فإنها تتجه دوما إلى تغليب مصلحة الشعب الليبي وتتمسك بالحل السلمي الذي لا ترى بديلا عنه وفي إطار من الشرعية التي تخدم بناء الدولة الليبية بمشاركة جميع الأطراف طبعا وبما يؤدي إلى أمن واستقرار المنطقة ككل، وأظن أن زيارة السراج الأخيرة للجزائر كشفت بوضوح عن ذلك مرة أخرى.
لا بدّ من صياغة أرضية توافقية للتسوية
أمام ما تعيشه ليبيا، هل يمكننا أن نقول أن فرص السلام اندثرت، وبأن سوريا جديدة حلت بالمنطقة؟
لا يمكن الجزم بذلك، رغم خصوصية الوضع الليبي الصعب فليبيا اليوم بحاجة للمرور إلى العمل المؤسساتي والدستوري وهذا أكبر تحد، لكن هذا الأمر يمر حتما عبر حوار ليبي بين أطراف الأزمة لاسيما بين حكومة السراج وحفتر اللذان يمثلان الآن قطبا الأزمة الليبية، ويبقى على المنظمات الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي أن تدفع لصياغة أرضية توافقية للحل، فرغم أن الوضع الحالي قد يدعم سؤالك، لكن الحل يبقى بيد الليبيين والمستجدات الميدانية الحالية ستساهم في رسم معالم جديدة للحوار وإعادة التموقع بين أطراف الأزمة الليبية.